مختارات من تفسير

﴿يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَوۡفُواْ بِعَهۡدِيٓ أُوفِ بِعَهۡدِكُمۡ وَإِيَّٰيَ فَٱرۡهَبُونِ٤٠﴾ [البقرة: 40]

السؤال الأول:

أغلب السور يضرب المثل بقصة موسى؛ فما دلالة هذا؟ وما اللمسة البيانية في تكرار قصة موسى؟

الجواب:

ليست قصة موسى عليه السلام هي القصة الوحيدة التي تتكرر في القرآن، لكن قصة موسى فيها تفاصيل كثيرة وأطيل فيها وذُكرت أكثر من القصص الأخرى؛ لأنّ تلك الأقوام بادت وهلكت ولم يبق منها أحد، أمّا بنو إسرائيل فباقون في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ومستمرون إلى الآن وكان لهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم حوادث ومواقف وعداء وهم إلى الآن مستمرون على مواقفهم إلى ما قبل يوم القيامة، فإذن التكرار له دلالته؛ لأنهم سيبقون معكم إلى ما شاء الله وهم يحاربونكم ويفعلون ويمكرون، فذكر أفعالهم مع موسى وكيف آذوه و لقد أوذي موسى عليه السلام كثيراً فصبر وفي الحديث «رحم الله أخي موسى، لقد أوذي أكثر من هذا فصبر». 

وذكر القرآن كثيراً من أحوالهم وأفعالهم، فلا نعجب أنْ يفعلوا مثل هذه الأشياء أو أكثر معنا حتى نتعظ ونعرف كيف كانوا يفعلون .

والقوم لا يزالون وليس كبقية الأقوام الذين انقرضوا مثل قوم عاد وصالح ولوط؛ لأنّ اليهود بقوا وبقي كتابهم المحرف معهم وبقي لهم مواقف، وسيبقى لهم مواقف:﴿وَقُلۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِۦ لِبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱسۡكُنُواْ ٱلۡأَرۡضَ فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ ٱلۡأٓخِرَةِ جِئۡنَا بِكُمۡ لَفِيفٗا١٠٤﴾ [الإسراء: 104] ؛ ولذلك كان ذكرهم واستمرارهم باستمرار بقائهم ووجودهم.

السؤال الثاني:

هذه أول قصة تأتي بعد قصة خلق آدم عليه السلام؛ فما دلالة ذلك ؟

الجواب:

بعد أنْ قصّ الله علينا قصة خلق آدم، وموقف آدم منه وتجربته مع الشيطان في إحدى الجنات ثم نزوله إلى الأرض مسلحاً بمنهج الله ومحمياً بالتوبة بدأت مهمة آدم على الأرض.

بعد تلك القصة أراد الله سبحانه أنْ يعرض علينا موكب الرسالات وكيف استقبل بنو آدم منهج الله بالكفر والعصيان، فاختار جلّ جلاله قصة بني إسرائيل؛ لأنها أكثر القصص التي تتضمن معجزات، وأنبياء بني إسرائيل من أكثر الأنبياء الذين أُرسلوا لأمة واحدة وليس معنى هذا أنهم مفضّلون، ولكن لأنهم كانوا أكثر الأمم عصياناً وآثاماً فكانوا أكثرها أنبياءً.

كانوا كلما خرجوا من معجزة انحرفوا، فتأتيهم معجزة أخرى فينحرفون، وهكذا حَكَمَ الله عليهم لظلمهم أنْ يتفرقوا في الأرض ثم يتجمعوا مرة أخرى في مكان واحد ليذوقوا العذاب والنكال على معاصيهم وكفرهم.

ولذلك أخذت قصة بني إسرائيل ذلك الحجم الضخم في كتاب الله وفي تثبيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أضف إلى ذلك أن موسى عليه السلام كان من أولي العزم من الرسل.

السؤال الثالث:

ما معنى: ﴿إِسۡرَٰٓءِيلَ﴾ في الآية ؟

الجواب:

إسرائيل مأخوذة من كلمتين (إسر) و (إيل)، والأولى في العبرية معناها: عبد مختار مصطفى، والثانية معناها: الله، فيكون معنى الكلمة (صفوة الله)، والاصطفاء هنا ليعقوب وليس لذريته، وقد ابتُلي يعقوب ابتلاء كثيراً استحق به أنْ يكون صفياً لله .

وإسرائيل هو يعقوب ابن إسحاق، وإسحاق بن إبراهيم وإبراهيم أنجب إسحاق وإسماعيل، ورسولنا صلى الله عليه وسلم من ذرية إسماعيل. 

والله سبحانه عندما يخاطب بني إسرائيل يقول: ﴿يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ﴾ ولكنّ الله سبحانه حين يخاطب المسلمين لا يقول لهم: اذكروا نعمة الله، وإنما يقول: ﴿ٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ﴾ ؛ لأنّ بني إسرائيل ماديون ودنيويون فكأنّ الله يقول لهم: ما دمتم ماديين ودنيويين فاذكروا نعمة الله المادية عليكم.

ولكننا - نحن المسلمين - أمة غير مادية والماديون يحبون النعمة، وغير الماديين يحبون المنعم ويعيشون في معيّته.

السؤال الرابع: 

قوله تعالى: ﴿وَأَوۡفُواْ بِعَهۡدِيٓ أُوفِ بِعَهۡدِكُمۡ وَإِيَّٰيَ فَٱرۡهَبُونِ٤٠﴾ [البقرة: 40] اختار تعالى لفظ العهد لليهود ولم يقل:(أوفوا وعدكم) فهل لهذا من بُعدٍ آخر؟

الجواب:

هذا من لطائف القرآن خاطبهم الله تعالى باسم التوراة المعروف عندهم، أليست التوراة تسمى عندهم العهد؟ !!!

لذلك الكلمة مزدوجة الدلالة لأمرين: لأنها تأمرهم بالتزام أوامر الله وتأمرهم بالتزام وصايا الله تعالى المبثوثة في طيّات العهد القديم والتي فيها الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين