الأبــتر
• مرات
التكرر في المصحف الشريف: وردت اللفظة مرة واحدة في سورة الكوثر: (إن شانئك هو الأبتر) 3.
• المعنى
اللغوي: للفظة الأبتر معانٍ عدة، منها: المنقطع عن الخير. ولعل مما ورد في هذا
المعنى ما أخرجه البزار وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله
عنهما قال: قدم اليهودي كعب بن الأشرف مكة فقالت له قريش: أنت خير أهل المدينة
وسيدهم، ألا ترى إلى هذا الصابئ المنبتر من قومه يزعم أنه خير منا - ونحن أهل
الحجيج وأهل السقاية وأهل السدانة؟ - قال: أنتم خير منه. فنزلت (إن شانئك هو الأبتر) ونزلت: (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبًا من الكتابْ) إلى قوله
تعالى: (فلن تجد له نصيرًا) سورة النساء الآية 15 – 25.
• أو
من لا عقب له يرثه. وفي هذا المعنى أخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه قال:
كانت قريش تقول إذا مات ذكور الرجل: بُتر فلان، فلما مات ولد النبي صلى الله عليه
وسلم قال العاصي بن وائل: بتر، والأبتر الفرد.
•
أو المقطوع عن عوائد قومه، المخالف لهم. وفي هذا المعنى أخرج عبد الرزاق وابن جرير
وابن المنذر عن عكرمة قال: لما أوحى الله
تعالى إلى النبي صلى الله عليه وسلم قالت قريش: بُتر محمد منا، فنزلت (إن شانئك هو الأبتر).
قال أهل اللغة: الأبتر من الرجال: الذي
لا ولد له، ومن الدواب الذي لا ذنَب له. وكل أمر انقطع من الخير أثره، فهو
أبتر. والبتر: القطع؛ تقول: بترت الشيء بترًا: قطعته قبل الإتمام.
والانبتار: الانقطاع. والباتر: السيف القاطع.. والأبتر: المقطوع الذنب.
تقول منه: بتر بالكسر يبتر بترًا. وخطب زياد خطبته البتراء؛ لأنه لم يمجد الله
فيها، ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن السكيت: الأبتران:
العَير والعبد؛ قال سميا أبترين لقلة خيرهما. وقد أبتره الله: أي صيره أبتر.
ويقال: رجل أُباتر بضم الهمزة: الذي يقطع رحمه، قال الشاعر:
لئيم نزت في أنفه خنزوانة *** على
قطع ذي القربى أحذُّ أُباتر
• وسبب
نزول هذه الآية ما قاله ابن إسحق من أن العاص بن وائل السهمي - أو غيره - كان إذا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: دعوه فإنما هو رجل أبتر لا عقب له، لو مات لانقطع ذكره واسترحتم منه، فأنزل
الله في ذلك (إنا أعطيناك الكوثر) أي ما هو
خير لك من الدنيا وما فيها، والكوثر: الشيء العظيم، والكثرة لرسول الله تشمل كل
شيء، من: ذكره وأثره، وأبناء أمته، ووجوده وآثاره، ومؤسساته، وتأثيره في التاريخ
كما قال بعضهم.
• ومعنى
الآية: إن مبغضك الذي يكرهك هو الأبتر المقطوع، الذي لا خير فيه ولا بركة. وهذا
كما يشمل مَن أبغض رسول الله صلى الله عليه وسلم بخصيًّا، فإنه يدخل فيه أيضًا من
أبغض سنته وهديه؛ فإن من أبغض سنته وهديه لا شك أنه مبتورٌ مقطوع، وأن الخير كل
الخير في اتباع هدي النبي عليه الصلاة والسلام، ومحبته، وتعظيمه بما هو أهلٌ له
صلوات الله وسلامه عليه.
• وقوله
تعالى: (إن شانئك هو الأبتر) أي: مبغضك هو
المقطوع، وليس بنفس المعنى الذي لمزوا به النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الذين
لمزوه بانقطاع ورثته الذكور، لهم عقبٌ من الذكور، فالعاصي بن وائل - الذي حكى أكثر
المفسرين أن الآية نزلت فيه - له عقب، وابنه الصحابي الجليل عمرو بن العاص، وابن
ابنه الصحابي عبد الله ابن عمرو رضي الله عنهما وله عقب؛ ولكن المراد - والله أعلم
- أنهم مبتورون عن الخير، مقطوعون عمَّا ينفعهم في الدار الآخرة. والآية تشملُ
كلَّ مبغضٍ للنبي صلى الله عليه وسلم مات على ذلك من أهل الكفر والزندقة والإلحاد،
فكلهم بُتْر من الخير بسبب شنآنهم على النبي صلى الله عليه وسلم.
وكل مبغض للنبي صلى الله عليه وسلم فإنه لا يضر إلا نفسه، ولا يقدر على فعل شيء سوى أن يبغضه، والمبغضُ إذا عجز عن الإيذاء يحترق قلبه غيظاً وحسدًا، وهذا ما حصل لأولئك المشركين، وهو ما يحصل لكل من أبغض النبي صلى الله عليه وسلم، وما ضرَّ ذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، بل أعلى الله ذكره، ورفع شأنه، ونصر دينه، وتكفل بحفظه إلى يوم الدين.
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول