مراهق وبداية علاقات!

نص الاستشارة :

 

أنا أعمل محفظاً للقرآن الكريم، هناك أحد الأولاد كنت أقوم بتحفيظه، وكانت تربطني به وبأسرته علاقة طيبة جدًا، ولكن لم أعد أقوم بتحفيظه الآن، هذا الولد الآن في الصف الأول الثانوي، ومنذ فترة قريبة اتصلت بي والدته وقالت إن لديها مشكلة مع الولد، حيث أخبرها بأنه معجب بإحدى الفتيات، ولم يقفا عند حد الإعجاب، بل ويتبادلان الاتصال؛ فطلبت منه والدته ترك هذا الموضوع ولكنه رفض بشدة، فطلبت مني أن أتدخل لحل هذه المشكلة، ولكن بدون أن يعرف الولد أنها أخبرتني بهذه المشكلة.. فسؤالي عن كيفية التعامل مع هذه المشكلة ودوري في حلها، وكذلك دور الأم.. أرشدونا جزاكم الله خيرًا

الاجابة

أحمد الله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  عبده ونبيه ورسوله... وبعد:

أيها الأخ السائل الكريم: 

أسأل الله تعالى لك الهداية والتوفيق، وأن يجعلك شابا صالحا ناشئا في طاعته إنه ولي ذلك ومولاه.

إنك سألت عن عظيم، وأسأل الله تعالى أن يعينك على هذه المهمة في ظل هذه الأخطار الفتاكة التي تعصف بشبابنا وفتياننا وفتياتنا تريد أن تدمرهم وتفتك بهم.

فالمؤامرة الكبرى التي تدار على الأمة الإسلامية يحظى شبابنا فيها بالنصيب الأكبر والحظ الأوفر، فاستعن بربك أخي الكريم واحترس بأقوى الأسلحة، فإنك تواجه في معركة ضارية، وتحارب في جبهات متعددة، فالشيطان بوساوسه والمجتمع بانحلاله، ووسائل الإعلام والتكنولوجيا الحديثة بفتكها وسمومها، والنفس بنزواتها، والشهوة في أشد وهجها.

كل هؤلاء من تواجه في هذه الموقعة، فاستعن بالله وأخلص نيتك، واعلم أنك منصور كما قال الله تبارك وتعالى: "إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ" [آل عمران:160].

أخي الكريم:

تعلم أن هذا الفتى في الخامسة عشرة من عمره تقريبا، يعني أنه -كما يقول أصحاب الأبحاث النفسية والتربيون، في سن المراهقة، وكلمة المراهقة فيها دلالة على طبيعة هذه المرحلة التي يعيشها هذا الولد، وأنها مرحلة معاناة ومشقة ومغالبة ومصارعة مع كثير من الأشياء في هذه المرحلة العصيبة.

وقد كنت حقيقة أتحفظ كثيرا على هذه الأشياء، ولكن الواقع أرغمني على الاستسلام إليها والالتفات إلى ضرورة وقاية أبنائنا وحمايتهم في هذه المرحلة العصيبة جدا.

والمؤسف أن الإسلام قد عالج هذه الأمور بيسر وسهولة، غير أن المجتمع نظرا للانحلال الذي استشرى فيه عن طريق وسائل الإعلام والهواتف النقالة وشبكة الإنترنت والاختلاط في المدارس والمؤسسات التعليمية وأصدقاء السوء، كل هذا لم يعد يتعاطى مع علاج الإسلام لهذه المشكلات، مما جعلها تتضخم وتتفاقم وتكبر، حتى إن بعض من يتصدون لمثل هذه المشكلة لا يرون لها علاجًا.

ولكن العلاج موجود بإذن الله تعالى لاسيما أن هذا الفتى يبدو أنه نشأ نشأة طيبة، فقد حرص أهله على أن يحفظوه القرآن الكريم، وأن يأتوا برجل كريم مثلك يعلمه ويؤدبه ويربيه، وهذا مسلك حسن، وأيضا هذا الفتى لم ينكر علاقته بهذه الفتاة، وإنما أخبر أمه بها، وأنا أتعجب من هذا، ولعل هذا هو التوجه الحالي لأفلام ومسلسلات العاطفة وإثارة الغريزة.

لم أجب على سؤالك حتى الآن: ماذا تفعل، وكيف المخرج من هذه المشكلة؟ أقول لك:

أولاً: لا بد من استيعاب هذا الفتى في أجواء إيمانية بحتة، فلا بد من الآخذ به إلى المسجد ولا أقول هذا ليكون اصطحابه إلى المسجد مجرد شكل أو مظهر، وإنما اصحب هذا الفتى إلى المسجد صحبة حقيقة هادفة؛ ليكون بينه وبين بيت الله علاقة حميمة، فيتعلق قلبه بالمسجد وحينها ستنحل كثير من العقد التي تواجهنا.

ثانيـاً: القرآن الكريم: فإن كثيرًا من الأسر الذين يهتمون بتحفيظ أولادهم القرآن الكريم يوقفون هذا الأمر إذا ما انشغل أبناؤهم بالدراسة وزادت أعباء التعليم لديهم، وحجتهم أن الأطفال لا يوجد وقت لديهم ليحفظوا فيه القرآن، وبالتالي تنقطع علاقة الأولاد بالمصحف وبكتاب الله بشكل كبير.

فالمراد الآن إقامة هذه العلاقة من جديد بين هذا الولد والقرآن الكريم، ولا أريد أن تكون علاقة روتينية وإنما أريد كما أقول لك علاقة موجهة ومهدفة لا يكون هدفها الأول الحفظ وإن كان شيئًا جميلاً بقدر ما ينبغي أن يكون هدفها التعايش مع القرآن وتذوق لذة الآيات وتفهم بعض المعاني التي تأتي على مواطن هذه الشهوات فتحرقها.

ثالثـاً: ينبغي أن يبنى حول هذا الشاب سياج من الصحبة الصالحة وليس شرط أن نبحث عن مجموعة في سنه لتكون صحبة صالحة له، بل يمكن أن تكون أنت صاحبا، وأن تكون أمه صاحبته، وأن يكون إمام المسجد صاحب، وأن يكون الشاب الذي يصلي في مسجده صاحبا، فلا بد أن يتكاتف الجميع لاستنقاذ هذا الفتى.

رابعـاً: لا تنسَ القناعات حول هذه القضية حول هذا الموضوع، فلا بد من حوار لبق ذكي يستخرج كل ما في أعماق هذا الولد، وكل ما يدور في ذهنه ومناقشة كل هذه الأفكار بهدوء، وطرح هذه المشكلة على مائدة الشرع، وأن تتوصل معه إلى ارتضاء حكم الشرع في هذه المسألة، وأن تربي فيه تقديم مرضاة الله على هواه، وتقديم الحلال على الحرام، وأن يكون الله عز وجل وحكمه أولا.

أخي الكريم:

صدقني إذا نجحت أنت وأم هذا الفتى في توفير هذا المناخ، وإيقاظ الإيمان في قلب هذا الفتى، وإيصاله بالله عز وجل ستحل هذه المشكلة بكل سهولة.

وهناك تحذير أخير أريد أن أحذر منه وأنتم تتعاملون مع هذه المشكلة، وهو ألا نتعامل مع هذا الفتى على أنه مذنب ومجرم وصاحب مشكلة ومريض لا، فكما قلت لك إن السواد الأعظم من الشباب في هذه المرحلة يعانون من هذه المشكلات، بل الرفق واللين والاستيعاب ثم الاستيعاب ثم الاستيعاب.

وأخيـراً: أرشدك إلى مجموعة من الكتب النافعة في هذا الأمر: 

1- كتاب تربية الأولاد في الإسلام     للدكتور/ عبد الله ناصح علوان.

2- كتاب مراهقة بلا أزمة     للدكتور/ أكرم رضا.

وأسأل الله عز وجل أن يعينكم على أداء هذه المهمة الشاقة، وأن يهدي هذا الفتى، وأن يجعله صالحًا نافعًا لنفسه ولأمته.

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وصحبه ومن والاه. والحمد لله رب العالمين.


التعليقات