مع الفكر المؤمن

في الحضارة الحديثة جوانب لا أجد بُدّاً من احترامها وتزكيتها، بل أجدني مسوقاً بدوافع من ديني إلى الإعجاب بها والتملي منها.

وأبرز هذه الجوانب إدمان النظر في الكون بالبحث عن خواصِّ الأشياء، والتعرف على القوانين الدقيقة التي تسيرُ عليها الحياة، وانتهاج خطَّة بعيدة عن الحسِّ والتخمين، في تقرير شتَّى الحقائق.

إنَّ أي حضارة تقترب من الفطرة في بعض نواحيها، أشعر باقترابها من طبيعة الإسلام في هذا البعض... ولو كانت غريبة عني. وإنَّ أي حضارة تجنح التكلف والتخرُّص أشعر بانحرافها عن طبيعة ديني لو كانت قريبة مني. وفي تراثنا الثقافي كتابات من عالم الغيب لم تعتمدْ على الوحي. وكتابات عن عالم الشهادة لم تعتمدْ على التجربة والاستقراء.

كلتا الكتابتين واهية العلاقة بخطَّة القرآن في تكوين المعرفة الصحيحة. فالمعرفة المادية... لا سبيل لها إلا النظر الصائب في الكون وأسراره وقواه.

وصلة الإنسان بربه أو بأخيه الإنسان لا سبيل لها إلا توقيف الشارع الحكيم.

ومعنى هذا أنَّ علوم الطبيعة والكيمياء والفلك والنبات والحيوان والطب والهندسة وما إلى ذلك تقوم على استقصاء الحقائق من الواقع وحدَه، ولا مكان لفروض وهمية أو أوصاف شاعرية، أو حدود تقليديَّة، أو سلطات استبدادية.

المجال للعقل الحر الدؤوب، يداوم النظر ويتابع الجهد حتى يصل إلى ما يبغى دون ما قيد. وإني لأقرر في غير تحرج: أني كنت أطالع بعض البحوث العلمية التي هديت إليها الحضارة الحديثة، فأشعر كأن مؤلفي هذه البحوث، كانوا يستجيبون – سواء شعروا أو لم يشعروا – لقوله تعالى: [أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ] {الأعراف:185}.

إنَّه نداء الفطرة الإنسانية على كل حال، وقد صمَّ عن هذا النداء من فتحوا عيونهم دون تدبر، أو من استعملوا ذكاءهم في بحوث ما وراء المادة، فعادوا منها بقبض الريح، أو من كتبوا في المادة نفسها فشطحوا مع الخرافات ونظروا في كل شيء إلا في الكون وآفاقه والعناصر وخصائصها.

إنَّ القرآن الكريم جعل مجالي الطبيعة مدارس الإيمان، وكلما استكثر المرء من حصيلة المعرفة الكونية ربا يقينه، وزادت بالله معرفته.

وإنك لتعرف الشخص الذكي بآثاره العملية، ولا نفكر في معرفة ذكائه بالكشف على تلافيف مخه.

فإذا كان التعرف على قدر إنسان تبصره لا يتم إلا بهذا الأسلوب، فكيف بالتعرف على من "لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار"

إنَّ ذلك لا يتم إلا بالتأمل في آثاره، ومُطالعة صفاته في أرجاء خلقه الوسيع.

ولعلَّ درساً في وظائف الأعضاء، أو في دوران الأفلاك، يكون أنجح في غرس الإيمان وأدنى إلى التعريف بعظمة الله من بعض القراءات النظريَّة، أو المقدمات الجدليَّة.

في الأيام الماضية مرَّت بي لحظتان مضيئتان:

أولاهما: في إحدى الحدائق وقد علقت عيني بزهرة لمَّا يكمل تفتحها.

كانت دقيقة من أسفلها، مستعرضة من أعلاها، والغلاف الأخضر منحسر عن أغلبها. إنها توشك – لو بقيت على ساقها يومين – أن تبرز بأوراقها وألوانها جميعاً، لكني تعجلت فضَّ الملفوف من كمها، لأقف مشدوهاً أمام ما بدا لي منها.

كانت الأصباغ زاهيةً كأنما وضع المصور ريشته الآن من رسمها، وكانت هذه الأصباغ موزعة في نقوش تبرق جدتها، ويستغربُ المرء من أنَّ الألوان المتناقضة المتجاورة لم يسح شيء منها على الآخر.

ونظرت إلى الأرض السبخة الهامدة، وإلى الفلاح الساذج فوقها، وقلت: من أبدع هذه الزخارف الرائقة واستخرجها من بين هذه الأكوام؟ من؟.

وانساب إلى قلبي شعور بالجمال الإلهي المتأنق في ألوف مؤلفة من الأزهار والأثمار تزحم القارات الخمس: [ وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ(7) تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ(8) وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الحَصِيدِ(9) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ(10) رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الخُرُوجُ(11) ]. {ق}..

أما اللحظة الأخرى:

فعلى شاطئ البحر الأبيض في ليلة من ليالي العمل، أرسلت طرفي إلى البحر الهادر، وكنت أسمعُ ثوران الموج ولا أرى مدَّه، والماء في لون الحبر، والأفق معتكر في أبعاد غير متناهية.

ولم يجرِ في خاطري قول العقاد الشاعر:

ولهذا الظلام خير من النور=إذا كنت لا ترى وجه حر

 ذلك لأني لم أك مهتماً بأحوال البشر وقتئذ، فإنَّ طنين الموج المستمر بقوى لا تنهدُّ مع مضي الوقت جعلني أتساءل: أما لهذا الحراك من توقف؟.

 وكان الجواب مزيداً من الهدير القادم من بعيد كلما تلاشى على رمال الشط حلَّ محلَّه آخر، وهكذا دواليك.

 إنَّ البحر أضعاف اليابس على ظهر الأرض، وهذا الخلق العجيب عالم وحده.

  وغلبني الكرى قليلاً ثم عاودتني اليقظة، أو الأرق والموج الموار لا يزال يزأر.

 إنَّ الله الذي لا تأخذه سنة ولا نوم وكل إلى شعاع من قدرته أن يهز هذا الركام الهائل من المياه هزّاً يشمل المشارق والمغارب، في الرقعة المنداحة التي نسميها نحن بحاراً ومحيطات...

 وسواءً غفونا أم صحونا فعمل القدرة ماضٍ في طريقه، ينتبه إليه بين الحين والحين أولو الألباب ليسبِّحوا بحمد الله الكبير.

 قد يُقال: إنَّ حضارة الغرب التفتت بالفعل إلى الكون الكبير، واستكشفت من أسراره ما فات القرون الأولى.

 ولكن اهتمامها بالكون كان لارتفاقها منه وانتفاعها به، لتتزود منه باليقين الواجب والإيمان المبرور!.

 والحضارة الحديثة يمكن أن تدان من هذا الجانب، بيد أنَّ الأمر يحتاج إلى قليل من التفصيل ومن يدري؟ لعلَّ أهل الإيمان يُدانون قبل غيرهم عندما تحدد التبعات وتنصب موازين العدالة!.

 عندئذ يعرف أنَّ السبب الأكبر في شيوع الإلحاد، وهجر الدين، هو تصرف جمهور المتدينين وتفكيرهم.

 ما الذي يجعل الحضارة الحديثة تغالي بالإيمان وتتحمس للرحمن؟.

إذا نظرنا للمسيحية التي تسود الغرب وجدناها قبلت من الإضافات والبدع ما يَستحيل على العقل البشري قبوله.

 ومن حق هذا العقل أن يرفض النقائض ويعتزل دعاتها ويحيا بعيداً عنها، والحضارة الحديثة في خصومتها للمسيحية معذورة.

وإذا نظرنا للإسلام وجدنا أهله أبعد الناس عنه، ومن حق الأحياء أن يطرحوا ديناً زهد فيه أهله أنفسهم.

 إنَّ المسلمين مع تقصيرهم في جنب الإسلام علماً وعملاً يلاحظ عليهم من قديم الزمان تناقض غريب فهم مؤمنون ـ دون خلاف ـ بعموم الرسالة الإسلامية، وأنَّ محمداً رحمة للعالمين، وأنَّ دعوته تحيط بالقارات الخمس، ومع ذلك فإنَّ سياستهم العلمية جعلت الإسلام رسالة عربية وحسب.

 فهم لم يحسنوا تمكين الروابط الثقافية بين الأجناس الداخلة في الإسلام، ولا بين الأجناس التي لم تدخل فيه، ومن الغفلة تعريب البشر كلهم ليسلموا إسلاماً كاملاً. ومن الغفلة أيضاً ترك الأعاجم يتلون الإسلام عن طريق تراجم لم يشرف عليها الدعاة العرب.

 والمعروف أنَّ العرب لا يزيدون عن خمس المسلمين، وأنَّ المسمين جميعاً لا يبلغون خُمس سكان الأرض، فماذا صنع الجهاز الإسلامي الذي يعرف عموم الرسالة الإسلامية ليخرج الناس من الظلمات إلى النور ؟.

 ماذا صنع ليربطَ المسلمين بدينهم، وليعطي عن المسلمين فكرة صحيحة عن الإسلام.؟.

إننا لا نقول هذا الكلام اعتباراً عن شرور الحضارة الحديثة، ولكنا نقوله اعترافاً بقصورنا، ووخزاً للضمائر التي راحت في نومٍ طويل.

 على أنَّ حقائق الإيمان  ألصق بالفطرة، وأقرب إلى التناول من أن يعتذر عنها بتقصير الدعاة، خصوصاً بالنية إلى مدنية بلغت مكانة مرموقة من التقدم كمدنية العصر الحديث.

 والواقع أنَّ شيوع الإلحاد، وانتشار التحلل يرجعان إلى أسباب أخرى غير

 تفريط أصحاب الدين.

من بين هذه الأسباب: الغرور بالقليل من المعرفة، والتذرُّع به إلى الزيغ.

وجمهرة المنكرين للدين من هذا القبيل، فهم يَعرفون أبواباً مُعيَّنة من العلوم الماديَّة أو النظرية يَبْنون عليها كفرهم، ويجهلون أبواباً أخرى أكثر وأخطر لو أدركوها لردَّتهم إلى الله تائبين.

 ومعظم الذين قابلناهم أو قرأنا لهم من أولئك الشاكين نعتبرهم أنصاف متعلمين مهما بلغت دعاواهم!.

ومن بين هذه الأسباب غلبة الشهوات العاجلة من نفسية ومدنية؛ فإنَّ سيطرة الشهوات على أصحابها تجعلهم يحكمون بالهوى لا بالعقل، وبالجَور لا بالعدل.

 وقديماً كفر بنو إسرائيل بمحمد تمشياً مع هذه النزعة، لا لغموض الدليل أو خفاء الدعوى: [أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ] {البقرة:75}.

وقد أشبه اليهود بهذا عدوهم فرعون الذي كفر بموسى هو وملؤه، وجحدوا بها: [وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُفْسِدِينَ] {النمل:14}.

والبشر هم البشر في كل زمان ومكان، لا يزال فيهم من يحارب الحق وهو يعرفه لشهوات تحكمت فيه واستبدَّت به.

 لقد شقَّ الفكر الإسلامي الأول طريقه إلى الحياة والسيادة بقوة رائعة، أمكنته أن يتشعَّب مع النشاط الإنساني دون كلال.

 ونستطيع القول بأنَّه ترك في الحضارة العالمية آثاراً خَالدة.

بل إنَّنا - من غير تعصب - نُقرِّر: أنَّ الحرية العقلية ولدت أولاً في القاهرة ودمشق والقدس وبغداد، قبل أن تولد في لندن وباريس وبرلين وروما.

 وأنَّ الصليبيين الأقدمين عادوا إلى بلادهم بهذه الحرية العقلية المجلوبة من الشرق، ليغسلوا بها أوضارهم، ويجددوا حياتهم، ويتخلصوا من قيود هائلة، لو بقوا بها ما نالوا قط قسطاً من تقدم أو رخاء.

 إنَّ التفكير للغير الخير تألق في بلادنا دهراً طويلاً، واستطاع في ميدان التشريع والتربية، وفي آفاق الحياة العامَّة أن يصنع العجائب.

ومن المؤسف أنَّ هذا التفكير الخصب قد احتبس تياره مع إغلاق باب الاجتهاد وفي الفقه، ومع الانحراف الذي وفدت به علينا فلسفة اليونان وغيرها، لكن هذه العوائق العارضة لا تبخسه حقه الأصيل ولا قدرته على صنع مستقبل زاهر، كيف وهو مرتكز على الفطرة الراشدة والعقل الحر...؟.

 إنَّ عظمة التفكير الإسلامي تقوم على أنَّه يقدم للعالم إيماناً يعمر الدنيا، ويمهد للأخرى ويعد الوجود الأول والأخير وحدة كاملة.

ولا نريد في هذه العجالة... التحدث في فكر العقيدة والشريعة الذي ألفه الناس بل نريد الإشارة السريعة إلى فكر الحياة نفسها، الذي يظنُّ البعض أنَّ المسلمين تخلَّفوا فيه؛ لأنه ينظر إلى أحوال المسلمين اليوم فيظنهم الصورة المثلى لتعاليم الإسلام.

 يقول الأستاذ المستشار: عبد الحليم الجندي، في كتابه: (توحيد الأمة العربية) تحت عنوان: (ألف عام من العلوم التطبيقية والفنية... والرفاهية) واصفاً المجتمع الإسلامي القديم.

 في هذا المجتمع ازدهرت حضارة علمية أساسها العلوم التطبيقية البحتة والهندسة المعمارية والصناعات والعلوم الاجتماعية. تعتبر الأولى من نوعها في التاريخ صبغت المدنية العربية بصبغة علمية وتجريبية تقوم على العلوم والفلك والطب والهندسة البحرية وما إليها...

وفي حين كانت حضارة اليونان حضارة فلسفية، وكانت حضارة الرومان حضارة مادية تقوم على القوة العسكرية أو على النظم الشكلية، كانت الحضارة العربية أول حضارة تقوم على العلوم والحرية - وهي التي أورثت الحضارة المعاصرة الكشوف العلمية والروح العلمي الذي استمرَّت به في كشف أسرار الطبيعية، ولم تكد تظهر رسالة الإسلام، حتى تفردت العلوم الإسلامية بالوجود الإنساني نحو من ألف عام! تهذبه وتهديه...

ويقول: (وانطلق العرب بأفكارهم في مهاب الرياح الأربع، حتى أصبح كما يقول (راندال) يمثلون الطراز الفكري العلمي في الحياة العلمية الصناعية، التي تضفي مثلها الآن على ألمانيا الحديثة، وعلى عكس الإغريق، لم ينصرفوا عن الاختيار المعملي والسير عليه في الطب وعلم الآليات).

وفي التحقيقات الفنية يلوح أنَّهم أخضعوا العلم لخدمة الحياة الإنسانية مباشرة.

لقد ورثت عنها أوروبا روح (بيكون) التي ترمي إلى مد سلطة الإنسان على الطبيعة، وتداولت العلوم العربية جامعات مونبيليه وباريس وأكسفورد وفينسيا وبادوا، وفيرارا، وباري.

وأنشأ الأمبراطور فردريك الثاني في القرن الثالث عشر جامعة في نابولي لنقل العلوم العربية، واليوم تشهد باريس صورتي الرازي وابن سينا، على حوائط كلية الطب، وأثر المساهمة التي شارك بها المهندسون العرب في بناء كنيسة نوتردام. في باريس) كما تشهد الكتابة الكوفية والعربية في النقوش الانجليزية وأبواب الزخرفة والمعمار والنقوش العربية في مناطق كثيرة في أوربا.

الصيدلة علم عربي، والكيمياء علم عربي، والفلك والطب والميكانيكا والرياضيات والطبيعة والجغرافيا، ما تزال تحمل الأسماء العربية الفصحى، هكذا ساد الروح العلمي الأمة العربية وقال ( ديورانت):

(ربما ملك الصاحب بن عبَّاد من الكتب في القرن العاشر ما يقدر حينئذ بما كان في مكتبات أوربا مُجتمعة!، وكنت تجد في ألف مسجد مُنتشرة من قرطبة إلى سمرقند علماء لا يحصيهم العدد، كانت تدوي أركانها بفصاحتهم).

ويقول المؤرخ الفرنسي ( روبير بريفو): (كانت أوروبا في القرنين الحادي عشر والثاني عشر تتجه إلى العرب باحثةً عما استجدَّ عندهم من صناعات وعلوم وفنون خاصة بالملاحة، ملقية عن كشوفهم في علوم الرياضة والفلك والطب والكيمياء، وكانت تبحث عندهم عن آثار أرسطو وابن سينا وابن رشد، وكان علماؤها من أمثال....) يلتمسون عند العرب حصاد عالم جديد من الفكر والعلم.

ووجد (ريجيو مونتانوس) عندهم المعارف التي مكنت جفري الملاح وفاسكو دي جاما، (مكتشف طريق رأس الرجاء الصالح ) وكرستوف كولومبس( مكتشف أمريكا) من ارتياد المحيطات، والوصول إلى أطراف العالم.

وعثر (دب باث) في قرطبة على النسخة الوحيدة في العالم من مخطوط (أورسيليد) الذي ظلَّ يلقن للطلبة في مدارس أوروبا حتى سنة 1533.

وطاف كل من أفلاطون لوبيزون وفيبارناس أرجاء أسبانيا ليتزود بالعلوم الرياضية، لاسيما الجبر والتقويم واللوغاريتم.

بل إنَّ الكنيسة نفسها التجأت إلى العرب لتجد عندهم ما يعينها على إقامة صرح الفكر المدرسي.

وبحث كل من (البير الأكبر) وتوماس الأكويني، عن فلسفة العقيدة الكاثوليكية نفسها في بلنسية عند الفارابي.

وفي الوقت الذي أنشد فيه الشعراء شعرهم على عتبة أسبانيا العربية صرَّح ـ روجير بيكون ـ في أكسفورد (انجلترا) بأنَّ وجود الفكر الأوروبي والعلم الأوروبي كان مستحيلاً لولا وجود المعارف العربية. لقد دعيت أوروبا فجأة إلى الحياة بعد أن ظلَّت في ظلم الجهل طوال خمسة قرون. وهي مدينة للعرب بكل تقدمها.

 ترى... أيعرف المسلمون قدرهم؟...ويستأنفون أداء رسالتهم؟ إنَّ ذلك ما نرجوه... وما يفتقر إليه العالم الآن....

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم

(1) المصدر: مجلة الأزهر، الجزء: 4، السنة 36، جمادى الآخرة، (1384هـ)

نشرت 2009 وأعيد تنسيقها ونشرها في 1/11/2021

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين