يعمل الرجال خارج البيت والنساء في البيوت وتربية الأولاد،ورغم أن مهمتهنَّ عظيمة فقد كنَّ رائدات صاحبن الرجال في مسيرة الحضارة
لقد ماجت غرف أمهات المؤمنين بالمتفاعلات والسائلات، فكانت تلك الغرف أشبه ما تكون بالمنتديات الثقافية تمتلئ بالحياة والفكر، فقد قالت السيدة عائشة "نعم النساء نساء الأنصار؛ لم يكن يمنعهن حياؤهن أن يتفقهن في الدين"، إنهنّ شاركن في حمل الرسالة ونقلها جيلا بعد جيل. ويروى أن رجلا ورد بغداد فسمع امرأتين تنشران غسيلهما وتتناقشان في مسألة الاستثناء في النحو متذكرتين مذهب سيبويهَ وغيرِه!وكثيراً ما تراني وزوجتي نفعل ذلك في مجلسنا.
تضرب الفقيهة فاطمة بنت علاء الدين السمرقندي مثلا يحتذى في الجد والاجتهاد، فأحسنت التدريس وألفت المؤلفات في الفقه والحديث وعاصرت الملك العادل نور الدين الشهيد الذي كان يستشيرها في بعض أموره.
يستمر إقبال الصحابة على منزل النبي بعد وفاته ليأخذوا دينهم عن السيدة عائشة ويسألوا عما اشكل عليهم، فيقول أبو موسى الأشعري: "ما أشكَل علينا أصحابَ رسول الله حديثٌ قط، فسأَلنا عائشةَ إلا وجَدنا عندها منه عِلمًا" واستمرت السيدة عائشة في رواية الحديث وجمعِه، وتفرغت السيدة أم سلمة للفقه.
أما السيدة شفاء بنت عبد الله فكانت أول معلمة في الإسلام؛ أجادت القراءة والكتابة وعلمتهما الصبية وشاع عنها رجحان العقل وحدة الذكاء وصوابُ الرأي حتى إن عمر بن الخطاب استعملها على بعض شؤون السوق، ذكر بعضهم أنه ولاها أمر الحسبة، فكانت أول امرأة مسلمة تعمل في الشأن الإداري للدولة،وكان لها براعة في الطب وهو ما أكسبها اسم شفاء.
وحفظت السيدة عُمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية حديث السيدة عائشة فكانت عالمة بحديثها، وأظهرت قدرة فائقة على الحفظ، فلا يُجرح في حديث روته، وروى عنها البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، ولم تكتف النساء بحفظ الأحاديث وتدوينها بل خرجن إلى ساحة العلم مدرسات في دورهن أو في المساجد.
وبدأت مجالسَ العلم السيدة زينبُ بنت علي، فبعد أن شهدت مقتل الحسين سافرت إلى المدينة ومنها إلى مصر لتقيم فيها وتعلم أهلها الفقه، وكان لها مجلس تحضره النساء اللواتي يردن تفقها في الدين، ووحضر درسَها الفقهاء من الرجال استزادة في الفقه، وحذت حذوها فاطمة بنت الحسين وكذلك أختها السيدة سكينة بنت الحسين، غير أن سكينة عنت بالأدب والأدباء فكانت تحب اللغة وتجمع الأدباء فكان لها ما يعرف اليوم بالصالون الثقافي الذي يتناول أمور العلم والفقه والأدب والدين.
وعُرفَ عن شُهدة بنت أحمد بن الفرج الإبري اشتهارها بحسن الخط فكانت تكتب للخليفة كما كتبت في الحديث والوعظ واللغة والتاريخ والأدب، وأخذ عنها العلم مئة وثمانية وستون عالما، ولقبت بفخر النساء وذاع صيتها.
وكانت السيدة نفيسة بنت الحسن إحدى تلميذات الإمام مالك؛ تحضر مجلسه في المدينة حتى ارتحلت إلى مصر لتبدأ مجلس علمها الذي دأب على حضوره سادة علماء عصرها، وعُدَّ الشافعي من تلاميذها،ولم ينقطع عنها حتى وفاتها، أما تلميذة ابن تيمية فاطمة بنت عباس البغدادية فكانت سيدة عصرها بحق، هي عالمة فقيهة عابدة زاهدة يثني عليها ابن تيمية مرات عدة، ويتعجب لذكائها وفطنتها وتتلمذ على يدها ابن الجوزي.
وتضرب الفقيهة فاطمة بنت علاء الدين السمرقندي مثلا يحتذى في الجد والاجتهاد، فأحسنت التدريس وألفت المؤلفات في الفقه والحديث وعاصرت الملك العادل نور الدين الشهيد الذي استشارها في بعض الأمور، وأنفذ ما أشارت به عليه، وكان زوجها الكساني صاحب كتاب البدائع، فكانت ترده إلى الصواب إن أخطأ، وكانت الفتيا تصدر باسمها واسمه معا.
ولم يكن لنساء الشرق على نساء الغرب فضل، فتفوقت نساء الأندلس فقال ابن حزم: "وهن -أي النساء- علمنني القرآن وروينني كثيرا من الأشعار ودربنني في الخط"، فبرزت حفصة بنت الحاج الركونية،وغيرها، وكن يدرسن الرجال والنساء في المساجد وارتحلن معلمات إلى المغرب العربي.
أيهما أجدى وأفضل: أن تخرج النساء ليتعلمن العلم ويعلمنه ويتفقهن الدين ويفقهنه أم يبقَين في البيوت فقط جاهلات دون علم، وهن أمهات الرجال ومربياتهم.
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول