مراقي الصعود

اشتهر إبراهيم بن أدهم ببلدٍ، فقيل: هو في البستان الفلاني، فدخل الناس يطوفون ويقولون: أين إبراهيم بن أدهم؟ فجعل يطوف معهم ويقول: أين إبراهيم بن أدهم؟!

التقطَ عبد القادر الكيلاني سِرَّ صنيع إبراهيم، فراح يُقَرِّرُ سُبُلَ الوصول، ومراقي الصعود، قائلًا لك:

" كُن مع الْحَقِّ بلا خَلق، ومع الْخَلْق بلا نَفْس "

1- مع الحق بلا خَلْق:

إذا أوى المرء لِخَلْوَتِهِ مع ربه، رفع ذكرَ الناس من قلبه، فَلَمْ يخطروا له ببال، واشتغل بعبادة ذي الإكرام والجلال، أما إن كان الجسد في محراب خلوته، والعقل في الناس يفكر ويقدر، ويخطط وينظر، ويقدم ويؤخر، فهذا طريقه طويل، وإن كان مَنْ مشى فيه يصل، ولك في خبر سفيان عبرة..

قال سفيان ابن عيينة: أصابتني ذات يوم رِقَّةٌ، فبكيت، فقلت في نفسي: لو كان بعض أصحابنا لَرَقَّ معي، ثم غَفَوْتُ فأتاني آتٍ في منامي، فرفسني، وقال: يا سفيانُ خُذْ أجرك ممن أحببت أن يراك! [ابن الجوزي / صفة الصفوة (2/233)].

2- مع الخَلْق بلا نَفْس:

وَسَمَ جماعة من العلماء الإمام النووي بلقب " محيي الدين " فلما بلغ النوويَّ ذلك اللقبُ اشتاط غضبًا، وتوعد من يناديه بلسان المعتبة، وأنه ليس في حِلٍّ؛ إلا أن الله علم صدقه، فأكرمه الله باللقب حقيقة، وسار علمًا في ديوان الفقهاء، بل أضحى محققَ المذهب الشافعي، وطلبةُ الفقهِ يدركون قَدْرَ هذا الإمام جيدًا.

وقد زين النووي بدعائمِ علمه باذخةَ الذُّرى، وزوافرِ فقهه سنية المرتقى، رسالة جامعة مفادها:

" كُن جِذْعًا في شجرة، وأساسًا في بناء "!

فلا عُلُوَّ للشجر إلا بالجذع، ولا رفعة للبنيان إلا بالأساس، والقاسم المشترك: أن الناس لا ترى الجذع ولا الأساس، وإن كان قوام الأمر عليهما، وعند الرياح العاتية يدرك الناس عظيم أثرهما.

فمن سار على درب السريرة مرشح قوي لأن يكون صمام أمان لدعوته ودينه وأهله؛ ذلك أنه جذعٌ متين، وأساسٌ مكين، والضريبة والثمن: مع الخلق بلا نفس!

3- اكتمْ حسناتك كما تكتم سيئاتك:

وهذه أمارة صادقة، وميزان لا يكذب، وكي تشعر بحقيقة هذا الشرط لتصل، تعال لأستمع أنا وأنت إلى قدوة القدوات، الصحابيِّ الجليل بُريدةَ رضي الله عنه لما قال: " وكنت فيمن صعد الثلمة في المعركة، فقاتلتُ حتى رُئِيَ مكاني، وعليَّ ثوبٌ أحمرُ، فما أعلم أني ركبت في الإسلام ذنبًا أعظمَ عليَّ منه - أي الشهرة –! [الذهبي / سير أعلام النبلاء (2/470)].

رحم الله بريدة.. إذا ذكر هؤلاء افْتُضِحنَا، فقد عَدَّ صَحَابِيُّنَا فَوَاحَ تَأَلُّقِهِ الجهادي من أعظم الذنوب، أما من سَرْبَلَهُ الشيطان، وربض على صدره؛ فقد يظنه أعظم الجهاد، وعند تسليم الأجور يتضح الفرق! فاكتم أُخَيَّ الحسناتِ كما تستر السيئات.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين