مقابلة مع الطبيب الباحث الأديب د. أحمد كنعان (1)

• هو د.أحمد محمد كنعان والعديد من المؤلفات العلمية في الطب والأدب والفقكر الإسلامي .

• د. كنعان : الأزمات الطاحنة التي تعاني منها الأمة هي التي جعلتني أتوجهإ إلى الكتابة الإسلامية .

• الرواية تعيش اليوم عصرها الذهبي .

• روايتي "المطر " تكشف فساد المجتمع ، ورواية " الكلبشة " تتناول التمزق الفكري الذي تعيشه الأجيال العربية الحاضرة .

* تقديم : 

يحمل الدكتور أحمد كنعان فوق كاهله همومًا متعددة تتباين بين الإبداع والثقافة ومشكلات العالم الإسلامي وأزمة المواطن العربي في ظل الظروف الراهنة المليئة بالإشكاليات والتحديات والتقلبات المتسارعة، وللدكتور العديد من الكتب لعل من أهمها "الموسوعة الطبية الفقهية"، وكتاب "العقلية الإسلامية بين إشكالات الماضي وتحديات المستقبل"، وكتابه "نظرات في علم أصول الفقه" وروايتيه "المطر" و "الكلبشة" وقد نشر عدداً لا يحصى من المقالات في الصحف والمجلات، وشارك في عشرات المؤتمرات العلمية العربية والأجنبية، وقد عمل د. كنعان أستاذاً في "أخلاقيات الطب" بالجامعات السعودية لأكثر من عشرين عاماً . وهو اليوم من أنشط المدونين في وسائل التواصل الاجتماعي، وعمل رئيساً لقسم مكافحة الأمراض المعدية في شرقي السعودية لأكثر من ثلاثين عاماً، وهو يمارس الطب بروح الهواية ليخرج من كهوف الرتابة .. وقد كان لنا معه هذا اللقاء..

* د. أحمد .. حدثنا عن العلاقة ما بين الطب والأدب ، وعلاقتك بالإبداع ؟

- العلاقة بين الطب والأدب علاقة معروفة ومشهورة عالمياً، فالأطباء بصورة عامة نخبة من المثقفين ثقافة عالية، وهم بحكم المهنة شديدو الصلة بالنفس البشرية وما يعتريها من أحاسيس وعواطف ومشاعر وهذا ما يخلق روح الأدب عند الأطباء ، وقد عرف تاريخ الأدب الكثيرين من الأطباء الذين اشتهروا في الأدب حتى نسي الناس أنهم أطباء ! 

أما علاقتي بالأدب والإبداع فقد بدأت منذ نعومة أظفاري عندما كنت أصحو في الصباح الباكر على صوت والدي رحمه الله وهو يرتل القرآن، وهذا ما جعل روحي تتعلق بالبلاغة الإلهية المعجزة، وجعلني أعشق الحروف والكلمات، ومنحني خيالاً خصباً يجوب السماوات والأرض متأملاً قدرة الخالق سبحانه، وروعة الخلق، وجمال الكون !

* في تقديرك ما هي أسباب ندرة نشر البحوث العلمية العربية في الدوريات والمجلات العلمية العالمية ؟

- أولاً لا بد من التذكير بأنه ليست لدينا إحصائيات عن معدلات نشر البحوث العربية في الدوريات العالمية، وهذه واحدة من نقائصنا لأننا لا نحفل بالإحصائيات ! ثم إن نسبة البحوث العلمية تتناسب طرداً مع نسبة مراكز البحث العلمي والميزانيات المخصصة للبحث العلمي، وكلنا نعرف أن ما ينفق عندنا على إنتاج وشراء المسلسلات والأفلام الهابطة يبلغ أضعافاً مضاعفة عما ينفق على البحث العلمي فكيف تتوقع من أمة هذا حالها أن تبحث وتفكر وتنتج علماً ؟!

* ما هو رأيك بقصص الخيال العلمي ؟ وما هو تفسيرك لندرتها في الوطن العربي؟

- قصص الخيال العلمي تمثل حقلاً خصباً ومثيراً من حقول الأدب ، وهي اليوم تجد سوقاً رائجة بسبب الإنجازات العلمية الكثيرة التي نصحو كل يوم على الجديد منها، وقد بلغ بعض كتاب الخيال العلمي درجة عالية جداً من القدرة على الاستشراف المستقبلي فكثيراً ما تنبؤوا باكتشافات واختراعات عديدة قبل أن يكتشفها العلم بسنوات طويلة، وهنا أذكر أن القرآن الكريم كان سباقاً في تأسيس هذا الضرب من الأدب، ولا أعني أن القرآن الكريم هو كتاب خيال، لكن ما ورد فيه من أخبار المعجزات الخارقة للعادة وحديثه عن الظواهر الكونية .. كل ذلك مما جاء فيه وجاء في الرسالات السماوية التي سبقته حرَّض الخيال البشري ونبَّه العقل إلى الكثير من الآفاق الجديدة التي لم تكن تخطر على البال، وكم أعجب وأتأمل حال أمتنا التي حرَّضها قرآنها على إعمال الخيال والفكر والعقل قد أصبحت اليوم في آخر القافلة، فهي لم تكتف بإهمال قصص الخيال العلمي، بل لم تعد اليوم تحفل بالعلم نفسه !

* ما هي الدوافع التي دفعتك للكتابة في مجال الفكر الإسلامي ، وتأليف كتاب مثل : العقلية الإسلامية بين إشكالات الماضي وتحديات المستقبل " ؟

- التفكر والتأمل والبحث عوالم تشدني إليها بقوة، فأنا أحس في نفسي توقاً بلا حدود للسعي وراء المجهول وارتياد العوالم الجديدة، ويعود هذا الميل عندي إلى طفولتي الأولى كما ذكرت لك عندما كنت أصحو في الصباح الباكر على نفحات القرآن الكريم، وعندما كبرت وبدأت أحس بالأزمات الطاحنة التي تعيشها أمتنا الإسلامية، وجدت نفسي منغمساً مثل الكثيرين من أبناء جيلي في التفكير بمخرج من هذه الأزمات ، وهذا ما جعلني أتوجه إلى الكتابة الإسلامية، لأنني أعتقد أن هذه الأمة التي أعزها الله بالإسلام أول مرة لن تجد العزة بغيره أبداً، وقد تكونت لدي القناعة من خلال التجربة والمعايشة أن الأمة الإسلامية قد بعدت خلال تاريخها الطويل عن المصدر الأول للإسلام، أعني الوحي (كتاباً وسنة) وأحلت مكانه التراث الذي أنتجه الفقهاء والمفسرون والمؤرخون، ولا يخفى أن هذا التراث مهما اعتقدنا فيه الصواب، يبقى إنتاجاً بشرياً غير معصوم؛ قد يصيب وقد يخطيء ، أما الوحي فلا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وقد ناقشت في كتابي المذكور هذه الإشكالية، ودعوت لإعادة النظر في التراث الإسلامي من أجل تجديد الاجتهاد فيه، وتفعيل العلاقة ما بين الوحي والواقع على ضوء التغيرات التي حصلت في عصرنا الراهن والتحديات التي تنتظرنا على بوابة المستقبل .

* وهل جاء إقبالك على مجال الرواية بحكم أنها فرضت نفسها على الساحة وأصبحت كما يقولون ديوان العرب الحديث ؟

- لا شك في أن الرواية تعيش اليوم عصرها الذهبي، ويرجع هذا في رأيي إلى التوسع الهائل بقنوات البث التلفزيوني، ووسائل التواصل الاجتماعي، والسينما التي تشكل الرواية مادتها الأساسية، وربما كنت مثل غيري من الكتاب مندفعين بهذه الموجة لكتابة الرواية، إلا أنني من خلال تجربتي الخاصة أحس بأن الموضوع هو الذي يحدد للكاتب أسلوب الكتابة سواء كانت رواية أو شعراً أو قصة .

* حدثنا عن روايتيك : المطر ، والكلبشة ؟

- رواية "المطر" تحكي قصة نكسة حزيران 1967م، وتحاول أن تبث في نفوس الجيل الصاعد الأمل في التغيير من خلال قصة طفل وطفلة يترعرعان معاً على البراءة والحب والصدق والعطاء، وعندما يكبران ويبدآن رحلة العطاء يبدآن باكتشاف الفساد المستشري في المجتمع، فتبدأ تلك القيم الجميلة التي نشآ عليها تتكسر أمامهما شيئاً فشيئاً حتى تصل إلى الكارثة مع النكسة، فعندئذ ترى البطلة أحلامها تذهب أدراج الرياح، ويجد البطل نفسه فجأة متهماً بالخيانة على الرغم من أنه شارك في الدفاع عن الوطن، وخرج من الحرب معطوباً، ويجد صديقه الذي استشهد في المعركة مطلوباً بتهمة الخيانة، وأمام هذه النكسات يصمِّم البطلان على مواجهة الواقع ورفض الهزيمة !

أما رواية "الكلبشة" فتحكي قصة التمزق الفكري الذي تعيشه أمتنا في المرحلة الراهنة، من خلال قصة ثلاثة شبان يمثلون ثلاثة شرائح فكرية، يجدون أنفسهم فجأة معتقلين من قبل أمن الدولة، وتجمع بينهم الكلبشة التي يربطون بها تمهيداً لنقلهم إلى سجن تدمر الرهيب، وفي الطريق تنقلب بهم السيارة فيهربون، وخلال رحلة الهروب هذه تظهر التناقضات الفكرية الحادة بينهم، فيتصارعون ناسين الكلبشة التي تربطهم هم الثلاثة، فالرواية محاولة لتعرية هذه التناقضات وبيان أن معظم معاركنا الفكرية تدور خارج ساحتها الحقيقية، لأنها تنسى الظلم الذي يربطهم جميعاً !

* هل يولد الألم الإبداع لدى الأديب ؟ 

- هذا صحيح إلى حدّ بعيد، فالمعاناة والألم وحالة التأزم هي التي تدفع الأديب للكتابة في غالب الأحيان، والأديب بطبعه الحس المرهف، نجده كثيراً ما يتألم لأمور يراها الناس تافهة، أما هو فيراها كارثة، لأنه يدرك برهافة حسه أن أعظم الكوارث البشرية قد بدأت بأخطاء تافهة لم ينتبه الناس إليها في الوقت المناسب ! ومن الطريف هنا أن أذكر بأن لي كتاباً طبياً علمياً بعنوان "الألـم" تناولت فيه مفهوم الألم من وجهة النظر الطبية والنفسية والاجتماعية، اعتبرت فيه الألم نعمة كبيرة لأنه يمثل في حياتنا جرس الإنذار الذي ينبهنا لوقوع الخطر، ومن هنا أرى أن "الربيع العربي" قد آلمنا كثيراً، لكنه نبهنا إلى الكثير من أمراضعنا !

يتبع

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين