مشروع نصر قريب : الحلقة الأولى الإخلاص لله عزَّ وجل

 

يعمل هذا التدريب لتحقيق نصر هذه الثورة المباركة بمحاولة علاج مشكلاتها. والطريقة التي يسلكها هي تذكير الجميع بإخلاصهم لله ثم بيان أن النصر صناعة يصنع تماما كما تصنع "الجسور" مثلا. فالنصر شأنه شأن كل صناعة يتألف من أجزاء صغيرة يتحكم ويساعد كل واحد منا بجزء منها. فإن أقامه على وجهه وأتقنه حتى يجعله في مكانه المرسوم، يكون قد أدى الأمانة ونصح للأمة وصنع النصر. بمعنى أن يقوم كل شخص بأداء واجبه في عمله. فالمهندس يرسم الخرائط ويشرف على التنفيذ. وعامل الحديد يصنعه بالشكل المرسوم. وعامل الخلطة الخرسانية يقوم على خلطها... وهكذا. والجدير بالذكر هنا أن المهندس لا يعرف كيف يصنع الحديد ولا يمكن أن يقوم به حتى لو عرف. وكذلك الحداد لا يمكن أن يرسم الخرائط ولا يحسب الكميات. وكذلك النصر لا يمكن أن يتحقق إلا بتوزيع الأعمال وأن يقوم كل واحد بمسؤوليته تماما بنفس الطريقة التي نصنع بها كل الجسور.

 

قل لمن لا يخلص: لا تتعب

الثورة لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ العُلْيَا:

تذكر دائما هدفك وإياك أن تغفل عنه. جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلذِّكْرِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ، فَمَنْ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ قَالَ: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ العُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ» رواه البخاري. فإخلاص النية لله عز وجل هو أول ما يجب على كل واحد منا استحضاره وتذكره دائما. فأحدنا قد يذهب في أي عمل ولا يعود من أول يوم؛ حينها إما أن يكون إلى جنات عرضها السموات والأرض وإما - لا سمح الله - أن يرائي الله به أو يُسمِع فيحبط عمله.

وقد كانت الميزة الأساسية للصحابة رضوان الله عليهم هي الإخلاص لا كثرة العدد ولا كثرة المال. وقد هاجر إلى المدينة المنورة 150 صحابيا أسسوا أكبر حضارة في التاريخ الإسلامي. وقد كانوا يُذَكِّرون بعضهم في حالات القتال بالإخلاص لله سبحانه ليكون الهدف واضحا للجميع. ولكي يجدد كل واحد نيته في كل عمل يعمله. روى البخاري وغيره:

شَهِدْتُ صَفْوَانَ وَجُنْدَبًا وَأَصْحَابَهُ وَهُوَ يُوصِيهِمْ فَقَالُوا: هَلْ سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: " {مَنْ يُرَائِي، يُرَائِي اللهُ بِهِ}. وَمَنْ سَمَّعَ، سَمَّعَ اللهُ بِهِ (فضحه الله على رؤوس الأشهاد) يَوْمَ الْقِيَامَةِ". قَالَ: "وَمَنْ يُشَاقِقْ (يدخل العنت والصعوبة على نفسه ومن حوله)، يَشْقُقِ اللهُ عَلَيْهِ (يجعل الله حسابه شاقا صعبا مرهقا) يَوْمَ الْقِيَامَةِ".

فَقَالُوا: أَوْصِنَا. فَقَالَ: "إِنَّ أَوَّلَ مَا يُنْتِنُ مِنَ الْإِنْسَانِ بَطْنُهُ. فَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَأْكُلَ إِلَّا طَيِّبًا، فَلْيَفْعَلْ. وَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ، بِمِلْءِ كَفِّهِ مِنْ دَمٍ أَهْرَاقَهُ، فَلْيَفْعَلْ". وأذكر كل واحد فينا وأخص نفسي وكل من رضي أن يكون في موقع قيادي أن دماء المسلمين في رقبته يوم القيامة سيسأل عنها. فلا تُعَرِّضُه أمراض نفسه من إعجاب بها أو كره لشخص أو جماعة، أن يعمل وحيدا أو متشرذما في مجموعة صغيرة هنا أو هناك. فيكون والغا في دماء المسلمين مؤخرا لنصرهم. فيكون من أهل جهنم وهو يظن نفسه ممن يحسنون صنعا.

و إذا كان الرسول صلى الله عليه وإخوانه وآله وسلم قد حذرنا من تعلم العلم لغير الله وتوعد من فعل ذلك بالنار والعياذ بالله، فكيف بمن يقود عملا تسيل فيه دماء الناس قتاليا كان أو سياسيا لغير وجه الله؟ عَنِ عبد الله بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ، أَوْ لِيُبَاهِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ، أَوْ لِيَصْرِفَ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ، فَهُوَ فِي النَّارِ". حديث صحيح لغيره رواه ابن ماجه وغيره.

أفلا يتنبه المسلم الحريص على دينه وثورته أن شَغلَه لمنصب بغير أهلية ليس إلا مساهمة في إزهاق أرواح الناس وإطالة أمد معاناتهم؟ وأنه من الضروري أن يقوم كل مؤهل بالعمل في تخصصه ليبدع فيه وليستفاد منه. وأنه لا يوجد أحد على وجه الأرض يتقن كل التخصصات. وأن من ليس مؤهلا يمكن تدريبه وتأهيله وأن المضطر له أحكامه كما سيأتي بالتفصيل في التدريبين القادمين.

إذ لعلنا نتفق أن من يتولى كل شيء ولا يعطي أي مسؤوليات لغيره ولا ينضوي تحت لواء هيكلية موحدة للثورة، ليس إلا قاتلا للثورة وليس مدافعا عنها. بل حتى بسطاء الناس مثلنا عليهم مسؤولية عظمى؛ فكلنا يساهم بإطالة المعاناة حين لا ننشر هذه الحقائق بين الناس ولا نعزف على وترها ليل نهار لكي نفرض على الجميع معرفة أهميتها والانصياع لمتطلباتها كما سيأتي.

فكل قطرة دم تسيل من أحد في الطرفين هي في رقابنا جميعا، وفي رقبة من تسلم القيادة وتصدر لرعاية الناس. فإن كان مؤهلا مخلصا أخذ أعظم الأجر. وإن كان غير مؤهل - (و سنعرف غدا شروط المؤهل) - ومع ذلك يتمسك بمنصبه، أصبح حينذاك متصدرا لقتل الناس ايذائهم؛ يتحمل مسؤولية كل شهيد يراق دمه وكل حرة تغتصب وكل جريح يعاق وكل جائع يجوع وكل بيت يهدم.

و لعل أحدنا يقع في مصائب كبيرة دون انتباه أو قصد. والسبب قد يكمن في نقص الإخلاص. فنستعرض هنا بعضها من باب التذكير {فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات: 55]. أولها:

? الإخلاص والعمل المؤسسي:

يضحك أكثرنا على نفسه فينادي بالعمل المؤسسي الجماعي لكنه لا يعمل في الواقع إلا بكل فردية ودكتاتورية وقد لا يستعمل إلا أولاده للعمل تحت إمرته! مع أن الله سبحانه يقول: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: 36]. أي قاتلوهم جميعا كما يقاتلونكم جميعا. فيجمع المسلم حوله كل من شاركه هدفه. ولا يكون العمل جميعا إلا إذا قابل المتخصصين من العدو متخصصين مثلهم منا، فالمتخصص السياسي من العدو يقابله متخصص بالسياسية من عندنا، ويقابل عسكرييهم عسكريونا ومخططيهم مخططونا وإعلامييهم إعلاميونا، وهكذا تتكافئ الكفتين .

فهل يستطيع أحد تخيل نفسه فاشلا في العمل المؤسسي ومخلصا في نفس الوقت؟ من هنا ومن شدة أهمية هذه القضية طورنا طريقة يختبر كل شخص إخلاصه بنفسه فيسأل نفسه السؤال التالي:

هل أمتلك خطة واضحة تمتلك الشروط الصحيحة فأستطيع تشغيل الناس معي؟ إن كان كذلك فنحن معك وطوع أمرك. أما إن كنت لا تمتلك خطة فاسمح لنا أن نستفيد من طاقاتك في صناعة نصر ثورتك. أخيرا إن كنت لا تمتلك خطة ولا تستطيع تشغيلنا كما لا تسمح لنا بتشغيلك فهل ترى أن نيتك خالصة لله؟

وليتذكر أحدنا دائما الحديث النبوي الشريف: "مَثَل الْمُؤْمِنِينَ، فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَل الْجَسَدِ: إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ، تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى". فهل نتصور مسلما مخلصا صادقا لا يطبق هذا الحديث الشريف و لا يشكل مع إخوانه جسدا واحدا للثورة؟ خاصة أنهم في أمس الحاجة لذلك؛ فلا يتنازل لإخوانه ولا يعمل معهم من أجل إنجاح ثورة كلفتنا الكثير الكثير.

ثورتنا لا يمكن أن تنجح اليوم بغير هيكلية قيادية واحدة تديرها وتوجهها. فلا بد أن نعمل على تشكيل جسد واحد له رأس يفكر و عينان تبصران و يدان تضربان ورجلان تنقلانه في اللحظة الحرجة إلى المكان الآمن! إذ ما حالنا اليوم من التشتت والضياع إلا كجسد لا رأس له يتخبط بخطوات قد تقوده إلى الهلاك المحتوم.

 

 

? الإخلاص وتحول الوسيلة إلى غاية:

يسقط أغلب المتدينون وكثير من الأخيار فينا بهذه السقطة الكبيرة العظيمة ولا يتنبهون لها. بل أغلبهم يظن نفسه محسنا وهو واقع فيها. فهو يظلم ويخون الأمانة ويظن أنه يفعل ذلك في سبيل الله! فالمسكين تربى وتنشأ في كنف حركة إسلامية أو جماعة ربته على أن وجوده فيها وعمله من أجلها إنما هو في سبيل الله. وهو كذلك ما لم تتحول الوسيلة إلى غاية. أي ما لم تتحول الحركة أو الحزب أو الجماعة إلى أن تصبح هي الإسلام! فيُطَوَّعُ الإسلام لخدمة التنظيم أو الجماعة أو الحزب!

و تطبيقات تحول الوسيلة إلى غاية تزيد الموضوع وضوحا؛ فمنها: أن أحب شخصا لا أعرفه بكثير فضائل لكنه من جماعتي أو حزبي أو مدرستي الفكرية فأحبه وأقدمه أكثر مما أحب وأقدم مسلما ليس من مدرستي مع أنه فاضل عامل في سبيل الله فيما أراه. ومن أمثلتها أن أقدِّم إلى شَغل مكتب أو منصب معين شخصا لا أقدمه إلا لأنه من حزبي وبغض نظر تام عن أي أهلية فيه للمنصب. أو أقدمه لشغل ذالك المنصب مع أني أعلم بوجود غيره ممن هو أكثر أهلية لكنه ليس من حزبي أو جماعتي. وآخر الأمثلة أن يتمادى أصحاب التنظيم في التعصب للجماعة فيكفروا من ليس معهم فيه كما يقع اليوم من أتباع تنظيم ما يسمى "الدولة".

 

? الإخلاص والتصدر وحب الظهور:

لعل أبرز مصائب المسلمين اليوم هي حرص كل واحد منا على التصدر والظهور. والحرص على المال والتباخل. وهي كلها قبائح نبه لها إسلامنا بمنتهى الصراحة والوضوح. ونحن هنا نذكِّر لعلنا نراجع أنفسنا. ففي صحيح الحديث عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلَا فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا، مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ، لِدِينِهِ". رواه الترمذي وغيره. حتى بلغ من حرصنا على الشرف والتصدر أن فقد أحدنا رؤية الخير إلا في نفسه وعمله.

وبلغ من حرصنا على الشرف والظهور أن صار أحدنا لا يذكر خيرا إلا من منجزات نفسه أو حزبه. ولا يذيع عن الآخرين إلا شرورهم! حتى سقطنا للأسف فيما أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة بالله منه. ففي حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه الحسن لغيرة، قَالَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَعَوَّذُوا {بِاللهِ} مِنْ ثَلَاثٍ الفَوَاقَر: {تَعَوَّذُوا بِاللهِ} مِنْ مُجَاوِرَةِ جَارِ السَوْء. إِنْ رَأَى خَيْرًا دفنه، وَإِنْ رَأَى شَرًّا أَذَاعَهُ. وَ {تَعَوَّذُوا بِاللهِ} مِنْ زَوْجَةِ سَوْءٍ. إِنْ دَخَلْتَ عَلَيْهَا {أَلْسَنَتْكَ}، وَإِنْ غِبْتَ {عَنْهَا} خَانَتْكَ. وَ {تَعَوَّذُوا بِاللهِ} مِنْ إِمَامِ سَوْءٍ. إِنْ أَحْسَنْتَ لَمْ يَقْبَلْ، وَإِنْ أَسَأْتَ لَمْ يَغْفِرْ". رواه البيهقي.

و سقطنا بسبب هذه الشهوة التي يسببها نقص الإخلاص، بالمصائب الثلاث التي لا يخشى رسولنا صلى الله عليه وسلم علينا غيرها! فتحاسدنا وصار كل واحد منا زعيم بغير حق وضيعنا من انطبقت عليه صفات استحقاق الزعامة التي شرحها سيدنا عمر رضي الله عنه كما ستأتي، فابتعد عنا النصر وطال أمد المعارك والدمار. لقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم فيما يرويه الطبراني أنه قال: "لا أخاف على أمتي إلا ثلاث خلال: 1- أن يكثر لهم من المال فيتحاسدون فيقتتلوا! 2- وأن يفتح لهم الكتب {فيأخذه} المؤمن {والفاجر والمنافق}، يبتغي تأويله. [و {ما} يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب]. 3- وأن يروا ذا علمهم فيضيعوه ولا يبالون عليه". قوي رواه الطبراني.

 

? الإخلاص والنصح لمن تحت قيادتنا:

أخيرا ينسى المتصدر شاغل المكتب أو المنصب المسؤولية التي تقع عليه! وينسى أنه إن لم ينصح لمن هم تحت قيادته كما ينصح لنفسه وأهل بيته فلن يشم ريح الجنة! عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أيما امرئ ولي من أمر الناس شيئا، ثم لم يحطهم بما يحوط به نفسه وأهله، لم يرح ريح الجنة". (حسن لغيره رواه الطبراني). فمهما كان المنصب أو المكتب صغيرا أو حقيرا فسينطبق عليه قوله صلى الله عليه وسلم "إِنَّكُمْ سَتَحْرِصُونَ عَلَى الْإِمَارَةِ. وَسَتَكُونُ نَدَامَةً {وَحَسْرَةً} يَوْمَ الْقِيَامَةِ. فَنِعْمَ الْمُرْضِعَةُ، وَبِئْسَتِ الْفَاطِمَةُ" أي فنعمت حياتهم وبئس موتهم! نسأل الله أن ننتبه لهذه العقبة العظمى فلا نسعى ولا نحرص على الزعامة. ونسأل الله أن نكون ناصحين حافظين لمن تحت أيدينا إن ابتلانا الله بها.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين