مراسيل رد الاعتبار

اعرف عنك كثيرا أيها المظلوم حينما تحترق في صمت و لا أحد يشعر بك..أفهم عنك لغة الدفاع عن نفسك من غير شهود و لا محام..تنحني كثيرا لعواصف البكاء لأنك تريد أن تبكي حينما تتذكر من آلمك..أفهمك جيدا و أعي أكثر حجم الأسى الذي آنت فيه..

اعرف انك انقطعت و انعزلت عمن ظلموك..فررت بدينك و بضميرك و بأخلاقك..لم تكن تبغي الجدال و لا الخصام ، فضلت التنازل عن كل شيء بما في ذلك حقوقك التي هي ملكك و كان منك أن راسلت العديد من المرات أهل المكارم فنقلت لهم ما تحس به علهم ينصفوك أو يصلحوا بينك و بين من خاصموك..لكن للأسف فضلوا أن يتابعوا أخبارك من بعيد..لأنك كنت في ضعفك أقوى و كنت في وحدتك صنديدا ، أذهلتهم بصبرك و صمودك..فنقلوا أحاديثا كثيرة عنك في أنك لم تنكسر بعد..ترجمت لهم انك في معيتك مع الله لا تبغي أحدا..

و بدوري أنا أحسست انك في رهان و أن في قلبك الكثير من الأوجاع و في بريق عينيك لمعان الألم..فهمت أنك في صبر و لا تريد الجدال مرة أخرى..فأيقنت انك من الأمثل فالأمثل..

نفذ مالك مرات و مرات و لم تكن تمد يدك لأحد ، لأنك توكلت على الله في رزقك و تبغي العفاف و كف الحاجة لدى الناس ، هكذا هو قرارك  حينما ظلموك..

عانيت ويلات الوحدة و الغربة و لم تطلب سندا من أحد ، لأنك اكتفيت بسند الله ، و لكني في تساؤل لك من أنك بشر و لك لقطات الانهزام حينما يطول الابتلاء..فكان منك الاستماتة حتى لا تشعر بالرغبة في العودة إلى الوراء و هو اخطر قرار ظننتك ستتخذه في لحظة يأس..

كتبت الكثير من الخواطر من عمق ما عانيته من مرار..فكانت خواطرك تبعث في نفسي تقليدا لفنك و إبداعك حينما تعبر عن مكنونات صدرك بالكتابة، فرحت أقرأ أشعارك المنظمة سطرا سطرا  و لو أني فضلت القراءة فيما بين السطور ، فوجدت انك في عذاب

فأبديت منك قولك انك تريد ردا اعتبار لمصيرك و لخروقات حرمة جسدك و فكرك و حريتك بل و راحتك النفسية ، لم أجد لك مخرجا او حلا ، بل انتظرت منك الإجابة لأني أخشى أن اخطىء في إيجاد الحل المناسب و المواسي لآلامك..و فعلا كان ما كان منك أن أخبرتني أنك تتألق في تدرج و بانفراج لقضاياك العالقة رويدا رويدا، أحسست بالاطمئنان عليك و أنت تخبرني  بذلك و لو أني خشيت أن لا تعوضك نسمات النجاح عن تضحياتك ، لأني لم أنس انك تنازلت عن كل شيء في سبيل أن تشتري راحتك و سلامتك ،لذلك خشيت من هذا الجواب أن لا يطفئ نار الألم بداخلك ، فلقد تكلمت لي فيما مضى عن لحظات الليل المظلم حينما يجن عليك و لا تجد من يسمع صوتك الدافئ في انك مظلوم..و يا ما رددت لي أن في خلوتك لم تجد من يمسح دمعتك ، لذلك ساورني الشك كثيرا في انك سترضى بالقليل لتنسى الكثير من أوجاع الماضي..

أعرف جيدا أنك حر و ستبقى حر إلى أن تشعر من انك حر:

أوجع من وخزة السنان            لذي الحجا وخزة اللسان

فاسترزق الله و استعنه             فانه خيــــــر مستعان

و إن نبا منزل بحــــــر            فمن مكان إلى مكان

لا يثبت الحر في مكان            ينسب فيه الهــــــــوان

الحر حر و إن تعدت         عليه يوما يد الزمان

 

و لذلك فهمت جيدا لماذا فارقت الأحباب و ابتعدت عن الأصحاب ، لأنك حر و تريد أن تكون حرا من غير قيود آو أغلال قدت لك من حسد و غيرة و طيش الهوى الفعال  لمفرقات الجماعة..هنا أطرقت رأسي مطولا لأن  الحزن سكن بداخلي اللحظة ..شعرت أن الانتقام قريب من قرارك ، لكني ألغيت هذا الشعور حينما أخبرتني انك تترفع كثيرا عن كل المساوئ و لكنك لست تترفع عن رد الاعتبار لنفسك ، لأنه هذا الرد هو فخرك ، هو دليلك في انك لم تظلم ، و هو كذلك نتيجة صبرك و احتسابك ، لذلك فضلت أن أقوم بدور نيابة عنك و هو أن أرسل مراسيل رد الاعتبار في ذات الصباح لأخبرهم أنك بخير و في تألق  فقط تنتظر يوم الحسم الفاصل لتبدو أكثر جمالا و روعة حينما تمسك بفرصة النجاح بيديك، فهو باختصار انجازك و تستحق ذلك..لذلك اترك لي الدور في أن يعود المراسيل بأحلى الأخبار في أن ظلامك يتطلعون ليوم تكون فيه متواضعا ليطلبوا الاعتذار منك..

هنيئا لك أيها المكافح الصبور..و شكرا لمراسيل رد الاعتبار ، من جاؤوا بالبشرى لك..فهم جماعة من أهل الخير نقلوا سيرتك الطيبة وقت الابتلاء ، فكنت قدوة لمن لم يجد القدوة المثالية ، حتى أنا تعلمت منك الكثير و اكتفيت أن أهديك هذا المقال و أتمنى أن يلبي رغبة رد الاعتبار لديك بالتي هي أحسن و لو أن الله سينصرك لا محالة ..." و كان حقا علينا نصر المؤمنين" سورة الروم الآية 47.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين