مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن110

(وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوۡ نَصَٰرَىٰ تَهۡتَدُواْۗ قُلۡ بَلۡ مِلَّةَ إِبۡرَٰهِ‍ۧمَ حَنِيفٗاۖ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ١٣٥ )[البقرة: 135]

السؤال الأول:

قوله تعالى في الآية: (قُلۡ بَلۡ مِلَّةَ إِبۡرَٰهِ‍ۧمَ حَنِيفٗاۖ) [البقرة:135] ما معنى (حنيفاً)، وما دلالتها؟

الجواب:

الحَنفُ: هو الميل عن الضلال إلى الاستقامة، والحَنفُ: الميل في المشي عن الطريق المعتاد، وسُمِّيَ دينُ إبراهيم حنيفاً على سبيل المدح للمِلّة؛ لأنّ الناس يوم ظهور ملّة إبراهيم كانوا في ضلالة عمياء، فجاء دين إبراهيم مائلاً عنهم، فلُقّب بالحنيف لقب مدح.

السؤال الثاني:

ما الفرق بين الدين والملة والشريعة ؟

الجواب:

1ـ الملة: اسم لجملة الشريعة ، وأصل الملة في اللغة (الملُّ) وهو التكرار من قولك: طريق مليل، إذا تكرر سلوكه ، لذلك (الملة) تفيد استمرار أهلها عليها ، ويقول أحدنا : مللتُ من الأمر إذا كرره كثيراً . وقد وردت في القرآن الكريم ( 15 ) مرة بعدة صيغ ، منها : [ملتنا ـ ملتهم ـ ملتكم ] لكنها جاءت مفردة: ( ملة إبراهيم ـ ملة آبائي إبراهيم) (8) مرات .

وجاءت الكلمة أيضاً بمعاني الإملاء من قبل الآخرين ، كما في الآيات :

(وَلۡيُمۡلِلِ ٱلَّذِي عَلَيۡهِ ٱلۡحَقُّ ) [البقرة:282].

( فَهِيَ تُمۡلَىٰ عَلَيۡهِ بُكۡرَةٗ وَأَصِيلٗا) [الفرقان:5].

ومن ذلك قولهم : أمليت على فلان ، وكذلك مادة الإملاء في المدارس .وجاء في لسان العرب : قوله تعالى : ( حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمۡۗ ) [البقرة:120] أي : سنتهم وطريقتهم.

فكلمة ( ملة ) تستعمل في معنيين :

آ ـ طريق يسلكه الناس دائماً .

ب ـ أوامر وضوابط يلتزمها الناس ، وقد تم تلقيها من أناس آخرين كالآباء والأجداد ، سواء بالحق أو الباطل، لذا هناك ملة حق وملة باطل .

2ـ الدين: اسم لما عليه كل واحد من أهله، لذلك يقال: فلان حسن الدِّين، ولا يقال: حسنُ المِلَّةِ. والدين فيه معنى الطاعة والخضوع والإلزام ، والدين ما تُدين به نفسك فتخضع وتطيع .

وإذا أُطلق الدين فهو الطاعة العامة التي يجازى عليها بالثواب، قال تعالى: (إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَٰمُۗ) [آل عمران:19] وإذا قُيد اختلفت دلالته، وقد يسمى الدين والملة باسم الآخر في بعض المواقع لتقارب معنييهما، والدين ما يُطاع فيه المعبود، ولكل واحد منا دين.

3ـ الشريعة: لغة : مورد الماء الذي يؤخذ منه، وهي الطريقة المأخوذ فيها إلى الشيء، وسمي الطريق إلى الماء (الشريعة)، وقيل: (الشارع ) لكثرة الأخذ فيه .

ومن هنا جاءت كلمة ( الشريعة ) في الإسلام ، لأنّ الناس تنهل وتأخذ منها كما ينهل الناس من مورد الماء , فهي كالماء للبشر .

4 ـ الملة لا تضاف إلا إلى نبي : ( ملة إبراهيم ) ولا يقال : ملة الله ، بل دين الله .

ويقال : فلان حسن الدين ، ولا يقال : حسنُ الملة . وقيل : كل ملة دين ، وليس كل دين ملة . والله أعلم .

السؤال الثالث:

ما أهم نقاط هذه الآية ؟

الجواب:

1ـ الآية رقم ( 135 ) ذكرت المخالفة الثلاثين (30 ) لليهود التي ذكرها الله تعالى في سورة البقرة من أصل (32 ) مخالفة ، وهي تحمل مضمون : دعوى أهل الكتاب أنّ الهداية في اتباع دين كل واحد منهما.

2ـ قوله تعالى : (حَنِيفٗاۖ) نصب على الحال من إبراهيم .

3ـ قوله تعالى عن إبراهيم عليه السلام : (وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ) فيه إشارة إلى أنّ كلا الفريقين من اليهود والنصارى مشرك بالله تعالى ، وفيه ثناء على ملة إبراهيم عليه السلام ، وأنها هي الحنيفية السمحة المائلة عن الشرك ، وفيه تعريض لليهود والنصارى بالذم ، وأنهم حرّفوا وبدلوا وأشركوا مع الله غيره .

والله أعلم .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين