مشروع نصر قريب : الحلقة الثانية شرطا النصر : التقنيات+ الأمانة والعدل

 

ما دام هذا التدريب يبين أن النصر صناعة مثل كل الصناعات فليكن معلوما أنه لا نصر إلا بتحقق شرطين بالحد الأدنى على الأقل. وهما يتناسبان ويتناظران بين طرفي الصراع كما سيأتي. أما الشرطان فهما: المهارات أو التقنيات + الأخلاقيات من الأمانة والعدل والتقوى إلى آخرها. إذ لو قدمنا أتقى الناس وأكثرهم أمانة، وطلبنا منه إقامة "جسر" لما عرف من أين يبدأ إن لم يكن تخصصه في الهندسة المدنية. وإن حاول بدون أهلية فلا يمكن أن يقوم جسره. وإن قام فسيسقط بأول من يمر عليه.

 

مثله تماما مثل من يريد إجراء عملية جراحية مهما كانت بسيطة أو مشهورة. ومثله من يريد تصنيع سيارة أو حتى حاوية قمامة. بل مثله من يريد إصلاح خط التصريف في مغسلة في البيت. وهكذا يكون الشرط الأول دائما في أي صناعة هو المهارات المناسبة أو التقنيات. وأن يقوم كل شخص بتخصص محدد يتقنه بدل أن يعمل في عشر مهن ولا يتقن أيا منها!

 

أما الشرط الثاني فهو الشرط الأخلاقي مثل الأمانة أو العدل. فأقوى المهندسين أيضا لن يبني جسرا إن لم يكن أمينا بالحد الأدنى من الأمانة المهنية. فلو سرق من الحديد أو الإسمنت فسيجعله يسقط تماما كما لو كان لا يمتلك المهارات أو التقنيات. من هنا تتبين ضرورة وجود الشرطين كليهما ولو بالحد الأدنى.

 

ونحن في ثورتنا اليوم أحوج إلى الشرط الأول. فطبيعة الثورة أن يقوم بها غير المتخصصين. بل لعل من لا يمتلك ولا حتى فكرة عن العمل الإداري أو السياسي أو العسكري تراه يصبح فجأة في مصاف القادة. مما يعني حاجته الماسة لتعلم التقنيات والمهارات التي تؤهله للقيادة. أو تعني الحاجة لإقامة الفني المؤهل بدلا عنه في مكانه ويتفرغ هو لما يتقن.

 

? المهارات أو التقنيات:

أبسط طريقة للتعرف على المؤهل في عمل ما أن يمتلك الشخص الأسس الأربعة التي يتصف بها المؤهل ولو على سبيل الإجمال وهي:

  1. الاحتياجات: فيمتلك تصورات عما يحتاجه في تخصصه لصناعة النصر.
  2. الآليات والطرق: فيدرك الآليات التي يحتاجها والطرق التي سيسلكها والتي ستوصله إلى النصر.
  3. الأدوات والمعدات: فيعرف الأدوات والمعدات والآلات التي سيستخدمها لتحقيق الهدف.

 4- التزمين: ويدرك ولو بصورة تقريبية المدة المطلوبة لإتمام المشروع.

 

ونختصر ذلك كله بقولنا: إنه يمتلك إستراتيجية وبرنامج عمل. ولا يعفى من الإستراتيجية وبرنامج العمل أحد ولا حتى فيما لا يمكن دراسته في جامعة مثل قيادة ثورة. إذ بدون الإستراتيجية وبرنامج العمل لن يعرف المرء كيف يتحرك أو يتصرف. ولن يتقن تخصصا من هذا النوع أحد دون امتلاكه للحد الأدنى من المعرفة الأساسية في علم الإدارة والحرب والاقتصاد والسياسة. ثم يكمل ما عنده من النقص بمشورة المختصين. عند ذلك تكتمل أدواته للقيادة.

 

فإن لم يمتلك تلك القدرات والأسس فليس مؤهلا وعليه إن كان ناصحا للمسلمين أن يعود لحالة القائد المضطر. فقد يشغل غير المؤهلين مناصب قيادية في الثورة بغير سعي وراءها ولا طلب. بل يضطرون إلى ذلك اضطرارا. وكونهم مضطرين معذورين لا يجعلهم قادرين على بناء "الجسر" أو صناعة النصر. مما يتطلب منا علاج هذا الواقع فيلزمنا بالتعرف على مجموعة قواعد في هذا الشأن لا بد من رسوخها في نفوسنا وسلوكنا العملي لكي نتمكن من صناعة النصر بإذن الله وهي:

 

أولا: في حالة إذا ظن شخص نفسه مضطرا لقيادة جزء من الثورة أو الثورة كلها بسبب فقدان المؤهلين، فيجب عليه في هذه الحالة أن يعرف يقينا ويحس دائما: 1. أنه يقتات على دماء الشهداء لكنه مضطر معذور مادام لا يجد بديلا فلا يستسيغه ولا يركن إليه.

 2. أن يبحث باستمرار عمن هو أفضل منه ليعطيه القيادة.

 3. أن يطلب مساعدة الناس في البحث عن الأفضل.

 

ثانيا: أما إن كان يتخيل في نفسه الأهلية فعليه أن يعرف:

 1. أنه لا يمكن أن يكون مؤهلا في جميع التخصصات.

 2. لا بد له من اختيار تخصص محدد.

 3. عليه أن يمتلك فيه ما تحدثنا عنه من الأسس الأربعة التي يجب أن يتصف بها المؤهل:


1- الاحتياجات. 2- الآليات والطرق. 3- الأدوات والمعدات. 4- التزمين.

 ثم يكتفي بتخصصه الذي يتقنه إن كان مثلا جامعا للمال. وحتى في هذه الحالة لا ينفق ما يجمع من المال إلا حسب ما يمليه عليه المؤهل مالك الاستراتيجية وبرنامج العمل. وأن يطلب بسعي حثيث البحث عن صاحب المشروع هذا. فيظهره للناس ويقويه ويقدمه ولا يتقدمه.

 

شرط النصر الثاني: ? الأخلاقيات: الأمانة والعدل

الأمانة هي أقرب شيء إلى ما نطلق عليه "المسؤولية" وهي تعني: مجموعة القيم العملية والأخلاقية الضابطة لتحقيق الشيء بأكمل وجه وبأعلى مردودية ممكنة. كأن لا نسند الأمر إلى من لا نعرف كفاءته. كما لا نسند الأمر إلى الأقل كفاءة مع وجود الأكثر كفاءة! ومثل التفاني في تحقيق أعلى المكاسب والمردودية كأن لا ينفق قرشين على ما يمكن تحقيقه بقرش واحد. وكأن لا نزعم الحرص على الثورة في حين أن حرصنا الأول هو على المصلحة الشخصية وتزعمنا وتصدرنا. وهكذا إلى آخر المشاكل الأخلاقية التي قد تواجهنا. والتي سيشرحها التدريب بشكل واسع.

 

? إقامة العدل:

العدل الداخلي والعدل الخارجي: أول ما يجب أن ندركه هنا أن كل مجموعة بشرية أو ثورة لها سياسات داخلية وسياسات خارجية. فإذا قامت سياساتها الداخلية على العدل سمت وازدهرت وعلا إنسانها. حتى ولو كانت سياساتها الخارجية ظلم كلها! والمثل على ذلك أمريكا أو إسرائيل أو الغرب عموما. فالعدل الداخلي في أمريكا مثلا أن تقام انتخابات حرة نزيهة تظهر خيار الناس الحقيقي. وفي إسرائيل مثلا لا يُداهن أحد بسبب منصبه فتدخل الشرطة وتأخذ حاسوب رئيس الدولة. وقد تعتقله إن كان عندها مبرر. ومن مظاهر العدل الداخلي في الغرب كله أن لا يعتقل إنسان بسبب فكرة يقولها لم ترق لغيره فللكل حتى المسلمين حرية التعبير والدعوة لدينهم.

 

لنستنتج من ذلك قاعدة أساسية نص عليها بعض الفقهاء فقال: إن الله ينصر الملك العادل وإن كان كافرا على الملك الظالم وإن كان مسلما. وشاع بين الناس أن العدل أساس الملك. فمن أقام العدل في نظامه الداخلي انتصر على من فشل في إقامة العدل في نظامه الداخلي بغض نظر تام عن عدالة القضية الخارجية التي قامت الحرب دفاعا عنها!

 

من هنا نفهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا قدست أمة {لا يقضى فيها بالحق} ولا يأخذ ضعيفها حقه من قويها وهو غير مضطهد" جيد رواه الطبراني. لذلك كان من أهم الأولويات في الثورة إقامة نظام قضائي. وهو أمر مفصلي ضروري ليشعر كل جندي وكل فرد في الثورة أو في المناطق المحررة أنه يستطيع أن يأخذ حقه ممن ظلمه كاملا غير منقوص.

 

فالله سبحانه لا يُعلي ولا يرفع أمة لا يُقضى فيها بالحق ولو داخليا على أقل تقدير. بل لا بد أن يأخذ الضعيف فيها حقه كاملا وهو غير منزعج وبدون أي عناء! مما سبق ندرك أن ثورتنا بالذات وهي تقاتل ضد العالم كله لا يمكن أن تنتصر عندما تشوبها أدنى شائبة ظلم في تراتبياتها الداخلية الإدارية. ولا يمكن أن يتم هذا العدل إلا باتهام الشخص لنفسه وتقديم غيره على نفسه عمليا وليس بالكلام فقط. إن لم نفعل ذلك فسيتأخر النصر كثيرا وكثيرا جدا. وسنكون سببا في ذلك المصاب الجلل.

 

ويبدأ إقامة العدل داخليا بالأمور التالية:

1. امتلاك القدرة على الإحساس بالمعروف ورؤيته عند غيرنا من الناس: وهي أساس في إقامة العدل وفي الحديث الصحيح عند أحمد "لَا يَشْكُرُ اللهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ". فشكر إحسان المحسن ورده بمثله هو العدل وهو من مساواة الخير بالخير. ولا يمكن شكر الإحسان أو رد المعروف بمثله إلا بالقدرة على رؤية المعروف والإحساس به ثم شكره ورده بمثله. من هنا كان لزاما تدريب العاقل لنفسه حتى يتحسس ويدرك صانع المعروف ممن حوله من الناس ليشكره. ويبدأ تحسس إدراك المعروف من خلال مقارنة فعل شخص بعدم فعله، أو بفعل شخص آخر، وهذه المقارنة كالتالي:

 

a. هل المتبسم في وجهي وهو أقل المعروف، كان بإمكانه أن لا يتبسم، لكنه اختار التبسم؟! وهل فعله يجعله صانع معروف أعرفه له وأقدره؟ طبعا هو قام بمعروف ويجب شكره.

b. مقارنة المعروف بعضه ببعض: هل يستوي معروف المبتسم في وجهي بمعروف من أعطاني مليون دينار مثلا. طبعا لا يستويان في حجم المعروف ودرجة شكري له، كذلك معروف من يضحي بحياته من أجل كرامتي وحريتي أكبر بكثير منهما. وأكبر منهم جميعا القائد الفذ الذي يضع التصورات النظرية والتطبيقية لنجاح الثورة ويساهم في انتصارها... الخ. وكلٌ محسن ولكن الآخر أفضل بكثير من الأول وفي كلٍ خير. فصنائع المعروف درجات كثيرة جدا وكبيرة جدا.

c. شكر صانع المعروف والاعتراف له بالفضل وتكبير معروفه. فالحديث الصحيح عند أحمد: "إِنَّ أَشْكَرَ النَّاسِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَشْكَرُهُمْ لِلنَّاسِ". وأقل الشكر ذكر المعروف باللسان بين الناس ونشره وإشاعته وشكر فاعله بالاسم حتى يعرفه الكل فالحديث الصحيح يقول: "مَنْ أُوْلِيَ مَعْرُوفَاً فَلِيَذْكُرُهُ، فَمَنْ ذَكَرَهُ فَقَدْ شَكَرَهُ، وَمَنْ كَتَمَهُ فَقَدْ كَفَرَهُ". والدعاء للمحسن. ولا أقل من هذا.

d. شكر المعروف بقدره: فلا أشكر المتبسم مثل شكري لمن يضحي بحياته من أجل كرامة الأمة، مع أن عليَّ شكرهما جميعا. والعدل أن أشكر المتبسم بابتسامة. وأشكر المضحي بنفسه من أجلي بأن أضحي بنفسي من أجله أو من أجل حماية أهله وأولاده على الأقل... وهكذا. ويوجد درجة أكبر هي الإحسان فوق العدل. وهي رد المعروف بأحسن منه. فإن لم يكن فلا أقل من العدل.

 

2. شكر المعروف بذكره في الناس وتسمية فاعله يظهر الناس: فأثني على فلان أنه فعل معي أو مع الثورة المعروف المعين. فتعرف الناس والمحيط لهذا الشخص فضله وتميز بين المعطي صاحب المعروف وبين غيره. وتعترف للمعطي وتقدمه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أُوْلِيَ مَعْرُوفَاً فَلِيَذْكُرُهُ، فَمَنْ ذَكَرَهُ فَقَدْ شَكَرَهُ، وَمَنْ كَتَمَهُ فَقَدْ كَفَرَهُ". (حسن صحيح - رواه الطبراني). وبذلك تتشكل آليات طبيعية في المجتمع في تمييز قادته عمن سواهم. وهكذا تتعرف الناس على المحسن وعلى الأكثر إحسانا فتقدمه وتصغي له أكثر مما تصغي لغيره. وتضع الأكثر إحسانا دائما فوق غيره. وهكذا تترسخ قيمة شكر المحسن بين الناس وهذه قيمة لها الأهمية العظمى في خلق تراتبيات الثورة العادلة القادرة على صناعة النصر خاصة إذا انضمت إليها الأهلية. وهما ما نفتقده اليوم. فتصوروا معي: لو كان خيار الناس هم من يقود الثورة في كل أجنحتها ماذا سيكون وضع الثورة؟

3. التشبث بصاحب العلم النافع (الشرعي أو التخصصي) ومعرفة فضله: نحن نعبد الله سبحانه لأنه يستحق العبادة ولعظيم فضله ومنته علينا ونحب رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ لِما عَلمنا من خير ودلنا عليه. وبالتالي ما هو موقفنا إذا ممن علمنا ولو آية من كتاب الله؟ في الحديث المرفوع: "مَنْ عَلَّمَ عَبْدًا آيَةً مِنْ كِتَابِ اللهِ، فَهُوَ مَوْلاهُ لا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَخْذُلَهُ، وَلا يَسْتَأْثِرَ عَلَيْهِ". (رواه الطبراني وأظنه حسنا لغيره) فإذا ثبت ذلك لمن عَلَّم آية فكيف بمن يُعَّلِم الناس سبل النهضة والخلاص من إسالة الدماء والظلم والطغيان؟ وقد جاء في الحديث المرفوع أيضا: "أوحى الله تعالى إلى نبي من الأنبياء، أن قل لفلان العابد: أما زهدك في الدنيا، فتعجلت راحة نفسك. وأما انقطاعك إليَّ، فتعززت بي! فماذا عملت فيما لي عليك؟ قال: يا رب ومالك علي؟ قال: هل واليت لي وليا؟ أو عاديت لي عدوا؟ " ( رواه أبو نعيم وأظنه حسنا أيضا) فيجب علينا أن نوالي صاحب العلم النافع لأن علمه هو سبيلنا للنصر والتمكين.

 

4. الوفاء بالوعد وكل العقود والابتعاد عن الغدر: آخر ما سنتكلم عليه من العدل والأمانة هو الالتزام بالكلمة والوعد والعقود الشفوية. فالله سبحانه يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]. وكيف نتوقع نصرا من الله سبحانه ونحن لا نطيع أوامره ولا نلتفت لها؟ وهل نظن أحدا سينصر الثورة فعلا إن كان عاجزا عن الالتزام بموعد هو ضربه!؟ أما الغدر فلا يقع فيه مسلم فضلا عن أن يقع فيه المجاهد! قَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ الْإِيمَانَ قَيْدُ الْفَتْكِ. لَا يَفْتِكُ مُؤْمِنٌ". (صحيح رواه أحمد).

 

و الفتك هو الغدر؛ أن يأتي صاحبه وهو غافل فيشد عليه فيقتله. معنى الحديث أن الإيمان يمنع من الفتك الذي هو القتل بعد الأمان غدراً كما يمنع القيد الشخص المقيد من التصرف. وهو يدل أن المسلم حتى لو كفر أو قاتل أخاه يبقى من المستحيل أن يغدر به. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الإيمان قيد الفتك؛ إذا أَمَّنَ الرجل الرجل على نفسه، ثم قتله، فأنا بَرِيءٌ مِنَ الْقَاتِلِ وإنْ كانَ المَقْتُولُ كافراً"( جيد رواه الطيالسي )

 

? تناسب شرطي النصر بين الطرفين:

أما تناسب الشرطين بين طرفي الصراع فيعني أن كل شرط منهما يتعلق بنظيره عند خصمه. وقد يحصل بعض التعويض من شرط إلى آخر أحيانا. مثل أن القدرة العسكرية عند طرف إذا كانت بمقدار 5% مما عند الطرف المقابل فلا يتوقع لمثله أن ينجح ما لم تعدل كفته عوامل أخرى مثل الحاضنة الشعبية أو مثل إرادة القتال والإيمان بالهدف والاستعداد للتضحية من أجله. ولكنه قد يتأكد نجاحه إذا كانت قدراته العسكرية تبلغ 60-70% من قدرات عدوه، مثلا. ومثلها القدرة السياسية والتنظيمية والتخطيطية. وكل القدرات الحاسمة في صناعة النصر!

أما عملية التعويض فتتم من شرط لآخر ضمن السياق السابق. ومثاله الجيش الأضعف عدلا في داخله تجد إرادة القتال عند جنوده أضعف بكثير منها عند الجيش القائم على العدل. فينهزم هكذا وإن كان الأقوى عسكريا أمام عدو أضعف لكنه أكثر عدلا! مما يعني أنه ليس أمام جيش الثورة إن كان ضعيفا من ناحية القوة المادية إلا التعويض بالقوة الأخلاقية من الإخلاص والتفاني وتناسي الذات والتنازل لأهل الثورة الذي ينتج عنه جسم واحد للثورة يكون قادرا على المناورة وصناعة النصر.

 

مما يعيدنا للتذكير بأهمية التمييز بين العدل الداخلي في القوات أو الثورة وبين العدل في القضية التي نحارب من أجلها. فالعدل الداخلي الذي هو بيين رتب الثورة وتعامل الضباط مع الجنود وتقديم المقتدر ليقود والاعتراف له بالفضل.. الخ أهم بكثير من عدل القضية التي تحارب الثورة من أجلها. فالعدل في القضية يأتي في المرتبة الثانية. فإذا فقد العدل الداخلي وكان العدو أقوى منا ماديا استحال النصر علينا مهما كانت قضيتنا عادلة تماما كما نرى اليوم.

 

مع إعادة التنبيه إلى أن الضعف العسكري والعدلي ينضبط ضمن نسب متقاربة نسبيا كما مر. فلا نتوقع مثلا أن الجيش القائم على العدل 100% وقدراته العسكرية 0% يستطيع أن ينتصر على جيش عدله 20% وقدراته العسكرية قدرات جيش عسكري منظم ومدرب ومسلح. كما أن ثورة قدراتها السياسية والإدارية 0% لا يمكن توقع انتصارها على دولة منظمة ومنضبطة عمرها 8000 سنة.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين