مقاومة الطغيان فريضة وضرورة

الأستاذ : محمد مهدي عاكف

التدافع بين الحق والباطل سنة من سنن الله تعالي وقوانينه التي لا تتبدل ولا تتخلف { كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ} الرعد 17
ومن مظاهر رحمة الله أن هذا التدافع يظهر من خلاله الحق ويتمحص وبسببه تظهر الحقيقة ويعلو الخير { وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ } البقرة 251
ولقد أمر الله أهل الحق بالجهاد في سبيل الله بالمال والنفس وبكل ما يمكن الجهاد به للتدافع مع الباطل وأهله لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلي يقول تعالي {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} التوبة 41
إن من الضرورة بمكان إدراك أن سنة الله تعالي في مقاومة الطغيان تقتضي أن يقوم في الأرض حق يتمثل في أمة تعرف مسئوليتها وتدرك حقها فى حياة حرة كريمة ، وتسعى بكل الوسائل السلمية لتحقيق ذلك، ثم يقذف الله تعالي الحق علي الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق { بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ } الأنبياء 18
إن الطغاة يمكرون بالإسلام والمسلمين ويعدون الخطط الجهنمية { وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ } إبراهيم 46
وليت الأمر اقتصر علي أعداء الإسلام من دول الغرب إنما المصيبة الكبري أن يأتي المكر والعداء للإسلام من أبناء جلدته وولاة أمره والكبراء فى مجتمعه فيقول تعالي (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ)الأنعام 123
لقد صار المجرمون هم أكابر المجتمع اليوم وطغاته، وما ذاك إلا بسبب غفلة أهل الحق وضعفهم وتفرقهم وجهلهم لسنة التدافع وقيامهم بمقتضاها مما سهل لأهل الباطل أن يسيطروا وأن وينصبوا من أنفسهم قادة .
إن الحق لابد له من قوة تحميه وتدافع عنه فى مواجهة الطغيان، فإذا فقد هذه القوة برزت قوة الباطل وبرز المجرمون .
إن أصحاب المكر السيء يستخدمون كل أنواع المكر من قتل وحبس وإبعاد، وإذا كان لدى هؤلاء كل الوسائل المادية والمعنوية التى تمكنهم من الوصول إلى غاياتهم، فإن الشعوب لديها من الطاقات الكامنة والإمكانات الهائلة ما تستطيع بها أن تفرض إرادتها وأن تشارك فى صنع الحياة وتقرير المصير .
ولقد قدر الله سبحانه وتعالي لدينه أن ينتصر وللمسلمين أن يمكنوا وللمشركين أن ينهزموا ومع ذلك قال لهم ( ذلك وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ ) محمد 4
فلابد من اتخاذ الأسباب للقضاء علي الطغيان والتمكين لدين الله وان كان ذلك قدرا مقدورا من عند الله وليس الله عاجزا - سبحانه وتعالي- عن نصرة الحق بغير الأدوات البشرية وهو الذي يقول للشيء كن فيكون ولكن هكذا اقتضت مشيئة الله وهكذا تجري سنته .
إن الله تعالي جعل التمكين في الحياة يمضي بالجهد البشري وبالطاقة البشرية علي سنن ربانية وقوانين لا تتبدل ولا تتحول فمن يقدم الجهد الصادق ويخضع لسنة الله يصل علي قدر جهده.
فإلي أبنائي الشباب نقول لهم :
إن الإيمان والإخلاص والحماسة والعمل من خصائص الشباب ومن هنا كان الشباب قديما وحديثا في كل أمة عماد نهضتها وفي كل نهضة سر قوتها وفي كل فكرة حامل رايتها (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ ءامَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى)الكهف 13 .
يا معشر الشباب لقد ألف الناس في مجتمعاتنا الأدب مع الكبير ولو داس رقابهم واعتبار التصاغر أدبا والتذلل لطفا والتملق فصاحة وترك الحقوق سماحة وقبول الإهانة تواضعا والرضا بالظلم طاعة والإقدام تهورا والشهامة شراسة وحرية القول وقاحة .
أما انتم حماكم الله من السوء فنرجوكم أن تنشأوا علي غير ذلك فتعرفوا قدر نفوسكم فتكرموها فأنتم كما قال الإمام البنا : لستم أضعف ممن قبلكم ممن حقق الله علي أيديهم هذا المنهاج، فلا تهنوا وتضعفوا وضعوا نصب أعينكم قوله تعالي (الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) آل عمران 173
واعدوا لذلك إيمانا لا يتزعزع وعملا لا يتوقف وثقة بالله لا تضعف وأرواحا أسعد أيامها يوم تلقي الله شهيدة في سبيله .
والي علماء الأمة نقول :
إنكم ورثة الأنبياء وحاملو لواء الحق فكونوا في طليعة المقاومين للطغاة كما كان رسولكم صلي الله عليه وسلم الذي واجه الطغيان ولاقي من الأذى والعنت ما لاقي، وكونوا خير خلف لخير سلف ,لتلك القافلة المباركة من العلماء الذين رفعوا رايات الامة عالية خفاقة فمنهم من قضي نحبه ومنهم من سُجِن وعُذّب فلم يفت لهم عضد ولم تلن لهم قناة .
وإلي شعوبنا الإسلامية نقول :
إن التغيير الذي تنشده الأمة يقف في مواجهته طواغيت الأرض وطغاتها ولن يمكن تحقيقه من غير جهاد ومقاومة فالقوى الظاهرة والخفية القابضة علي الزمام قوي شريرة وهي تعمل ليل نهار علي خفت صوت الإسلام بشتى الطرق والوسائل ومواجهة الطغيان يحتاج وقبل كل شيء إلي تربية جهادية تُخَرّج أنماطا من المجاهدين يحبون الموت كما يحب الناس الحياة ويؤدون الواجب نحو ربهم وأنفسهم ووطنهم بالعمل الجاد والصبر عليه وعدم التفريط فيه فى همة عالية وإصرار على العمل .
والشعوب الحية هي التي تواجه الطغيان وتستخلص حقوقها وتفرض إرادتها, فالحقوق تُنتَزع ولا تُمنَح ولا نعرف طاغية علي مدار التاريخ أعطي لشعبه حقوقه طواعية .
وبعد .... فان مقاومة الطغيان ودحره والانتصار لدين الله ليس بالأمر السهل وأيضا ليس بالأمر المستحيل . إذ علي الرغم من التضييق الشديد والحرب الضروس التي تشن علي الإسلام وأهله إلا أننا نري مزيدا من الارتباط به والإقبال عليه والاستعداد للتضحية فى سبيله، وها هي إمبراطورية الشر تتهاوي وها هو حلم صهيون يتلاشى، ونحن نثق بوعد الله إن الأرض يرثها عباده الصالحون وهذا ليس من باب الأحلام والأمنيات ولكن من باب الثقة في الله واليقين بوعده (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) الروم : 47 (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) آل عمران 139 (إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) الطلاق 3
وصلي الله علي سيدنا محمد وعلي اله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين