مظاهر المشايخ والمفتين وتأثيرها غير الموضوعي على الفتاوى

يعتقد الكثير من الناس أن كل من لبس لباس العلماء وتكلم بطريقتهم أصبح واحدا منهم، و أصبح كلامه حجة في الدين وعليه فإن الأخذ به يخرج السائل من المسؤولية أمام الله.

أعتقد أن أهم المفاهيم الخاطئة المتعلقة بهذا الموضوع هو تناول المسألة الدينية بسطحية وعدم اكتراث ينبع من عدم الشعور بأهميته وخطورته فكثيرون يبحثون عن أي قول أو رأي يوافق هواهم أو قناعتهم المسبقة ثم يستندون عليه حتى يستمروا فيما يفعلون ويحبون.

أي أن هذه الفتوى أو هذا الرأي ما هو إلا  بطاقة عبور يتم رفعها في وجه أي معترض سواء كان هذا المعترض ضمير الشخص نفسه أو أي فرد أو مجموعة في المجتمع الذي ينتمي إليه.

 

إلا أن هذا الأمر لا يعني بالضرورة أن الإنسان قد حصل على مراده فما يمكن تمريره في الدنيا لن يتم تمريره في الآخرة بالضرورة وهنا تكمن الخطورة ولذلك فإن الأمر يحتاج إلى مزيد من التثبت والتأكد والتحسس حتى يصل السائل إلى الحقيقة وهنا مربط الفرس.

ومن جهة أخرى هناك تصور خاطئ عن المفتي ومكانته وحقيقته.

 

من الأمور الهامة التي تواجه السائل والمستفتي هو مصدر هذه الفتوى أي المفتي نفسه من هو وماهي صفاته ؟!

وأهم عاملين يحددان ذلك هو هل هذا المفتي صاحب دين أولا أم لا ؟ وهو هل صاحب علم حقيقي أم لا ؟ 

 

فالموثوقية الأخلاقية الدينية مقدمة على الموثوقية العلمية حيث أن المفتي الذي لديه أخلاق ودين يمتنع عن الخوض فيما لا يعلم في حين أن فاقدهما قد يكون محتالا يعتمد على بعض العلم والمظاهر الخادعة ليوحي للناس بأن ما يقوله موثوق. ولكنه في الحقيقة غير ذلك.

 

إن  الصورة الظاهرية للمفتي قد  توحي بأنه جدير بالفتوى وتوثر بشكل كبير في إقناع المستفتي و بأن ما يقوله صحيح وهذا العامل مهم وخطير .. إننا نواجه عدة أنواع من المظاهر المؤثرة؛ لدينا المظهر الخارجي من لباس العلماء كالعمامة والجبة واللحية ونبرة الصوت واللهجة والمقدمات الكلامية ومن ناحية أخرى حركات الوجه والجسد كلها عوامل مؤثرة على متلقي الفتوى.. فالناس بطبيعتهم يميلون لتصديق الظاهر.

 

أضف إلى ذلك أن للعلماء أصلا هيبتهم ومكانتهم التي يستمدونها من تعظيم الناس وتقديرهم للدين حتى دون أن يتصنعوا لذلك؛ ويزيد ذلك كلما زاد المظهر الخارجي للمفتي أو المنصب الذي يتقلده و كذلك شهرته بين الناس فتزيد هيبته وتقديره واحترامه في أعين الناس واقتناعهم بما يقول.

 

لقد اعتمد رجال الدين في كثير من الديانات غير الإسلام على المظاهر بشكل أساسي حتى ظهروا على الناس وهم مرصعون بالذهب والجواهر مع أن التعاليم التي يدعون إليها تحث على التقشف والابتعاد عن الدنيا إلا انهم ركزوا كثيرا في تضخيم وإظهار أنفسهم بمظاهر براقة خادعة تبهر الأتباع وتلقي في قلوبهم الرهبة والاحترام حتى وإن كان ما يقولونه فارغ المضمون أو تافه المعنى.

 

وانتقلت هذه العادة للعلماء المسلمين بشكل محدود رغم خلو الإسلام من طبقة رجال الدين، فليس في الإسلام طبقة وسيطة بين الناس وربهم بل يوجد فقط أهل العلم وأهل الذكر وهم ليسوا طبقة من الكهنة لهم ما ليس لغيرهم بل كل ما في الأمر أنهم أشخاص متخصصون علميا ومن هنا ينبع احترامهم الذي هو احترام للتخصص العلمي الذي لديهم أولا والذي ينعكس على شخوصهم بالضرورة.

 

نعود مرة أخرى إلى موضوع التوثق من مصدر الفتوى وقد قلنا أن ركيزتيه حتى نصل إلى فتوى صحيحة هو تقوى المفتي وموثوقية علمه بعيدا عن المشتتات من المظاهر التي قد لا  تكون على حقيقتها بل قد تكون مقصودة في ذاتها للحصول على التزوير والتدليس في الفتوى.

 

مقصودة ؟؟!! نعم مقصودة .. قد لا يسهل تصور الشيخ أو المفتي وهو يتعمد التزوير والتدليس ولكن ذلك للأسف حقيقة وواقع نعيشه ونراه ونلمسه، فالشيخ أو المفتي ليس معصوما بل هو إنسان عادي ينطبق عليه ما ينطبق على غيره .. صحيح أن العلم من المفترض أن يحصنه من الوقوع في التزوير والكذب إلا أن هناك عوامل قد تصيب المفتي فتحرفه عن هدي الإسلام ويصبح بذلك خارج المنظومة الصحيحة.

 

من جانب آخر فإن المؤهل للفتوى هو العلم بالفقه وأصوله دون تخصصات أخرى مهمة يطلق على أصحابها صفة العلماء أيضا (كعلماء القرآن والحديث والسير) ولكنهم بعيدون عن القدرة على معرفة الأحكام والآراء الفقهية وإصدار الفتاوى، ومن هنا يجدر التأكد من التخصص العلمي الدقيق للعالم والمفتي.

 

من جهة أخرى يجب أن نضع في الاعتبار أيضا أن الفتوى هي حكم ديني على واقعة أو حادثة معينة فليست الفتوى هي المعرفة بأحكام الفقه فقط بل كيفية تطبيق هذه الأحكام على حالة معينة في حال حدوثها ومثال ذلك الفرق بين أحكام القانون وحكم القاضي فإننا نرى أن الأحكام القضائية تتغير بين قاض وآخر على السارق مثلا في القوانين الوضعية ولا يطبق حكم واحد على جميع السراق وإنما تراعى الملابسات وأحوال كل سارق على حدة.

 

وهنا يتضح لنا أن مهارة القضاء أو إنزال الفتوى على الحالة بشكل صحيح هي أيضا مسؤولية تتفاوت بين شخص وآخر وليس كل من لديه علم بالأحكام المجردة قادر على الوصول للفتوى الصحيحة المناسبة.

 

يضاف إلى ذلك ضرورة الانضباط في الفتوى حسب منهجية وأصول ثابتة مستقرة وهذا لا يأتي بمجرد الرغبة أو الرؤية العلمية الشخصية للمفتي أو العالم مهما بلغ من التخصص والعلم، فالانضباط في المنهجية يجب أن يستند على مدرسة فقهية راسخة ممتدة في عمق التاريخ ومذهب فقهي متأصل ومعتمد .

 

في النهاية يجب أن نعرف أن أهم عامل هو عامل الموثوقية الدينية الأخلاقية والموثوقية العلمية وفي نفس الوقت علينا أن نتأكد من خلو المفتي من العوامل الخارجية التي قد تحرفه عن إصدار الفتوى الصحيحة، وعلينا أن نتوقع أيضا أن هناك ممن يلبس لباس العلماء مدعون كذابون مدلسون حتى وإن حصلوا على أعلى الشهادات وأن منهم من يدعون التخصص وهم ليسوا كذلك ومنهم من يغريه المال والمنصب ومنهم من يخاف على نفسه وماله وعياله ومنهم الأحمق غره مظهره وثناء الناس عليه فتمادى حتى ضل وأضل.

 

والله الهادي إلى سواء السبيل

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين