مسألة تترس قوات النظام وتحصنها داخل المساجد

نص الاستشارة :

إذا تحصن وتترس الأعداء من قوات النظام الأسدية داخل مسجد فهل يجوز للمجاهدين من الثوار تفجير المسجد ونسفه للقضاء عليهم؟

الاجابة

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله ومَنْ والاه، وبعد:

فإن من دلائل الإيمان وعلاماته : محبةَ بيوت الله وارتيادَها والغيرةَ عليها، وما من مسلم يعتز بدينه ويتمسك بمبادئه يرضى بأن ينال أحد من بيوت الله تعالى، قال تعالى: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }.

 ولكن الواقعة التي أمامنا تستدعي منا تغليب أمر على أمر، وتقديم مصلحة على أخرى، فعندما يتحصَّن العدو في المسجد ويتَّخذه منطلقاً لعمليات القتل والتدمير والإفساد، وتحقق  من ذلك ضرر بالغ  بالمسلمين  ولم تكن هناك  أي وسيلة أخرى  لدفع ضررهم الشديد إلا بالهجوم عليهم  بما لا يضر المسجد ولا يصيبه قدر المستطاع،  فيكون ذلك  جائزا  إن شاء الله.

 فإن كان الضرر المترتِّب على بقاء الجنود والشبيحة في المسجد بقتل الناس وإيذائهم، أو تدمير ممتلكاتهم بالغًا، ولم يستطع المجاهدون دفعهم إلا بإصابة المسجد أو هدمه: فيكون في عدم مقاتلتهم مفسدة أعظم من مفسدة إصابة المسجد، ويجوز في تلك الحالة مهاجمتهم بما تقتضيه الضرورة من إصابة المسجد أو نسفِه بمن فيه، دفعًا للضرر الأشد بارتكاب أخف الضررين كما هو مقرر عند أهل العلم.

وحرمة دم المسلم أعظم عند الله تعالى من حرمة المسجد، فهذا عبد الله بن عمرو رضي الله عنه يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول:« ما أطيبك وما أطيب ريحك، ما أعظمك وما أعظم حرمتك، والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن عند الله أعظم من حرمتك، ماله ودمه». [ابن ماجه والحديث صحيح لغيره]، وفي حديث مسلم والنسائي والترمذي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:« لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم».

 ولأن حكم المسجد الذي صار وكرا للقتلة المجرمين أصبح كحكم مسجد الضرار الذي اتخذه المنافقون مركزاً لمؤامراتهم، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإحراقه.

 كما أن الفقهاء اتفقوا على أنه يجوز رمي الكفار إذا تترسوا بالمسلمين وأساراهم أثناء القتال، إذا دعت الضرورة إلى ذلك، وتأكد الخطر على جماعة المسلمين، وكانت مفسدة الكف عن قتالهم ورميهم أكبر، فعند ذلك يرمون على أن يُقصد بالرمي إصابة الكفار.

ومما يدل على جواز قتالهم : أن الله سبحانه أجاز مقاتلة العدو في المسجد الحرام إذا بدأ بالقتال، فقال تعالى: { وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ} (البقرة: 191). وإذا جاز قتال المقاتلين في المسجد الحرام  وهو أفضل المساجد على الإطلاق ، فجواز قتال المفسدين المجرمين في غيره من بيوت الله تعالى أولى. والله تعالى أعلم .

والخلاصة : لا يلجأ إلى تدمير المسجد إلا بعد تحقق الضرر البالغ الشديد من وجود جنود النظام وشبيحته المجرمين ، واستنفاد الوسائل الكثيرة من حصارهم ودعوتهم لتسليم أنفسهم ، ودفع ضررهم الشديد بما لا يضر المسجد ولا يصيبه قدر المستطاع، وأما إذا لم يستطع المجاهدون دفعهم إلا بإصابة المسجد أو هدمه: فيجوز مهاجمتهم بما تقتضيه الضرورة من إصابة المسجد أو نسفِه بمن فيه، دفعًا للضرر الأشد بارتكاب أخف الضررين ، ولا نرى فعل ذلك إلا عند الضرورة القصوى ، والضرورات تقدر بقدرها كما هو معلوم .

نسأله تعالى أن يكفَّ شر هؤلاء المجرمين، وأن يعجل بالنصر والفتح المبين، والحمد لله رب العالمين.

 

لجنة الفتوى

رابطة العلماء السوريين

 


التعليقات