مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (71)

(بَلَىٰۚ مَن كَسَبَ سَيِّئَةٗ وَأَحَٰطَتۡ بِهِۦ خَطِيٓ‍َٔتُهُۥ فَأُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ)[البقرة: 81]

السؤال الأول:

قوله تعالى: (بَلَىٰۚ مَن كَسَبَ سَيِّئَةٗ وَأَحَٰطَتۡ بِهِۦ خَطِيٓ‍َٔتُهُۥ فَأُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ) [البقرة:81] كيف تحيط الخطايا والإثم بالإنسان؟

الجواب:

الخطيئة اسم لما يقترفه الإنسان من آثام وجرائم، تأمل السِّوار الذي يحيط بالمعصم لا يبقي منفذاً من اليد خالياً دون إحاطة، وهذه صورة الخطايا والآثام عندما تكثر فهي تلتف حول الجسم والروح ولا تدع للإنسان مجالاً لحرية الهروب من الخطأ، كذلك الفاسق لو أبصر أيمن منه وأيسر منه ولو أبصر فوقه أو أسفل منه لما رأى إلا المنكر الذي ألِفَه واعتاده , لذلك فإنّ إحاطة الخطيئة بصاحبها معناها أنها لم تدع له منفذاً , وهذا لا يكون إلا الشرك, لأنّ من كان معه إيمان لا تحيط به خطيئته. 

السؤال الثاني:

مادلالة هذه الآية وما يستفاد منها؟

الجواب:

1ـ بلى: حرف جواب في النفي، أي: ينفي الذي قبلها، أي: نفى قول اليهود: (وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلَّآ أَيَّامٗا مَّعۡدُودَةٗۚ قُلۡ أَتَّخَذۡتُمۡ عِندَ ٱللَّهِ عَهۡدٗا فَلَن يُخۡلِفَ ٱللَّهُ عَهۡدَهُۥٓۖ أَمۡ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ) [البقرة:80].

2ـ هنا نلاحظ أنّ الحق سبحانه قال: (بَلَىٰۚ مَن كَسَبَ سَيِّئَةٗ) [البقرة:81] وكان السياق أنْ يقال: اكتسب , ولكنْ لأنهم ظنوا أنهم كسبوا.

ونلاحظ أنّ القرآن استعمل كسب مع السيئة؛ لأنه يتحدث عن الذين أسرفوا على أنفسهم وبالغوا في المعصية حتى أحبوها وعشقوها، بل ويتحدثون بها ويجاهرون, فكأنّ المعصية تأتي منهم طبيعية يفعلونها بدون افتعال ولا احتياط، فهي في حقهم كسب لا اكتساب , ويفرحون بها كأنها مكسب، فلا يؤنبون أنفسهم ولا يلومونها ولا يندمون على معصيتهم.

3ـ وقوله تعالى: (وَأَحَٰطَتۡ بِهِۦ خَطِيٓ‍َٔتُهُ) [البقرة:81] أي: إحاطة لا يوجد فيها منفذ للإفلات من الخطيئة؛ ولذلك هؤلاء ليسوا عصاة فقط، بل كانوا كافرين مشركين، فكان الجزاء(فَأُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ) [البقرة:81] بالجملة الاسمية الدالة على الثبات.

هناك من يندم على المعصية وهذا له توبة، وهناك من يفرح بالمعصية وهذا يزداد معصية.

4ـ هذه الآية تبين حكم الله الثابت العام لكل أحد , ويدخل به بنو إسرائيل وغيرهم , وهو ردٌ من الله تعالى على بعض أمنيات اليهود بأنّ النار لن تصيبهم في الآخرة إلا أياماً معدودة , فبين الله أنه من أحاطت به خطاياه من كل جانب فعمّ الشرك والكفر فما دونه, لأنّ من معه إيمان لا تحيط به خطيئته , فهو مخلد في النار, ملازم لها ملازمة دائمة. 

السؤال الثالث:

ما دلالة الحرف (بلى) وكم مرة ورد في القرآن الكريم؟

الجواب:

(بلى) حرف جواب لاستفهام فيه حرف نفي، كقولك: ألم تفعل كذا؟ فيقول: بلى، وكما في قوله تعالى: (أَلَسۡتُ بِرَبِّكُمۡۖ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدۡنَآۚ) [الأعراف:172]. وفي «مختار الصحاح»: (بلى) جواب للتحقيق توجب ما يقال لك؛ لأنها ترك للنفي وهي ضد ( لا).

وقيل: الألف في ( بلى ) أصلية , وقيل: الأصل (بل) والألف زائدة , وقيل: هي للتأنيث بدليل إمالتها.

وقد وردت (بلى) في القرآن الكريم في (22) موضعاً، وفي ( 16) سورة, وتنقسم إلى ثلاثة أقسام:

1ـ وهو اختيار القراء وأهل اللغة: الوقف عليها؛ لأنها جواب لما قبلها غير متعلق بما بعدها؛ وذلك في عشر مواضع:

البقرة موضعان( 81-112) آل عمران موضعان ( 76ـ 125) الأعراف (172) النحل (28) يس ( 81) غافر ( 50) الأحقاف ( 33) الانشقاق( 15)، وقد أجاز بعضهم الابتداء بها وليس بمختار، والله أعلم.

2ـ ما لا يجوز الوقف عليه لتعلق ما بعدها بما قبلها، وذلك في سبع مواضع:

الأنعام ( 30) في قوله تعالى (قَالَ أَلَيۡسَ هَٰذَا بِٱلۡحَقِّۚ قَالُواْ بَلَىٰ وَرَبِّنَاۚ) [الأنعام:30] وفي النحل (38) سبأ ( 3) ,الزمر (59) الأحقاف (34) التغابن (7) القيامة ( 4).

3 ـ وفيه الخلاف بين جواز الوقف ومنعه , والأحسن عدم الوقف لاتصالها بما قبلها؛ وذلك في خمس مواضع:

البقرة ( 260) في قوله تعالى (قَالَ أَوَ لَمۡ تُؤۡمِنۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطۡمَئِنَّ قَلۡبِيۖ) [البقرة:260], الزمر (71) الزخرف ( 80) الحديد ( 14) الملك ( 9).

السؤال الرابع:

ما الفرق بين أدوات الجواب التالية: نعم ـ بلى ـ أجل ـ أي ـ جلل؟

الجواب:

أحرف الجواب هي:

نعم:

حرف تصديق ووعد وإعلام.

ـ التصديق: بعد الخبر، نحو: قد زارك محمد، فتقول: نعم.

ـ الوعد: بعد الأمر والنهي، نحو: لا تخبره بما حدث، فتقول: نعم.

ـ الإعلام: بعد الاستفهام، نحو: أحضر خالد؟ فتقول: نعم.

بلى:

مختصة بإبطال النفي، وهي لا تقع إلا بعد النفي.

شواهد قرآنية:

ـ (أَلَسۡتُ بِرَبِّكُمۡۖ قَالُواْ بَلَىٰ) [الأعراف:172].

ـ (ٓ أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ نَذِيرٞ*  قَالُواْ بَلَىٰ) [المُلك:8 – 9].

أجل: حرف جواب يقع بعد الخبر كثيراً فيكون تصديقاً له، نحو: أزارك خالد؟ فتجيب: أجل.

إي: بكسر الهمزة وسكون الياء وهي مثل (نعم) غير أنها لا تقع إلا قبل القسم فتكون تصديقاً للمخبر ووعداً للطالب وإعلاماً للمستفهم، قال تعالى: (وَيَسۡتَنۢبِ‍ُٔونَكَ أَحَقٌّ هُوَۖ قُلۡ إِي وَرَبِّيٓ إِنَّهُۥ لَحَقّٞۖ) [يونس:53]. 

وللعلم فإن (إي) لا تكون إلا قبل القسم، وأمّا (نعم) فتكون مع القسم وغيره.

جلل: حرف بمعنى( نعم)، واسم بمعنى (عظيم).

والله أعلم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين