مشروع نصر قريب الحلقة الحادية عشرة: التناغم والعمل الإيجابي

وَتَطَاوَعَا وَلاَ تَخْتَلِفَا... وجوب العمل المؤسسي:

يبصر الحصيف المتأمل أن العمل العسكري أو الثوري أو السياسي لا يمكن إلا أن يكون عملا جماعيا تعاونيا. فطلقة البندقية التي يطلقها الثائر تحتاج فريق عمل كامل قبل وصولها إلى لحظة الإطلاق. فمن تصنيعها أو شراءها إلى نقلها وإيصالها إلى لحظة الإطلاق. وكذلك العمل السياسي أو الثوري لا يمكن أن يكون إلا تعاونيا. فمن عمليات الرصد إلى عمليات التحليل ثم الدراسات أخيرا حتى تصل الحركة للشخص الظاهر.

والدراسات تبين أن المساندة قد تبلغ بنسبة ثلاثة أرباع إلى ربع في بعض الحالات. أي أن كل جندي يقاتل أو كل سياسي ظاهر على السطح يحتاج أضعاف عدده من الناس تعمل على إسناده بالمعلومات والتدريب والأبحاث والتصنيع ليقوم بواجبه بالشكل والسلوكيات المناسبة. كل ذلك يجعل التعاون والتطاوع وعدم الاختلاف عنصرا حاسما في صناعة النصر. وهو لا يتم على وجهه إلا بتقديم كل واحد منا أخاه على نفسه.

ولقد ذكر الأستاذ المدرب أسامة الخراط مثلا رائعا على مفهوم التطاوع وهو التناغم وأن مجموعة من 50 فردا يحضرون محاضرة حول العمل المشترك كفريق واحد. فتوقف المحاضر عن الكلام فجأة وقرر أن يعلم المجموعة عمليا معنى التناغم والتطاوع. فأعطى كل واحد منهم بالونة وطلب منه أن يكتب اسمه عليها. بعدها جمع كل البالونات منهم ووضعها في غرفة أخرى صغيرة وطلب منهم أن يدخلوا الغرفة التي فيها البالونات ويبحث كل عن بالونته التي عليها اسمه.

و اشترط أن يكون ذلك خلال 5 دقائق فقط. فنهض الجميع بكل حماس وسرعة وبدأ كل فرد في المجموعة يبحث عن بالونته المكتوب عليها اسمه. فكانوا في حالة من الفوضى والمزاحمة والتدافع. ومضت الـ 5 دقائق، وشخص أو اثنان فقط من وجد بالونته، ولم يجد الباقون بالوناتهم. هنا ولكي يعلمهم المدرس الدرس جيدا غير طلبه منهم.

فطلب هذه المرة أن يأخذ كل فرد بالونة عشوائية ثم ليخرج من الغرفة وليعطيها إلى صاحبها المكتوب اسمه عليها. ففعلوا. فلم تمض إلا دقيقة واحدة أو اثنتان حتى كان كل واحد منهم معه بالونته. وهكذا هي حياتنا؛ إن حرصنا فيها على مصالحنا الشخصية وتدافعنا مع الآخرين خسرنا جميعا. وإن تعاون أحدنا مع زميله وشريكه في الثورة وتناغم معه بدل مشاكسته نجحت الثورة ونجحنا جميعا.

من هنا نقدر حكمة السنة الشريفة التي علمتنا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعَثَ مُعَاذًا وَأَبَا مُوسَى إِلَى اليَمَنِ فَقَالَ: "يَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلاَ تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا وَلاَ تَخْتَلِفَا". (متفق عليه). وهذا الحديث الشريف عظيم الفائدة قوي الفعالية على بساطته وقلة كلماته. والذي سنهتم به هنا هو آخره. فالتطاوع يعني أن يطيع أحدهما الآخر ويسايره ويمشي معه. لا أن يخالفه في كل كلمة يقولها.

? التناغم والتطوير:

في علم إدارة الأعمال علمونا ما يطلقون عليه باللغة الانكليزية Add on value أي "القيمة المضافة". وهو مفهوم بسيط جدا تماما كما يدل عليه اسمه؛ ومعناه: قيمة يضيفها الشخص أو المؤسسة للمنتَج الذي بين أيديهم. كأن يشتري شخص الطوابق التي "على العضم" فيكسوها ثم يبيعها فيكسب بها. أو يشتري سيارة فيضع فيها نظام أمان يحميها من السرقة ثم يعود لبيعها وتحقيق ربح. هذا العمل الذي أسميناه هنا إضافة قيمة على المنتج هو التناغم.

فمضيف القيمة أخذ المُنتَج من المُصَّنِع الأصلي. ثم تفاعل معه بشكل إيجابي ليجعله أفضل أو أسهل استخداما على المستهلك. أي أخذ المُنتَج الأصلي وطوره وحسنة ليخدم الهدف بشكل أفضل. فتناغم مضيف القيمة مع المنتِج واستطاع بفضل الله ثم تناغمه تحقيق دخل يمكن أن يكون مجزيا جدا جدا. وأقل التناغم التمكن من رؤية الصفات الإيجابية للمُنتَج. وحتى في هذه الحالة يستطيع أن يحقق كسبا مثل وكالات السيارات مثلا.

أما لو جاء كل واحد فينا إلى المنتَج والذي ضربنا مثلا به أنه سيارة فيهاجم فيها الإطارات. ويأت الآخر ليهاجم فيها الدهان. ويأت الثالث ليهاجم المقاعد حتى تجد الكل يهاجم كل شيء فيها... فمن في الدنيا سيشتري تلك السيارة التي لا يعرف أحد عنها شيئا إلا الانتقاد والمهاجمة؟؟؟ وحينها من سيحقق أي دخل أو أرباح من الصلة بها؟؟؟ بنفس الطريقة تماما يختار كل واحد منا لثورته أن تكون منتصرة رائجة أو يختار أن تكون كاسدة خاسرة هو من ساهم بخسارتها.

و هكذا يختار كل واحد منا لنفسه: أيكون متناغما مع بقية العاملين في الثورة فتنهض ويطور كل واحد منا فيها ويحسن ويرتقي بها لتصبح منتَجا رائجا رابحا؟ أو يختار أن يكون مُخرِّبا كلما تحدث أحد عن شيء خالفه ووضع العصي بالعجلات ليثبت أنه موجود وأنه قادر على رؤية الأشياء برؤية مختلفة عن رؤية المتحدث؟ أي خالف تُعرف كما يقلون. فيخالفه في 10% مع أنه يوافقه في 90% ويركز على المخالفة ويتحدث عنها، ولا يهتم بالموافقة ولا يتحدث عنها، وكأن المطلوب من أحدنا المخالفة لا التطاوع والمسايرة.

? التطاوع لا يعني عدم تصحيح الأخطاء:

و لا يُشْكِلَنَّ على أحد هنا النقد البناء وتصحيح الطريق وضرورته. فالتطاوع والمسايرة شيء وتصحيح المسار وانتقاد الأخطاء شيء آخر. أما التمييز بينهما فأول صفاته كما مر:

1. المطاوع المساير يهتم بالموافقة ويحاولها ما استطاع إلى ذلك سبيلا. أما المشاكس فلا يهمه إلا المخالفة ومهاجمة الآخرين.

2. المنتقد المصحح يأخذ ما يراه صوابا فيقبله بل يطوره ويقويه وينتقد ما يراه خطأ. أما المشاكس فيشاكس دائما وفي كل شيء.

3. المصوب ينتقد ما ثبت له خطؤه ويسكت عما هو تحت التجربة مثلا بل يتطاوع ويسار فيه. أما المشاكس فيشاكس دائما وفي كل شيء حتى فيما هو تحت التجربة.

4. المنتقد للخطأ المصوب للطريق يطاوع في المشاعر ويوسع أفق احتمالات المستقبل فيزيد عليها مع مطاوعته ومسايرته. أما المشاكس فيهاجم حتى المشاعر والاحتمالات.

5. المصوب ينتقد عموما الأفكار والسلوكيات. أما المشاكس فينتقد حتى الأشخاص والأسماء.

6. المصوب يحاول دائما طرح الحلول والتصويب. أما المشاكس فلا يهتم أبدا بتقديم أية حلول أو تصحيح إنما هو غاضب ثائر هائج.

وهكذا نتعرف شيئا فشيئا عمن يهدم ثورتنا بقصد أو بغير قصد. وهم كما سيأتي من يخرج عليك مثل الثور الهائج ليقول لك إن الثورة بدأت في 18 وليس 15 آذار مثلا وكأن يوم قيامها قضية كفر أو إيمان. أما إذا أردنا التصرف الصحيح الذي دعا له الكتاب والسنة فعلينا في الحقيقة أن نتابع ونؤيد من يقول شيئا فيه خير للثورة وحتى لو كنا لا نرى رأيه. والمثل على ذلك هو مؤتمر جنيف 2. فحتى ولو كنا نقول بوجود ضرر ناتج عن حضور الائتلاف للمؤتمر. فعلينا التطاوع معهم إذا حضروا.

فمادامت المشاركة قد وقعت، أي أن الضرر قد وقع، فيجب حينها أن يتحول الموقف مباشرة إلى الدعم والتأييد والتناغم والتطاوع. فضرر واحد يقع علينا بالحضور خير من ضررين ناتجين عن الحضور وعن الخسارة فيه أمام المجرم والعالم كله. فنرفع إذا معنويات الوفد وننصح لهم. ونهز معنويات العدو الجلاد الجاثم على صدورنا. ولا نعتبر انتصارات الوفد إلى جنيف هزيمة شخصية لنا بسبب تبنينا لرأي عدم الذهاب. بل نعتبره انتصارا لنا ندعمه بكل ما نمتلك من طاقة.... إلى آخر أعمال المساندة والدعم التي يجب أن نقدمها.

? العيار اللي ما بصيب بيدوش:

يقول المثل: "العيار اللي ما بصيب بيدوش" أي الطلق الذي لا يصيب يزعج. هذه الحقيقة أمر مهم جدا في أعمال الثورة وفي أعمال السلطة التي تحاول القضاء على الثورة. فهي تعني من جانب أن العدو لن يترك لك لحظة ترتاح فيها وتلتقط أنفاسك وتفكر بأريحية للقضاء أو التعجيل في القضاء عليه. كذلك هي سلاح حاسم لو استطاعت الثورة تسخيرها لمصلحتها فمنعت المجرم من التقاط أنفاسه. ومنعته من صفاء الفكر ومنعته من العمل المنتظم أو المركز.

لعلنا نركز هنا لنرى أن جزءا كبيرا جدا من أعمال العدو ترتكز على المشاغبة على الثورة، لا يريد منها في حقيقة الأمر تحقيق النتائج إنما المهم التشويش والمشاغبة ومنع الثورة من الفعالية والحسم. أما تسخير هذا التكتيك ضد المجرم فسنتعرض له أكثر إن شاء في تدريبات المستوى الثاني التخصصي. وسنكتفي هنا باستعراض بعض الأمثلة على تلك التكتيكات ونترك لك تقدير بقيتها:

من ذلك أنك تجد بعض الناس قامت لتجادل أن الثورة قامت في 18 آذار وليس في 15 آذار! وكأن يوم انبثاق الثورة أهم عندهم من انتصارها او من دماء من يذبح في سبيلها. ولعلنا هكذا نتفق أن من شاغب ليجعل تاريخ الثورة موضوعا للتنافس فيه، ليس له حرقة على الثورة أو الدماء النازفة. إنما همه فيما يبدو خدمة المجرم الجلاد لكنه يلبس لبوس الثوار وأنه يدافع عن درعا أو حوران لكي يقنع الناس بأنه من داخل الثورة. فينجح في شق الصف وإثارة البلبلة.

في نفس الوقت فإن الصواب في التصرف إنما هو التطاوع وعدم الاختلاف. أي أن أحدا جعل الثورة تبدأ في 18 وهو خلاف الحق وخلاف الواقع والتاريخ ولكن مع ذلك لا نهوج عليه وإنما نلاطفه ونسايره ونحاول هدايته إلى الطريق إن كان الموضوع مهما. أما وأنه أمر غير مهم فلا نقف عنده مع تمسكنا بما نراه حقا. أي لا نهاجم ولا نخلق معركة هامشية أو زوبعة في فنجان.

وهكذا لعل كل واحد منا رأى عشرات إن لم يكن مئات الأمثلة من نشر الشائعات أو الطعن في هذا الشخص أو ذاك بطريقة مركزة ومنهجية، والتي تدل على وجود طابور خامس في الثورة ليس له عمل إلا المشاغبة على أي فاعل خير للناس. ويحاول هؤلاء الخونة استثارة المشاعر عند الناس لخدمة أغراضهم. فهم في المثل السابق يستثيرون مشاعر أهل درعا أو حوران ليجندوها في مصلحة بلبلتهم وتشويشهم.

ويستثيرون المصالح الخاصة عند ضعاف النفوس لتحقيق نفس الغرض. وهكذا حتى تصل الثورة إلى الوضع الذي نعيشه في أنبل ثورات البشر؛ الحالة التي لا يكاد يقول أحد كلمة إلا قام من يعاكسه ويشوش عليه. أفتــنـتصر ثورة الكل فيها ضد الكل؟ إن أي ثورة في الدنيا لا يمكن أن تنجح لو كانت بغير رأس ولا جسم ولا نظام ولا ضابط. فكيف والسلطة في المقابل نظام هيكلي له رأس واحد منضبط انضباطية بيروقراطية منظمة عمرها آلاف السنين. وجيش برتب ونظام داخلي وهيكلية وطاعة عالية متدرب عليها.

 

? وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ:

من هنا نقدر قيمة قول الله سبحانه- أكثر فأكثر- حين يقول: {وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46]. فنحن إن كنا في يوم من الأيام بحاجة لنبذ التنازع والتنافر، فهذا اليوم هو اليوم. إذ لم يمر علينا في تاريخنا يوم مثل اليوم نباد فيه ونعذب حتى الموت وتقصف مدننا وتجوع. فإن لم نعد اليوم إلى الله ونترك خلافاتنا ومشاعرنا الشخصية جانبا فلن نعود إليه بعد اليوم أبدا.

والناظر المتأمل للآية الكريمة يجدها تأمرنا بطاعة الله سبحانه وتعالى ولا يتم ذلك إلا بهيكلية قيادية واحدة وجسم للثورة منضبط يمنع التنازع. ويجدها تهددنا إن لم نفعل بالفشل الذي قد يصل إلى ذهاب الريح. وهو قائم مشاهد في الثورة اليوم. مما يعني أن كل واحد فينا مهما كان إدعاؤه لا يطيع الله سبحانه في هذا الأمر وهو مساهم في هذا الفشل. وأننا إن لم نتنبه ونعود إلى ربنا ونتجاوز خلافاتنا ومشاعرنا الشخصية وتنازعنا فستذهب ريحنا وتفشل ثورتنا كما وقع في ثورة الثمانينات حين دمرت حماة وأجهضت الثورة.

ولم يكتف ربنا سبحانه وتعالى بأمرنا بطاعته ونبذ التنازع وتهديدنا إن لم نفعل بالفشل وذهاب الريح، بل أمرنا بشكل مباشر إيجابي بالتعاون على الخير والبر والتقوى: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]. فليس عدم التخالف والتنازع وحده هو المطلوب، لكن المطلوب التقدم إلى الأمام والتعاون على فعل الخير. من هنا ندعو من لا يريد الانخراط في عملنا هذا "نصر قريب" أن يتعاون معنا على الأقل.

 

? المال السياسي أو الدعم:

ليتذكر كل واحد منا أن واجبه شرعا، هو التطاوع ومسايرة أخيه الثائر وليس مخالفته. ليس فقط تكريما لأخيه الثائر المجاهد واعترافا بفضله ولكن أيضا احتراما منه لنفسه وتأديته لواجب صناعة نصر نفسه. وأهم الأدلة التي يبرهن فيها أحدنا لنفسه على التطاوع في ثورتنا هو الدعم أو المال السياسي. وهو في حقيقته قرين الرشوة. فصحيح أن فريقك جائع وبغير ذخيرة لكن قبولك للمال أو السلاح أو الذخيرة لفريقك دون بقية الثوار هو قبول للرشوة لكي يكون للمانح حظوة عندك.

فتخصيصك بالدعم يعني إخراجك من الجماعة وإشعارك بالفوقية، ونحن سنطبق ما ندعوا له فنسايرك ونطاوعك ونقر لك بالفوقية على الجميع. ولكن هل فوقيتك قادرة على هزيمة السفاح؟؟؟ إن كان الجواب لا وهو حتما لا، فأنت تقاتل ضد دول عظمى مما يعني أنهم ضحكوا عليك بنفس الخديعة القديمة حيث أشادوا بحسن صوتك وطلب الغناء إليك. فإن غنيت سقطت قطعة الجبن من فمك. كذلك إن وافقت حصلوا منك على ما يريدون ففرقوا الصف وجعلوك غير مهتم بتوحيده حتى لا تخسر الدعم الذي يأتيك وحدك فقتلت ثورتك بيدك. مما يجعل الحل أو الهيكلية الإدارية الجامعة للثورة والصندوق المالي الموحد فرض عين وليس سنة مستحبة.

 

? الثوري المنتصر والثوري الهدام:

بهذه الطريقة ندرك أن في الثوار من هم عوامل إيجابية وفيهم عوامل سلبية قاتلة. لكن المهم هنا أن نعرف كيف نكون إيجابيين فندعم ونقوي الثورة فننصرها وننتصر بها. ثم نعرف كيفية الهدم ومن يقوم به فنمنعه من مساعدة عدونا على قتلنا. فأما نصر الثورة فيكون بنصرة الثوار ودعمهم والتناغم معهم وعدم مخالفتهم. ويتم ذلك برؤية النصف الملآن من الكأس بدل التركيز على النصف الفارغ مادام المتحدث عنه من الثورة. إذ لعل من أعجب الأشياء في ثورتنا المباركة أن يدافع عقلاؤنا عن العدو ومصالحه وروحه المعنوية!

فقول قائل في الثورة: اقترب سقوط المجرم. يقيم عليه عاصفة هوجاء يثب بها من هب ودب ليثبت أنه لن يسقط. ولو قال قائل: أفلس المجرم وأصبح عبئا على حلفاءه لهاج هؤلاء وماجوا يجادلون بغير علم لساعات وأيام أن المجرم سيجد مصدرا ينفق عليه... والعجيب أن هذا المدافع بكل تلك الشراسة عن المجرم يدعي أنه من الثورة!!! طبعا نحن لا نتحدث عن مركز أبحاث يناقش بهدوء كل فكرة مهما كانت ضعيفة أو شبه مستحيلة لكنا نتحدث عن كلام عام على صفحات الانترنت أو حوارات تبادل الآراء.

و مما يساعد على التطاوع والتناغم أن يعرف كل واحد منا موضعه في صياغة هيكلية الثورة الموحدة وما هو دوره في زخمها الإعلامي وأن من لا يأتمر في الأمور إذا أقبلت ويسهب يجب عليه أن يسمع ممن يأتمر وينظر ويسهب فيدعمه ويردد كلامه. وإلا وقع في تحذير الله سبحانه: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 83]. فالرد إلى الذين يستنبطونه يعني التطاوع معهم وعدم مخالفتهم.

? المرجفون وبعض صفاتهم:

ومن أشكال التطاوع أو جزء منه وهو عمل إيجابي أن يفي الواعد بوعده. فموعد للتواصل أو الحضور في ساعة محددة يعني تماما حتمية الحضور في تلك الساعة. والتخلف عن الموعد أو الخلف فيه لا معنى له إلا عدم الجدية أو النفاق. وثورة تقوم على أطفال لم يتعلموا الوفاء بمواعيدهم في وقتها ثورة لا تنتصر. مما يجعل المتخلف عابثا سلبيا ليس له هم نصر الثورة بل لعل همه في قلبه هدمها وقتلها. وهو في نظر الشريعة على شعبة من النفاق حتى يدعها.

و كذلك حال الكاذب وكذلك حال صرف الطاقة في متاهات لا يخرج منها شيء مثل موضوع يوم بداية الثورة. وهكذا لعله يتضح أن الكثير من هؤلاء هم في حقيقة الأمر من مخابرات الجلاد المندسين في الثورة لقتلها من الداخل. هذه بعض صفاتهم مع التنويه إلى أنهم لا يتصرفون هكذا دائما لكي لا يُكتشفوا. لكن يغلب عليهم:

1- لا يلتزمون بالموعد

2- لا تقرأ لهم إلا شيئا ضد أحد في الثورة

3- تحس بحقد شديد عندهم ضد أحد في الثورة

4- لا يستهزئوا إلا بشيء أو أحد أو مفهوم له علاقة بالثورة

5- ينشرون روح الضيق والإحباط وأن كل شيء حولنا في الثورة فاشل أو مصيبة

6- لا ينشرون ولا يكتبون الأخبار الإيجابية ولا ينشرون روح الطمأنينة والاستبشار... بل لعلك تجد أحدهم يحول نصرا عظيما إلى تصويره وكأنه صراع بين الكتائب على من ينسب النصر لنفسه

 

كذلك من صفات أذناب المجرم أنهم لا يحترمون ولا يرفعون شركاءهم في الثورة. وهم في نفس الوقت يحترمون ويرفعون أمثالهم من أذناب الجلاد. إلى درجة أنك تحس أن الثائر هو عدوهم الحقيقي وليس المجرم الجلاد. ومن أمثلة أعمال أذناب المجرم أنهم إذا قدموا تنازلات قدموها فقط لأذناب المجرم مثلهم. من أمثلتها مبادرة سياسية قدمها بعضهم تقول في بنودها: لحلٍّ سياسي يضمن انتقالاً سلمياً للسلطة... فتخيل أيها الثائر المحترم أننا وبعد تقديم أكثر من ثلاث مئة ألف شهيد ومع ذلك نعتبر انتقال السلطة سلميا!!!

أي وكأننا لا نرى قيمة أو وزنا لكل تلك الدماء والويلات التي وقعت علينا! وأن المجرم سيتنازل عن السلطة بكل سلمية وطيب معدن. وفيها أيضا – أي المبادرة -:  تسليمَ صلاحيات المجرم كاملة إلى نائبه، أو رئيس الوزراء الحالي... فلم يجعل تسليم الصلاحيات لأحد ممن انضم للثورة حتى ولو كان ممن تمتع بنفس الصفات. أي مرة ثانية كأنه لم ير أي قيمة لمن ترك صف المجرم وانضم للثورة.

ومن الأخطاء أيضا المشاغبة وأذى الثورة في أن يتخصص قوم بأخطاء الثوار. فلا يكون كلامهم إلا في نقد فلان وتسفيه علان. لكنهم لا يبنون شيئا إيجابيا مفيدا. ومن صفاتهم أيضا: دعم أعداء الثورة من أمثالهم المندسين فيها. ومن أبرز أمثلة ذلك أنك تجد أذناب الجلاد يدعمون المتشددين (التكفيريين) بكل قوة. ويحاولون إجبار الشارع والرأي العام للتحول إلى التشدد وفكر الخوارج الذي يحذر منه الإسلام أشد التحذير. وليس لهم هدف من ذلك إلا تخويف الناس من الجهاد والثورة والإسلام. وتخويف العالم من المسلمين. وتأكيد كذب المجرم حين اعتبر الثورة عملا إسلاميا متشددا أو عصابات إرهابية من خارج سورية.

ومن ذلك دعمهم لداعش بكل ما يمتلكون من قوة. وتحول بعض المحسوبين على الثورة من المخدوعين بهذه الحملة إلى أجهزة إعلام ليس لها عمل إلا تأييد المجرمين بأي طريقة. فلا يدافعون عن ثائر بطل دافع عن الثورة والثوار مثل الأب المسيحي الإيطالي الأصل والمؤيد للثورة بشدة "باولو دليلليوا". ولا يستنكرون اعتقال أو قتل إعلامي أو قائد بطل من أبطال الثورة آذاه هؤلاء الأفاقون. وإذا حاولت التفاهم معهم ردوك بنوع من الكلام الفارغ الخالي من الحجة مثل قولهم: لا يا شيخ. وقولهم: لا تكبرها.

و تجد أمثال هؤلاء على الفيس بك مثلا ينزلون منشورات عامة لا تسمن ولا تغني من جوع لكنها تحاول تلميع صاحبها فتظهر بطولاته الشخصية التي لا يمتلكها. في الوقت الذي فيه الثورة بحاجة ماسة لدعاية وإعلام هادف. وبحاجة ماسة لنشر فكر بناء واعي ينصرها ويصيب عدوها في مقتل. ويجعل نصرها حتميا انطلاقا من مستوى الجذر فيرفع كفاءة الأمة ويعيد الشعب إلى مقامه الطبيعي صانعا لقرار أمته.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين