مفارقات بين أفراح القاعدين وأفراح المرابطين

أ.د. صلاح الدين سلطان
 
أفراح القاعدين هي كما قال الله تعالى: "فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ * فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ" (التوبة:81-82)، فهم في فرحة القعود عن نصرة الدين والوطن والمظلومين يسترْوِحون مع الجلوس أمام المروحة أو التكييف، يتقلبون بين أنواع "الياميش" والمكسرات والحلويات ويتابعون الأخبار والأهرام والجمهورية والشرق والغرب و"الواشنطن بوست" و"الجارديان"، و"التايم" والمصور وروزاليوسف، والفيس والتويتر والسابع والعاشر، ويصْدق فيهم في أحسن أحوالهم قوله تعالى: "وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا" (الأحزاب: من الآية 20)، فهم فرحون بالعزلة عن"وجع الدماغ" وأحسن شيء "امشي جنب الحيط" ولازم تكون ذكي وفطن وتعرف "إن الحيطة لها ودان"، فإذا دخل عيد الفطر فهم في فرح شديد من انقضاء فريضة الصيام على خير، وأنهم تخلصوا من معاناة الحر وترك العوائد من الشاي والقهوة والتدخين أحيانا، وانتهى "زهق الصيام " و "رجعت ريمة لعادتها القديمة"، ومر رمضان بالكنافة، وجاء العيد مع الكعك و"البيتيفور"، والترمس، ولا مانع من الحلبة الخفيفة على البطن بعد شهر صيام، والسوداني في وسط الصينية، وهو بروتين معدل من الفول المصري، وهؤلاء قد يخرجون لصلاة العيد، تكملة لديكور العادات السنوية، وفيه ناس لا تتعب نفسها وتقول "دا مجرد سنة وراحة جسمك فرض"، ولو تفلسف أحدهم يقول:" إن الله لا يقبل النافلة حتى تؤدى الفريضة، فارتاح وروَّح في سابع نومة، وخذ راحتك"، ولما تقوم من النوم ولو في نصف اليوم صلِّ الصبح جمعا مع الظهر، ولا مانع من النوم ثانية قيلولة بعد الغداء الدسم، ونجمع العصر مع المغرب، والعشاء نصليها بعد برامج "التوك شو" للهانم لميس، والمحظوظ زوجها عمرو أديب، وخيري رمضان، ومنى الشاذلي ويوسف الحسيني، وعكاشة وشلة الأنس، ولا مانع من ترويح القلب لدى القاعدين بأفلام إسماعيل ياسين للجمع بين الأصالة والمعاصرة في الفنون، والأفلام السوداء والمتلونة، ومن لزوم الأنس بالعيد لدى القاعدين باعتباره يوم "بحبحة" سماع المغنين والمغنيات بعدد من اللغات، حتى "ولو مافهمناش أي حاجة بس النغمة حلوة"، وطبعا ما تحلاش ليلة العيد لدى القاعدين من غير سينما أبطال الشاشة، ممن يصدق فيهم قول الشاعر محمد أحمد محجوب:
 
هذا زمانك يا مهازل فامرحي         قد عُدَّ كلب الصيد في الفرسان
 
ويودع اليوم بالتليفزيون الذي كان زمان يبدأ اليوم بالسلام الوطني ثم القرآن الكريم بما تيسر من سورة "قل هو الله أحد"، ويختم بما تيسر من سورة الكوثر، فلابد من البدء والختام مع القرآن الكريم، والعيش بينهما مع الشيطان الرجيم، لكن لزوم العلمانية الآن أن يُلغى القرآن والعيش طوال الوقت مع الشيطان الرجيم "شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ" (الأنعام: من الآية112). 
 
أما أفراح المرابطين فمصدرها قول الله تعالى: "قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ" (يونس:58)، فهم قد نذروا حياتهم لله كما قال تعالى: "إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ" (التوبة: من الآية59)، وقوله تعالى: "قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ" (الأنعام:162-163)، وفرحتهم بأيام وليالي رمضان صياما وقياما أشد من فرح غيرهم بكل حطام الدنيا، رباطهم بميادين رابعة العدوية أو النهضة أو الميادين الأخرى ولو ليلة خير من اعتكاف شهر صيامه وقيامه كما ورد في الحديث الذي رواه مسلم بسنده عن سلمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه"، ويبدأون كل يوم بالقيام في السحر حيث ينزل ربنا سبحانه في الثلث الأخير من الليل وينادي عباده : "هل من سائل فأعطيه، وهل من تائب فأتوب عليه"، ويقوم الليل باكيا خاشعا متذللا لينالوا ما قاله تعالى: "وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا" (الإسراء:79)، وما أورده الترمذي في الجامع الصحيح بسنده عن النعمان بن البشير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الدعاء هو العبادة"، ويصلون الفجر جماعة فيكون جميع المرابطين كل يوم في ذمة الله وحفظه دوما، ويحظون بالغنيمة الباردة الهائلة: "ركعتا الفجر خير من الدنيا ومافيها" رواه مسلم، ويقرأون الأذكار فينالون درجات "الذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ" (الأحزاب: من الآية35)، ويقرأون القرآن فينالون درجة المهتدين في الدنيا، والشفاعة يوم القيامة؛ لقوله تعالى: "إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ" (الإسراء: من الآية9)، وروى مسلم بسنده عن أبي أمامة الباهلي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اقرأوه القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه" ويصلي الضحى فيكتب له أجر حجة وعمرة تامة تامة تامة كما جاء في الحديث، وينامون نوم العابدين لا العابثين، ويقومون تطوعا وطواعية، وحبًا وكرامة، وشهامة ورجولة بواجبات الميدان: نظافة وحراسة، وتعليما وتثقيفا، ومتابعة ومشاورة، وترتيبا وتنظيما، وحذرا ونظرا، وإرادة وإدارة، وأملا وعملا، ومرحا وفرحا، وتطبيبا وتمريضا، وتكبيرا وتهليلا، وطبخا وطهيا، ومصافحة ومعانقة، وحبا وإيثارا، واستعدادا واستنفارا، للمسيرات السلمية، الليلية والنهارية، والهتاف عجًا لا ثجًا، حتى تبح الأصوات بحًا، ويأتي الغروب مع نسمات الأذكار، وقسمات الدعاء، ولمسات الجود في تبادل المياه والتمور والعصير، والتمر الهندي والعرقسوس، والسوبيا، والطعام بأنواعه العديدة التي حملت المرابطين أن ينشدوا ظُرفا وطرفا: "اثبت يا ريس؛ الأكل كويس" يعني مطولين، ويقومون لصلاة العشاء والتراويح فيسمعون أندى وأنقى وأرقى الأصوات من القراء الذين تسمع القرآن منهم غضا طريا، حيا قويا، كأنما أنزل الآن، من أمثال الشيخ د. طلعت عفيفي وزير الأوقاف، ود. خالد أبو شادي، ود.عمرو شاهين، ود. خالد عبد الفتاح، والشيخ رجب ذكي، و د. محمد عباس و..... من خيرة القراء الحفاظ، فيرجون أن يكونوا ممن صام وقام رمضان إيمانا واحتسابا؛ فيغفر لهم ما تقدم من ذنبهم وما تأخر، ويبقون للفجر مرابطين مع الوفود المتحركة المرابطة والرافضة للانقلاب، من العلميين والأطباء والصيادلة والمهندسين والعمال والفلاحين والحقوقيين والصحفيين والإعلاميين، والحرفيين والرياضيين والعلماء، والفنانين، والأدباء والشعراء، والأغنياء والفقراء، والرجال والنساء، والشباب والفتيات في جو من العفة والكرامة، والرجولة والشهامة، وسط الملايين التي تعيش أسعد أيامها رغم أنه أطول الصيام من ثلاثين عاما لكنه مر على قلوب ومشاعر المرابطين كأنه ساعة جميلة من ليل أو نهار ويتمنون لو استمر رمضان طوال العام؛ لأنهم يعظمون شعائر الله، وهم متمسكون برباطهم رغم التضحيات الجسام ٥٠٠ شهيد و٩٠٠٠ جريح، أنهم أقوى من عدد وعدة ودبابات ورصاصات الجيش والشرطة والبلطجية، لأنهم عاشقون جميعا للشهادة، راغبون في لقاء الله كما قال الشاعر مخاطبته ربه سبحانه:
 
قد طال شوقي إليك       فعجل مجيئي إليك
 
وهم محبون لمصر أكثر من أرواحهم وأولادهم وأموالهم، فهم كما قال الشاعر:
 
بلادي وإن جارت علي عزيزة     وأهلي وإن ضنوا علي كرام
 
فإن جاء العيد فمرحبا بيوم الجائزة، ففرحتهم برحمة الله ومغفرته والعتق من النيران، والوعد بالنصر والتمكين لهذا الدين، والسكينة تنزل على قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم، ويشعرون بفرحة العيد ممتزجة بهذه البركات ويقضون اليوم بين صلاة العيد والتكبير والإنشاد والتعارف والتآلف والتبسم والتنعم بالألعاب المباحة، والأناشيد الراقية معنى، العذبة صوتًا، الندية لحنًا، الرائعة أثرا، ويتزاور أبناء المحافظات والجماعات والتيارات الوطنية، والائتلافات الشعبية بعضهم بعضا، فيكون العيد أفراحا بثباتهم ورباطهم، مما يغيظ أعداء الله من الانقلابيين الدمويين الخائنين الذين تلاحقهم جرائمهم، وتؤنبهم ضمائرهم، وتطاردهم كوابيس الأحلام، ودعوات الأمهات الثكالى، والأطفال اليتامى، والزوجات الأرامل، فيكون عيد الفطر أتراحا لا أفراحا، وهمًا وغمًا، أما المرابطون فقد جاوزا الأربعين يوما، "فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ" (آل عمران: من الآية 146).
 
يا بؤس أعياد الأغرار الأشرار من القاعدين والانقلابيين، ويا نِعم عيد الأحرار الأبرار من المرابطين والمرابطات، وتقبل الله منا ومنكم، وكل عام وأنتم سعداء بعودة د.مرسي والدستور والشورى بإذن الله، أو نلقى الله شهداء بأرقى المنازل وهي كلمة حق عند سلطان جائر.
 
وكل عيد وأنتم جميعا بخير معشر المرابطين والرافضين للانقلاب، وهدى الله القاعدين، ويا رب سيف انتقامك على الانقلابيين.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين