مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (91)

قال تعالى :(وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [البقرة: 110]

السؤال الأول:

أداة الشرط (ما) في الآية ماذا تفيد من معنى ؟

الجواب:

(ما) : أداة شرط وهي أعم من (مَن)، وهي لغير العاقل: (وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ) [آل عمران: ١١٥] ، ولصفات العقلاء نحو: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ) [النساء:24] وهي تفيد الزمان نحو: (فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ ) [التوبة:7] أي: مدة استقامتهم لكم , كما تكون غير زمانية كما في هذه الآية (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ ) [البقرة:110].

السؤال الثاني:

يقول تعالى في هذه الآية: (بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [البقرة:110] وفي آية أخرى يقول: (وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ) [البقرة:96] فهل للتقديم والتأخير لمسة بيانية؟

الجواب:

التقديم والتأخير يأتي لسبب، والسياق قد يكون الحاكم والموضح للأمور، فإذا كان السياق في الكلام أو الآية عن العمل يقدّم العمل على البصر, وإذا كان الكلام ليس في السياق عن العمل أو الكلام عن الله تعالى وصفاته يقدّم صفته.

شواهد قرآنية :

1ـ فمن باب تقديم العمل على البصر، قوله تعالى:

ـ (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [البقرة:110] السياق عن العمل والله بهذا العمل بصير.

ـ (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [البقرة:265] هذا إنفاق وهو عمل فقدّم العمل .

ـ (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [البقرة:233] الرضاعة عمل فقدّم العمل .

-(وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [البقرة:237] العفو عمل فقدّم العمل.

ـ (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [هود:111] توفية العمل فقدّم العمل.

ـ (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [هود:112] الكلام عن العمل فقدّم العمل .

ـ (أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [سبأ:11] قدّم العمل.

ـ (اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [فُصِّلَت:40] قدّم العمل.

2ـ ومن باب تقديم البصر على العمل، قوله تعالى:

ـ (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ) [البقرة:96] ليس فيها عمل فقدّم صفة من صفاته تعالى .

ـ (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ) [المائدة:71] لا يوجد عمل فقدّم صفة من صفاته تعالى .

ـ (إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحُجُرات:18] يتكلم عن الله تعالى فيقدم صفة من صفات الله تعالى.

السؤال الثالث:

ما دلالة هذه الآية ؟

الجواب:

هذه الآية دعوة للمسلمين لاصلاح شؤونهم مع الله ومع الناس , بأن يشتغلوا بإقامة الصلاة وأداء الزكاة , وأعمال البروالخير, ريثما يأذن الله بقتال الكفار ,والله لن يضيع ثواب أعمالكم , فهو سبحانه بصير بجميع أعمالكم .

والله أعلم .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين