معادلات قرآنية لها نتائج باهرة في حياة الفرد والأمة

 
 
(التحقق بمعاني الإيمان والتقوى ، والاستقامة والاستغفار يؤديان إلى الحياة الطيبة وسعة الرزق)
 
بقلم : خلدون عبد العزيز مخلوطة
 
 
ربط القرآن ربطاً عجيباً بين قضايا معنوية وقضايا مادية، تتمثل في علاقة طردية بين المبادئ الإيمانية والحياة الطيبة التي تزخر بالسعادة والخيرات، وجعل تلازماً لا ينفك بين صلاح القلوب واستقامتها على هدى الله وبين حلول البركات وتيسير الأرزاق، وعند استعراض الآيات القرآنية المبينة لهذه العلاقة وهذا التلازم، نستطيع أن نصنفها إلى صنفين، صنف يتعلق بحياة الفرد، وصنف يتعلق بحياة الأمة.
 
1- آيات متعلقة بحياة الفرد: آيات أكدت تحقيق الحياة الطيبة بالإيمان والعمل الصالح ،منها قوله سبحانه: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) [النحل : 97]، وقد فسر ابن عباس رضي الله عنهما الحياة الطيبة :بالرزق الحلال الطيب والسعادة.
 
 وآيات ربطت إفاضة الرزق بالتقوى منها قوله تعالى : ((وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) [الطلاق : 3].
 
 وآيات قررت أن الاستقامة على طريق الإيمان والحق والهدى تؤدي إلى نزول الغيث الذي به تعم الخيرات فمنها قوله : (وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا) [الجن: 16]، وآيات فتحت آفاقا واسعة للرخاء ورغد العيش تتحق من خلال الاستغفار والتوبة والإنابة:
 
أ- منها قوله تعالى: (فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا) [نوح: 11]، ب- ومنها قوله (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) [هود : 3].
 
 ج- ومنها قوله: ((ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرار ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين) [هود: 52].
 
2- آيات متعلقة بحياة الأمم: سنة إلهية ثابتة على مدار العصور كلما تحقق أفراد الأمة بمعاني الإيمان والتقوى عاد ذلك على الأمة ببركات السماء والأرض، قال سبحانه : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ، وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) [الأعراف : 96] ، ويخاطب الله جميع الأمم بخطاب أهل الكتاب السابقين في التمسك بعرى الإيمان ومعالم التقوى لتعمهم الخيرات فقال سبحانه (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ. وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ) [المائدة: 65-66].
 
ثم يضرب لنا القرآن الكريم مثلا يثير عبرة تحمل رعباً ، وعظة تحمل قلقا، وذلك نتيجة البعد عن المنهج الرباني، والكفر بأنعم الله باستعمالها في غير مرضاة الله فقال سبحانه: (ضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون) [النحل: 112]، صورة لباس الجوع والخوف غريبة وفريدة ، ولكنها بليغة تشير إلى مبلغ عظيم في الجوع أدى إلى هزال وضعف، أحاط بصاحبه إحاطة اللباس، وخوف شديد وحالة نفسية رهيبة انعكست على جسمه فغطته.
 
ولكن ينبغي عدم فهم بركة الأرزاق بصورتها المادية فقط، فالبركة شاملة للمشاعر الإيمانية الراقية التي يكرم بها المؤمنون، ومنها الطمأنينة والسكينة، والأنس والسعادة، وبركات اجتماعية، وبركات علمية، وتصورات سليمة للكون والحياة، والدنيا والآخرة.
 
وإذا ما رأينا أمة حلَّ فيها الرخاء الاقتصادي، والتوسع في الأرزاق، والتقدم العمراني، ولكنها متنكبة للدستور الرباني، وبعيدة عن تحكيم الشرع الإلهي، فهذا من جملة البلاء الذي به تمتحن، ونذير شؤم واستدراج، فما قيمة هذا الرخاء إذا عمت التعاسة والشقوة، أو طغى الانحلال والفساد، أو تقطعت أواصر القربى، أو قست القلوب وخوت الأفئدة، إنها عيشة الضنك التي وصفها القرآن بقوله : ( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا )

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين