مختصر تفسير ابن عاشور (6)

وقوف القران

الوقف: قطع الصوت عن الكلمة قدر النفس، وفائدته تكثير وجوه المعاني كالقراءات مثل (وأكواب كانت قواريرا قوارير من فضة) فالوقف على قوارير الأولى يفيد أن الثانية تأكيد لرفع توهم المجاز، وإذا وقف على الثانية كانت للترتيب والتصنيف كقولك: قرأت الكتاب بابا بابا.

وقد يكون الوقف أصلا للمعنى كقوله (وكأين من نبي قُتل معه ربيون كثير) فإذا وقف على (قتل) كان معناه أن كثيرا من الأنبياء وأتباعهم قتلهم أقوامهم، فما وهن لأجل قتلهم من بقي من أتباعهم، وقوله (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به) فالوقف على اسم الجلالة يفيد عدم علم الراسخين بالمتشابه.

ولا يوجد في القران موضع يجب أو يمتنع الوقف عليه كما قال ابن الجزري، وبحسب المعنى فالوقف ينقسم إلى أكيد حسن ودونه، وعن بعض العلماء أن الوقف عند تمام المعنى، ويكون السكت وهو قطع الصوت أقل دون قطعه في الوقف، قبل تمام المعنى كقوله (أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها) فالسكت على (أم السماء) ولو وصل فلا حرج لأن معادل همزة الاستفهام لا يكون إلا مفرداً.

وقد اعتنى الصحابة بالوقوف كما نقله النحاس عن ابن عمر، وعن علي أن الترتيل (تجويد الحروف ومعرفة الوقوف) وإنما اشتدت الحاجة إليه بعدهم لضبط معاني الآي لكثرة الداخلين في الإسلام من عوام العرب والأمم فصنف فيه ابن الأنباري والنحاس والنكزاوي والهَبطي وغيرهم.

سور القران

السورة: واحدة السِّوَر بفتح الواو، وعن كُراع بسكونـها، واشتقاقها إما من السُور وهو الجدار المحيط لإحاطتها بالمعنى، أو من السؤر وهو بقية الشيء لأنـها قطعة من القران، ثم خففت الهمزة على لغة قريش ومن جاورها فصارت واواً، وأقلها ثلاث آيات لقول عمر في آخر آيتين من التوبة: (لو كانت ثلاث آيات لجعلتها سورة).

وتسوير القران بـهذا الترتيب توقيفي قاله الداني، وحكى الباقلاني أنه اجتهاد الصحابة وهو قول مالك والجمهور لحديث مسلم أنه عليه الصلاة والسلام صلى بحذيفة بالبقرة والنساء وآل عمران، ونقح المصنف أن منه مرتب ومنه ما لم يكن مرتبا من أواخر السور وأنـهم توخوا فيه ترتيب قراءة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحفاظ الصحابة، وحكى الأصفهاني الاتفاق على تواتر القران في أصله وأجزائه، وأما في ترتيبه ووضعه فالجمهور على تواتره، ونقل ابن بطال عدم الخلاف في استحباب الترتيب في القراءة، وما روي عن السلف من كراهة تنكيس القران فمحمول على الكراهة أو في السورة.

وفائدة التسوير أنه أحسن ترتيبا وأنشط للقارئ وأقرب لتعقل المعنى قاله الزمخشري، وهو مائة وأربع عشرة سورة بأسمائها خلافا لابن مسعود في ترك عد المعوذتين، وعده القنوت سورة أسماها الخلع والخنع، وجعله الفيل وقريش سورة، وهو اجتهاد منه حسب فهمه، وجزم مكي وغيره أن ترتيب الآي في السور توقيفي لما في (السنن) عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا نزلت آية يقول: (ضعوها في سورة كذا) ويدل عليه معاني الآيات فقوله (وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك) في النحل إشارة إلى ما تقدم في الأنعام (وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر) وكذا نـهايات السور توقيفي كما في حديث خواتيم آل عمران وحديث الآيتين من آخر البقرة وآخر آيتين من براءة.

وقد جمع القران في مصحف زمان أبي بكر ثم نسخ زمان عثمان، وعن زيد في رواية أنه جمعه في الرقاع مفرقا زمن أبي بكر ثم جمعه في مصحف واحد زمن عمر والأول أصح، وأول من جمع القران في مصحف سالم مولى أبي حذيفة ثم جمعه حفظا في العهد النبوي زيد ومعاذ وأبو زيد وأبي وأبو الدرداء ومجمع بن جارية وغيرهم عدا من كان يحفظ أكثره، وكانت مصاحف الصحابة مختلفة الترتيب فمنها على حسب النزول كمصحف علي، ومنها على حسب الطول كابن مسعود وأبي، وعند الترمذي أن ابن عباس سأل عثمان عن سبب تقديم الأنفال على التوبة مع كونـها أطول وعدم الفصل بينهما بالبسملة؟ فذكر له أن الأنفال نزلت قبل التوبة، وأن موضوعهما متشابـهان فقُبض النبي عليه الصلاة والسلام ولم يبين أنـها منها، فمن أجل ذلك قرن بينهما ولم يكتب بينهما البسملة ووضعهما في السبع الطوال، وهو صريح في أن الفصل بالبسملة علامة انتهاء السورة وأنـهم إنما فعلوا ذلك اجتهاداً لعدم التوقيف.

وأسماء السور توقيفي لتمييزها وتيسير المراجعة بأشهر ما يذكر فيها من وصف كسورة الحمد أو بالإضافة لما اختصت به كيوسف ولقمان أو لكلمة كبراءة وقد تسمى السورة باسمين وقد تسمى السورتين باسم كالمقشقشتين لسورتي الكافرون والإخلاص، وكان يقال السورة التي يذكر فيها البقرة ثم حذفوا الموصول وعوضوه بالإضافة ثم حذفوا الإضافة تخفيفا، وقد روي عن ابن عمر كراهة قول سورة كذا، وإنما يقول السورة التي يذكر فيها كذا، وكان الحجاج يضرب عليه وفيه حديث مرفوع أنكره أحمد وصححه ابن حجر، وهو منسوخ لأنه كان بمكة حيث كان المشركون يهزؤون بـهم إذا قالوا سورة الفيل والعنكبوت ونزل قوله (إنا كفيناك المستهزئين) ومن ثم اختار البخاري الجواز في (صحيحه) وعليه جرى العمل، وعن مالك أن شعارهم يوم حنين كان: يا أصحاب سورة البقرة.

وقد يسمي الصحابة في مصاحفهم السورة باسم كما سمى أُبيُّ البينةَ بأهل الكتاب، وسمى ابن مسعود القنوت بسوة الخلع والخنع، لكنهم لم يثبتوا أسماء السور في المصحف كراهة أن يكتبوا في المصحف ما ليس بقران، ثم أثبتها التابعون بخط مميز قاله الباقلاني.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين