مفهوم الشهوة في السياق الليبرالي

ربما يكون هذا الموضوع حسّاسا بعض الشيء، ولكن من تبصّرَ في عالم المفاهيم المعاصرة سيلحظ أنّ مفهوم "الشهوة" مفهوم متقلّب، فهو في السياق الليبرالي المحض محترم مبجّل حتى على مستوى الشهوات المنحرفة، ويوضع في إطار الحقوق المقدّسة للإنسان التي لا يحقّ لأحد إدانتها إلا في حالات قليلة. بينما في سياق الخطاب الليبرالي نفسه حول الدين فالشهوة مُدانة تلقائيّا، بل تُطرح باعتبارها دافعا مذمومًا، فيقال مثلا على سبيل الذمّ: إنّ فلانا المتديّن هدفه من الزواج إرضاء شهوته، أو إنّ هؤلاء المتديّنين "أصحاب شهوة" (وغيرهم من البشر اسكملات مثلا؟)، كما لو كان إرضاء الشهوة الطبيعية أمرا مذموما أو انحرافا أخلاقيا ينبغي للإنسان أن يتحرّج منه!

وقس على ذلك مفاهيم أخرى ينقلب الحكم عليها باختلاف السياق والمخاطَبين؛ فحُبّ الطعام مثلا في سياق شخص غير متديّن قد يكون مدعاة للفخر أو المرح، بينما في سياق المتديّن يصبح مثارا للسخرية واللمز، وأي صورة لشخص عليه سمت التديّن يأكل منسفًا أو أرُزّا بحليب ستكون محلا للطعن الممزوج بالسخرية! 

وكذلك موضوع الثراء، ففي الوقت الذي يكاد مفهوم النجاح يتمركز حول النجاح المادي، ويُطرح أباطرة الثراء الفاحش في العالم نماذج للنجاح الوردي المنشود، فإنّه حين يقترن الثراء غير الفاحش بالمتديّن يصبح محلّ شبهة وطعن ولمز، وتصبح صور السيارات الحديثة العادية مع أهل الدين مدعاة للإدانة، بينما السيارات الفخمة التي تكلّف ملايين الدولارات إذا كانت مع الملياردير الليبرالي تصبح محل دهشة وغبطة وتعظيم من قبل نفس المتلقّين!

السبب الأساسي في هذا كلّه سوادٌ في القلب ولّدَ نفورًا من الدين، فإذا كانت هذه الأشياء مرتبطة بالدين رسموها بأقبح الصور، وإذا كانت مرتبطة بالممارسات المخالفة للدين أو بالشخصيات العلمانية نافحوا عنها وعظّموا شأنها، حتى لو كانت في الأولى ممارسة طبيعية ومتّزنة، وفي الثانية مترفة ومنحرفة عن الفطرة.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين