مستقبل العالم الاسلامي 3 - بشائر قرآنية ونبوية
قدمنا لقرائنا الكرام في ركن( المستقبل للإسلام) حلقتين من بحث الدكتور أحمد علي الإمام عن بشائر مستقبل العالم الإسلامي في وجه التحديات الحضارية المعاصرة ونتابع في هذه الحلقة الثالثة والأخيرة التي يتحدث فيها الدكتور الإمام عن دور التنمية الثقافية في التنمية الاجتماعية والاقتصادية الشاملة، وعن مستقبل ثقافتنا في وجه التحديات المعاصرة والمستقبلية ، ويورد عدداً من البشائر القرآنية والنبوية وإرهاصات المستقبل.
دور التنمية الثقافية في التنمية الاجتماعية والاقتصادية الشاملة:
الحضارة الإسلامية، هي حضارة أمة مُنتجة عاملة.. معتنية بالتنمية، والاعتماد على الذات، مع تفضيل للاستثمار الزراعي، لكونه أكثر بركة، ونفعاً، وأعظم تحقيقاً للأمن الغذائي، وحرية القرار، والاستقلال.. وفي تقدير العمل، وأهمية تداول المال، واستثماره، بلغ فقهاؤنا مبلغاً عظيماً، حتى إن بعضهم قال فيمن ضاع له مال: أن يبذل مثله إن لزم إيجاراً في استخراجه، حتى لا يعطل تداوله بين الناس.. ومن الفقه: قطع الصلاة حفاظاً على روح متقوم.
والتوجيهات النبوية، تحض على العمل والإنتاج، يقول صلى الله عليه وسلم :(إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها، فليغرسها ).
وقد سلكت بلادنا الإسلامية، مذاهب شتى في التنمية، ولكن فشلت كل محاولة في التنمية الاقتصادية، أو الاجتماعية، لكونها معزولة عن أصالة وتراث أمتنا..إذ لا سبيل إلى نهضة أمتنا، وسيادة حضارتنا، إلا بالتماس الهدى من شرع الله.
وما دامت هذه نظرة الحضارة الإسلامية، للتنمية والإنتاج، فإنها إذاً تقوم على أمور، هي:
أولاً :إن الإسلام يعارض جمع الثروات في يد واحدة، أو أيد معدودة، دون الناس، لذلك نادى القرآن بتوزيع الثروات، من الفيء، والغنيمة، والزكاة، والخراج، والعشور، والتركات بين أكبر عدد ممكن من أفراد المجتمع :(كى لا يكون دولة بين الأغنياء ) (الحشر:7).
ثانياً: الأرض لمن يحييها، لمحاربة الإقطاع، الذي كان يأخذ الأرض كلها، نظير ضرائب صغيرة.
ثالثاً: الملكية الحقيقية لله، كما في أكثر من عشرين، آية في القرآن، نذكر منها: قوله تعالى :(وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه ) (الحديد:7).
وقوله تعالى:(وأتوهم من مال الله الذي أتاكم ) (النور:33).
وقوله تعالى:(ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما أتاه الله ) (الطلاق:7).
أما الحضارة الغربية، فإن نظرتها للثروة، والمال، تقوم على الرأسمالية، التي تعطي للمالك الحرية المطلقة، من حيث أنه هو المالك الحقيقي، الذي أوتي على علم عنده، ولا علاقة لله بماله.
أيُّ مستقبل لثقافتنا في وجه التحديات المعاصرة والمستقبلية ؟ المستقبل للإسلام، ليس هو مجرد شعار نتبناه، محوطاً بالأمل والرجاء، إنما هو دين، وعقيدة..نؤمن يقيناً، ونوقن بجزم، أن المستقبل للإسلام، لأن المسلم بحكم إسلاميته، وتدينه، يؤمن بالمستقبل، وأن لكل مشكلة حلاً، ولكل مسألة جواباً، ولكل داء دواءاً، وقد قرر هذه الحقيقة كتابنا المحفوظ، وسنة نبينا المعصوم.
 
1- بشائر قرآنية:
فمن آيات النصر وبشائر المستقبل، في القرآن الكريم، وهي بغير حساب:
(أ) قوله تعالى :(ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عباديَ الصالحون ) (الأنبياء:105)، فوراثة الأرض، مستقبل ينتظر الصالحين من عباد الله، الذين التزموا دينه، وأقاموا شرعته.
(ب) ويتأكد ذلك بظهور الإسلام، وسيادته، وهيمنته على الأديان كلها، مصداق قوله تعالى:(هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولوكره المشركون ) (التوبة:33).
2- بشائر نبوية:
والسنن، جاءت تترى، تثبت هذه الحقيقة، وتقررها، وتنبه عليها:
(أ) روى مسلم وغيره، عن ثوبان، وشداد بن أوس، رضي الله عنهم، مرفوعاً :(إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها، ومغربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها ).
(ب) وروى ابن حبان في صحيحه :(ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر، إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز، أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل به الكفر ).
(ج) وأخرج أحمد، والدارمي، والحاكم، وغيرهم، عن أبيّ رضي الله عنه، قيل :قال:(كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاص، وسئل أي المدينتين تفتح أولاً :القسطنطينية أو رومية ؟ فقال عبد الله: بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب، إذ سئل رسول الله صلى الله علية وسلم: أي المدينتين تفتح أولاً: القسطنطينية أو رومية ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(مدينة هرقل تفتح أولا ً(يعني القسطنطينية).
(د) وفي صحيح مسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :(لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً )، وقد أثبتت الدراسات العلمية الحديثة، أن أرض العرب، كانت مروجاً وأنهاراً، وأن دورة ستمر عليها، لتعود مروجاً وأنهاراً.
3- من إرهاصات المستقبل:
إن كثيراً من الإرهاصات، تنبئ بحقيقة أن المستقبل لحضارة الإسلام، منها:
(أ) القيم الروحية، والأخلاقية، والمعنوية، المميزة لحضارتنا.
(ب) امتلاك الأمة الإسلامية لمصادر الطاقة والحياة، مع كونها وسطاً جغرافياً وتاريخياً، يمثل سكانه خمس سكان العالم، وما يتيحه لها ذلك من إمكانيات.
(ج) اعتماد الأمة الإسلامية، فوق ذلك، على دينها الخاتم، المهيمن على الأديان..الدين القائم على العلم، وسيادة علومه، وحضارته.
 
(د) إفادة الأمة من حكم الآخرين وتجاربهم، وحضارتهم، مع تفريق بين ما هو مقبول، وما هو مردود، وبين ما هو إسلامي، وما هو جاهلي.
 
(هـ) وحدة الأمة، وإحياء روابط الأخوة الإيمانية، والقوة التي تنتج عن ذلك، وقد قال تعالى: (إنما المؤمنون أخوة ) (الحجرات:10)..وجعل النبي الكريم، علامة الإيمان، حب المؤمنين بعضهم بعضاً، وكان يمثلهم المهاجرون والأنصار، فقال صلى الله عليه وسلم:(آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار ).

(و) علاقات العدالة، والإحسان، ورعاية الحرمات، التي هي أوثق للدلالة، من كونها مجرد حقوق للإنسان، تواضع عليها قبيل من الناس.

فمقام الإحسان في الدين، في كل شيء :(إن الله يأمر بالعدل والإحسان ) (النحل :90).. وفي العبادة كلها يكون الإحسان، كما في حديث جبريل عليه السلام، الذي بين فيه الرسول صلى الله عليه وسلم مقام الإحسان، فقال:(أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ).. وفي المسند :(صلي صلاة مودع كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) ، وحتى في العادات والمعاملات كلها، فإن الإحسان، مأمور به المسلم :(إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته ).

(ز) صحوة الأمة، واستشعارها، ودعوتها إلى ضرورة التوجه الكلي نحو الدين، والالتزام به، والحصول على القوة، التي تحفظ كيان الأمة، والعمل على استقلالية الأمة، في كافة مجالات الحياة، مما يعني بدء زوال ظاهرة القابلية للاستخراب (للاستعمار)، التي بقيت ردحاً من الزمان عند المسلمين.
(ج) أن الأمة بتوحدها، بإيمانها، وجهادها بامتلاك القوة، والتقدم العلمي، تبلغ أوج الحضارة، وتنتصر على قوى التخلف في داخلها، وتواجه قوى الطغيان والاستكبار العالمي، لتنتصر عليها إن شاء الله.
الخلاصة:
إن التحديات الحضارية، هي الخطر الحقيقي، الذي يواجهنا نحن المسلمين اليوم، غير أن هذا الخطر كائناً ما بلغ، قد ردنا إلى الإيمان، وأحيا فينا آمال العودة، حتى ولو كان بعضنا أمياً، فيؤتيه الله علما.. والإيمان بالله، هو أصل العلم.
ومهما كان ضعفنا، وتفرقنا، اليوم، فإن الله يعيننا، ويؤلف بيننا، إذا استمسكنا بعروته الوثقى، وعدنا إلى الإيمان العاصم، فنملك بهذا العلم الإيماني، إمكانية أن نهدي العالمين إلى الصراط المستقيم. ثم إننا من أجل إقامة نهضة حضارية، وتفوق ثقافي، وتقدم علمي، لنكون قوة المستقبل، التي تحمي الحق، وتدافع عنه، لابد من عمل دائب، وجهاد في هذا السبيل، وإقامة للدين، بمعانيه الشاملة والكاملة، من أنه اعتقاد، وعمل، وعبادة، وأخلاق، وآداب، وسلوك، ومعاملات، وقوانين مدنية، وجنائية.. أو شعائر وشرائع، وأسلمة لشؤون الحياة كلها، في الفرد، والمجتمع، والدولة. من كتاب (الأمة)العدد (46).

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين