مزالق الاستشهاد والاسترشاد ببعض قصص الصّالحين




يتفنّن بعض المرشدين والمصلحين والدّعاة المعاصرين، وفي إرشادهم ودعوتهم الخير الكثير لا ينكره إلّا الغافلون، ينقلون ويتفنّنون، عن حسن قصد وعلى خيريّة نواياهم، بسرد حلو النّقول وغريب القصص عن بعض الصّالحين والعبّاد والزّهاد ما أرادوا به أن يصبّ ويُؤيّد معنىً ومراداً أعجبهم بيانه وأحبّوا نقله وتوصيله، دون التّأكّد والتحقّق من مدى توافقه مع مقاصد الشّريعة وكلّيّات الدّين وفقه المصالح والمفاسد المترتّبة عليه اعتباراً للواقع المحيط به، ما يجعله عمل فيه من المجازفة ما فيه، علماً أنّ المجازفة بالمشي على حبلٍ بين جبلين شاهقين أهون من المجازفة بأمر من أمور الدّين عن غير علم وفهم ودراية..

والأمر في هذا الخصوص يصبح خطره كبيراً ومفاعيل ضرره مركّبة عندما يتعلّق بالتّرهيب في غير محلّه، أوالغلوّ والتشدّد على سبيل "الحيطة والسّلامة"، أو التّفتيش بأيّ ثمن على قول شاذّ أو حديث ضعيف لترجيح المراد وتقوية الحجّة، دون الإلتفات إلى المفاسد والأضرار الّتي قد يترتّب عليها هذا المعنى ودلالاته ولو عن غير قصدٍ لصاحبه أو قائله...

ثمّ إنّ بعض الأقوال والأفعال لبعض "الزّهّاد" والصّالحين قد يكون صالحاً وعظيماً لخصوصيّةٍ تعلّقت به، وارتبطت به حاله زماناً أو مكاناً أو الاثنان معاً، ما لا يوجب، بل لا يصلح "نسخه" في إطار مغاير آخر تبدّل مع تغيّر واختلاف ظروف الزّمان والمكان، خاصّةً مع تعقيد مكوّنات الحضارة البشريّة وتسارع متغيّراتها وتكاثر مستجدّاتها بشكل غير مسبوق خلال القرنين المتأخّرين، ومع ما لازم ذلك من تخلّف وجهل وغربة الأمّة عن دينها، ما يستوجب الحذر الشّديد لموضع القدم في حقلٍ مزروع بالألغام والفِخاخ...

والمشكلة أنّ بعض "المريدين"(وأتحفظ على هذه الكلمة) وطلّاب العلم "يبصمون" على لطائف القصص وغريبها، ويستشهدون بها يُمنةً ويسرة حتّى ليحسبها بعضهم من صفوة الصّحاح أو من روائع السّيَر الّتي تقارب بأصحابها من عبادة الملائكة الأطهار، فيغبطهم العامّة دون الأمل في قدرة الوصول إلى مستوياتهم السّامية هذه يوماً ما...

وأذكر في هذا المقام كم كان حرص نبيّنا الحبيب صلّى الله عليه وسلّم على تبيان واقعيّة هذا الدّين وصلاحيّته للبشر، كلّ البشر وفي كافّة الأمكنة والأزمنة، بل وحرصه الشّديد على تبيان سماحة الشّريعة وسهولة تطبيقاتها ويُسر مفاعيلها على حياتهم وحاجاتهم، إن هم فتحوا لها قلوبهم وأعملوا فيها عقولهم...

فافتحوا أيّها الدّعاة والمصلحين أبواب الأمل للبشريّة قاطبةً بحسن العرض وسلاسة الأسلوب ورحمة البيان، لكن على بيّنة من الأمر وفهم له و فقه لمقاصده وكلّيّاته، وابدؤوا ثمّ انتهوا بكتاب الله جلّ جلاله وصحيح سنّة نبيّه المصطفى صلّى الله عليه وسلّم أوّلاً وأخيراً، ولا بأس بعدها من الإستشهاد عطفاً وتأييداً وتلطيفاً من واقع تاريخنا المجيد على بعض قصص الصّالحين الّتي لا تحيد عن نور الهداية وجوهرها ولا تُزايد عليه...

والحمد لله

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين