مستقبلنا في ضوء التجربة المرة

ما لي أرى النهار يتطابق مع الليل، واليوم مع الأمس، والعام الحالي مع المنصرم حتى أصبح الشباب المسلم اليوم يجد نفسه في واقع سياسي مزري، واقتصادي مفلس، واجتماعي فاسد، وأخلاقي منحل وكل ذلك لما عم البلاء، وقل الرجاء، وكثرت الاضطرابات، وتفلتت الحكمة، وساد الإمعة، وتسلط الرويبضة، وكثر الدجالون، وتصدر المتفيهقون، واتسعت دائرة الأنا، وظهر الغزو الفكري، والتمزق، والتفكك، وضاعت الهوية، وانهارت المؤسسات، ووصلنا لحالة عجز عن الخروج من حالة التيه التي يتردى فيها الكثيرون، وكأننا نسينا قول الله سبحانه وتعالى: « كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ ».

ولعل الجميع متفقون على أن التغيير أمر لا بد منه، بعد أن ذاقت الأمة الأمرين من الطغيان والاستبداد والحصار والتهجير والقمع والحروب والثقافة المستوردة وكبت أنفاس الشعوب، وكهنة خضعوا للحكام وأصبحوا يُفَصِلُونَ الفتاوى على مقاسهم، وتكالب الأعداء، بالاضافة إلى أزمات في السلوك والفاعلية وغياب الوعي، والإخضاع للتجارب الأجنبية، ومحاولة تطبيقها قسرا على مدى أكثر من قرن من الزمن، منذ بدأت الأمة تشعر أن ثمة مشكلة تواجهها عقب لقائها في كثير من حواضرها بالحضارة الغربية.

ولقد وجدنا العديد من دولنا قلدت خلال هذه الفترة الطويلة من الزمن تجارب الآخرين في السياسة والحكم والإدارة، والثقافة والآداب والاجتماع، والعلوم وغيرها، لكنها لم تصل إلى ما أملت وتمنت، ووجدت نفسها في أحسن الأحوال كالذي يدور في مكانه ولم يستطع الخروج من المربع الأول، هذا إن لم تتسع الفجوة حقيقة بينه وبين الآخر، ومع ذلك فإن البعض لم يستطع حتى الآن أن يحدد المنطلق الصحيح في عملية التغيير.

يقول ابن خلدون: "المغلوب مفتون بتقليد الغالب" انتهى الاقتباس.

ولقد بدا لنا من خلال التأمل الطويل في الأمر وتقليب وجوه النظر، ومراجعة التجارب السابقة التي بذلتها الأمة للخروج من أزمتها، وتقويم هذه التجارب تقويماً دقيقاً موضوعيا، أن دواء الخلاص الناجع في عملية التغيير يجب أن يبدأ بـ "الفكر "، وذلك لأنه المقدمة المنطقية والصحيحة لتحقيق النهضة، وهو طريق خلاص الأمة من التبعية والتأخر والتخلف عن سائر الأمم، وهو الحل لتجاوز أزماتها الخانقة التي يمكن إجمالها بنقاط رئيسة وهي:

1) أزمة قيادة

2) تشرذم

3) فقر

4) جهل

5) فساد

والإسلام هو الذي يشكل للأمة الفكر الأساسي الصحيح، ويمثل روحها، ويصوغ وجدانها وضميرها، ويوقد الطاقة المحركة القادرة على الإبداع والتصدي والمقاومة والعطاء.

ومن هنا يمكن أن نقول إن عملية التغيير المطلوبة هي عملية فكرية، ولا بد أن تقوم على أساس الإسلام، وتعمل من خلال عقائده وقيمه وضوابطه وأخلاقياته وتوجيهاته.

وهذه دعوة لإعادة تشكيل العقل المسلم لإنتاج هذه المادة السحرية المفقودة في معالجة الكثير من قضايانا المعاصرة وأزماتنا المؤرقة، ولعلنا نحصل عليها يوماً ما لتنجح التجربة من جديد؟

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين