مقابلة مع الشيخ عبد الرحمن الباني

 

أجرى الحوار منذ سنوات : المشرف على الموقع الشيخ مجد مكي

 هذه مقابلة كنت أجريتها مع فضيلة الشيخ عبد الرحمن الباني – رحمه الله تعالى-، عند زيارتي للرياض يوم الجمعة 5/شعبان/1418هـ، بصحبة الأخوين الكريمين : الشيخ محمد بن عبد الله الرشيد ، وعبد الرحمن حجار ، وقد وجدت مسودة هذه المقابلة بين أوراقي عند زيارتي لجدة في يوم الإثنين 11 رجب 1432هـ، واستحسنتُ نشرها في الموقع إحياءً لذكرى الشيخ الباني الراحل رحمه الله تعالى.
 
ما أثر أستاذنا علي الطنطاوي فيكم، وأثره على الصحوة الإسلامية؟ وما صلتكم بالإخوان؟.
لشيخنا الطنطاوي فضل على الصحوة الإسلامية، وهي من فضل الله أولاً، وشيء لم يكن منتظراً للمسلمين.
اعتقلت في مصر سنة 1948م. نقلونا في رمضان في عزِّ الصيف على سفينة لا تصلح إلا للدواب من (هاكتسب) إلى (الطور).
فلما وصلنا إلى باب المعتقل (سجن الطور)، وكان لا يرسل إليه إلا العتاة من المجرمين. وكنت طالباً في الجامعة، وهناك مَنْ هو أصغر مني سناً، منهم الأستاذ عبد الحكيم عابدين ، وقبل أن ندخل من أبواب السجن، قد لاث على رأسه عمامة، فقال أحد الضباط: أنتم مرضى في عقولكم، جيء بكم لتشفوا من هذا المرض، ثم تلا الآية :[إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ] {المائدة:33} . فأخطأ في قراءة الآية، فنبَّهه طلاب المتوسِّط، ودخلنا السجن.
قلت لصديق لي اسمه عبد النافع السباعي ـ ولم أعرف أصفى منه ـ والشباب المعتقلون في عمر الزهور، ومن أسر كريمة غنية، فارقوا أهليهم وتحمَّلوا الأذى في سبيل الله ، فقلت له: هذه معجزة الإسلام في هذا العصر.
الصحوة لها عوامل كثيرة، والفضل لله أولاً، والطنطاوي له فضل جزاه الله عني خيراً، درَّسني في مدرسة ابتدائية تُسمَّى (الجوهرية السفرجلانية)، سُمِّيت الجوهرية نسبة إلى رجل فاضل اسمه الجوهري بنى المدرسة، وجدَّد بناءها الشيخ عيد السفرجلاني في عصرنا الحالي، وسميت سفرجلانية نسبة لمؤسسها.
السفرجلاني يستفاد من ترجمته فهو من أهل العلم له فضله في ممارسة التربية التي يحتاج إليها المسلمون في هذا العصر. بدأ التدريس في الحادية عشرة من عمره وترك التدريس، وهو ابن تسعين سنة.
 
ما تقويمكم لهذه المدرسة؟
أهلي وضعوني في هذه المدرسة ، وكان ذلك من توفيق الله لي ، فهي أول مدرسة أهلية طبَّقت منهاج وزارة المعارف. ومنهاج وزارة المعارف كان ولا زال فيه ثغرات كثيرة.
وأما هذه المدرسة فجوُّها إسلاميٌّ غير موجود في غيره من المدارس، والدوام مستمر فيها صيفاً وشتاءً. إذا جاء الصيف كانت بعض الأسر الدمشقية تضع أولادها في هذه المدرسة، والذي لاحظته وأنا صغير، أن الجوَّ يتغيَّر عما كانت عليه، فالسينما كانت مكروهة جداً، وكان الشيخ عيد يُحسن اختيار الأساتذة.
 
متى تعرفتم على فضيلة الشيخ عبد الفتاح أبو غدة؟ ومن كان معكم في الدراسة بمصر؟
الشيخ عرفته بمصر أيام الطلب، لقيته أول مرة. وكانت وزارة المعارف ترسل للتخصص في كل العلوم، الدكتور جميل سلطان ، حصل على الدكتوراه في الأدب العربي من السوربون، قرأ المستشرق نصاً: ولبست المرأة ثوب الحدَّاد (بدل: الحِدَاد)؟.
فكانت الوزارة ترسل في كل الاختصاصات، ثلاثة لم يكونوا من الأغنياء، بعضهم عامل خياطة، هؤلاء الثلاثة منهم محمد خير الجلاد، ومحمد كامل الحمامي، وعبد الفتاح غندور.
يرسل للتخصص مختلف المواد إلا العلوم الدينية، فهؤلاء قرروا أن يعملوا صندوقاً مشتركاً يضعون في الصندوق ويقتسموه بالسوية.
الغندور درس في دار العلوم، ومحمد خير جلاد والحمامي درسا في كلية الشريعة، وتخصصا في القضاء الشرعي، ورجعا إلى الشام.
 
نريد أن تحدثونا عن صديقكم الدكتور أمين المصري؟
الدكتور أمين المصري من فضائله بما لديه من وعي وإخلاص أن ذهب بنفسه للدراسة بكلية أصول الدين، ثم ندب نفسه للدكتوراه في انجلترا، وأنجز الدكتوراة.
يعرف الفرنسية والانجليزية جيداً، والعلوم الشرعية والتربوية، اختصر كتاباً لمستشرق اسمه (شاخت) له كتاب في (الفقه الإسلامي).
ذهب للتخصُّص، واختار موضوع الكتاب لدراسته وتقويمه.
شعر بحاجة السعودية، وأقنع وزير التعليم العالي الشيخ حسن آل الشيخ بضرورة إيجاد دراسات عليا في المملكة.
لما وافقت الوزارة أنشأت كلية الشريعة بمكة، وعهدوا إليه بإنشاء القسم، جاء إلى الرياض يطلب صرف رواتب للطلاب... كان في كلية الشريعة، وكنت في كلية أصول الدين.
 
هل تذكروا لنا بعض ذكرياتكم في مراحل دراستكم الثانوية والجامعية؟
رُشِّحت في دار المعلمين، كنت في السنة الثانية (الأول)، درَّسني محمد المبارك في دار المعلمين، فكان مطلوب من الطالب أن يَعمل بحثاً فعملت بحثاً عن (ابن خلدون والأدب)، و (أسس التربية الإسلامية) فَسُرَّ به كثيراً، وذهب إلى الأستاذ (فيضي الأتاسي) وزير المعارف، فأقنع الوزير لإرسالي للدراسة بمصر.
الصراعُ الفكري في بلاد الشام يحتاج إلى أن يعدَّ الإنسان نفسه إعداداً خاصاً؛ لأنَّ سورية (فسيفساء عقائدي).
دخلت جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حالياً) قسم الفلسلفة، درست في أصول الدين، وفي الجامعة اتَّخذت دفتراً لمحاسبة نفسي على الزمن مصرف الوقت.
أسجل فيه : كيف أنفقت وقتي؟ من الساعة كذا إلى الساعة كذا...
تنتهي الدراسة بالأزهر في الظهر... وأذهب بعد الصلاة للجامعة..
 
حتى أحكم العمل: سجَّلت كيف أنفق وقتي منذ أن أستيقظ إلى النوم.
 ذهبت سنة 1942 إلى الدراسة. وقامت الأحداث بمصر، فخشيت على الدفتر، فأودعت الدفتر عند أخي الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، وصل التمشيط على البيت الذي فيه الشيخ عبد الفتاح فأحرق الدفتر، ولما خرجت بعد اعتقالي بعام دراسي كامل، سألته عن الدفتر؟ فأخبرني بمصيره، وأنَّه أحرقه خشية من أن يقع في أيدي المباحث.
بعد ذلك كنا نلتقي وأزوره ويزورني، ونحضر (حديث الثلاثاء)، للإمام الشهيد حسن البنا.
عُهِد إليَّ بالتدريس في المرحلة الثانوية، اختاروني مدرساً في دار المعلمين، واختاروني للتفتيش. وزرته في حلب، وكان يبذل جهده في التدريس.
جزاه الله خيراً، ورحمه ورحمةً واسعةً.
 
من أقوال الأستاذ الباني:
من نشر كتاباً فكأنما أهداه إليَّ.
الهاتف :الطارق الذي لا يستأذن.
ثلاثة أشياء مهضومة في ثقافتنا: الوقف ـ الحروب الصليبية ـ التاريخ الأندلسي.
انتهى بحمد الله تعالى.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين