معنى خيانة امرأتي نوح ولوط

قال الله تعالى:﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ﴾ [التحريم: 10].

زعم بعض الجهلة ممن تسَوَّروا التفسيرَ بغير عِلْمٍ، أنَّ المراد بالخيانة هنا: الزِّنا. وزاد فأكَّد بأن الله قال لنوحٍ حين شفع لابنِه:﴿إِنَّهُۥ لَيۡسَ مِنۡ أَهۡلِكَۖ﴾ [هود: ٤٦] أي هو ابن زنا، كذا قال!!

وهي مقالة شنيعة تدل على جهل بمقام النُّبوة، وبما يجب له من تكريم وإعظام، وإنِّي أبرأ إلى الله من هذا القول وصاحبه.

وليست الخيانةُ هنا إلا المخالفة في العقيدة ومساعدة الكفار على زوجيهما، وهو خلافُ ما تقتضيه العشرة الزوجيَّة من صفاء المودة؛ وحسن المراعاة، والدَّليل على ذلك أمور:

الأوَّلُ: أن امرأة نوح كانت ترمي زوجها بالجنون، وتساعد قومها عليه في شتمِه وإيذائه، وامرأة لوط كانت تدلُّ قومها على ضيوفِه إذا كانوا حسان الوجوه، لم يُنقل عنهما غيرُ ذلك.

الثَّاني: لو ثبت عليهما شيء من الزِّنا، لأسرع قومهما إلى تعييرِهما به، والتَّشنيع عليهما، لكنهم لم يعرِّجوا على ذلك بحالٍ.

الثَّالث: أن من يقع الزِّنا في بيته وهو لا يشعر، كيف يكون أهلًا لأنْ يدعوَ أمة؟ ويتزعم شعبًا؟!

الرابع: أنَّ أقبح عار يلحق الرجل، ويسقط حرمتَه وكرامته، وقوع الزِّنا في أهله، فكيف ينسب إلى رسولين كريميْنِ؟!

الخامس: لا يجوز أن يقعَ الزِّنا في بيت نبي يوحى إليه ولا ينبُّهه الله عليه، هذا محال؛ لأنَّ الله تعالى غيور، يبغض الفاحشة لعوامِّ الناس، فكيف يرضاه في بيتِ رسول يختاره لتلقِّي وحيه ودعوة الناس إلى توحيدِه وإقامة دِينه؟!

السَّادس: أنَّ من الشروط التي يجب عقلًا توافرها في الرسل: الفِطنة والذكاء، والذي يقع الزِّنا في أهله وهو لا يشعرُ، يكون بالغ النِّهاية في الغفلة والبلاهة، ولا يجوز أن يكون الرسولُ مغفلًا ولا أبله، بل الغفلة مذمومةٌ في عموم الصَّالحين، ألا ترى إلى قول عمر رضي الله عنه: «لست بخِبٍّ والخِبُّ لا يخدعني»؟

تجده يتبرَّأ من الغفلة، كما يتبرَّأ من الخبث، فهو ليس بخبيث، لكنه ليس من الغفلة بحيث يخدعه خبيثٌ، بل هو فَطِنٌ حَذِرٌ، شأن بقية إخوانه الصَّالحين.

السَّابع: أنَّ كفر المرأة لا يعيبها، ولا يلحق زوجها بعارٍ بسببه، لأنه ينشأ من عناد في الرأي أو اعتداد به أو تقليد للآباء، لكن زناها عار يُشينها ويشين أهلها، لأنه ينشأ عن اغتلام الشهوة، وانحطاط الخلق، ودناءة الهمَّة، وسوء التَّربية.

ولهذا لما جاءت هند زوج أبي سفيان لتُسلم -وهي من العنيدات في الشِّرك، المفتخرات به- وعرض عليها النَّبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم فيما عرض «ولا تزنين» قالت مستنكرة: أَوَ تزني الحُرَّة؟!

فمِنْ ثم جاز أن تكون زوج النبيِّ كافرة، ولم يجز أبدًا بحال أن تكون زانيةً.

الثَّامن: أنَّ الله تعالى قال: ﴿وَنَادَىٰ نُوحٌ ٱبۡنَهُۥ وَكَانَ فِي مَعۡزِلٖ﴾ [هود: ٤٢] فنسبَه إلى أبيه، وهو دليلٌ قاطعٌ على أنه ابنه، وأن أمَّه لم تزنِ به.

وقال تعالى: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ﴾ [القمر: 34] فنسب الآل إليه، وهن بناته، فدلَّ على أنهم آله حقيقة، وأن زوْجَه لم تزن بهن وإن كانت كافرةً.

أما قوله تعالى: ﴿قَالَ يَٰنُوحُ إِنَّهُۥ لَيۡسَ مِنۡ أَهۡلِكَۖ﴾ [هود: ٤٦] فليس المراد به نفيَ الولد منه، لأنه نسبه إليه أولا، فكيف ينفيه؟ هذا خلف! وإنما المراد: ليس من أهلِك الموعود بنجاتهم، لكفره، والكفَّار لا نجاة له، ولا شفاعة تقبل فيه.

والخلاصة: أنَّ ما نسب إلى امرأتي نوحٍ ولوطٍ من الزِّنا يبطله العقل، ويردُّه النقل، ويستقبحه العرف، وأنَّ قائلَه خالف الدِّين، وجانب الواقِع، وباين الذَّوق.

المصدر: خواطر دينية

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين