مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (159)

مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (الحلقة 159)

المؤلف: مثنى محمد هبيان


﴿وَٱقتُلُوهُم حَيثُ ثَقِفتُمُوهُم وَأَخرِجُوهُم مِّن حَيثُ أَخرَجُوكُم وَٱلفِتنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلقَتلِ وَلَا تُقَٰتِلُوهُم عِندَ ٱلمَسجِدِ ٱلحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَٰتِلُوكُم فِيهِ فَإِن قَٰتَلُوكُم فَٱقُتلُوهُم كَذَٰلِكَ جَزَآءُ ٱلكَٰفِرِينَ [البقرة: 191]

السؤال الأول:

ما الفرق بين كلمة ﴿ثَقِفتُمُوهُم﴾ وكلمة ﴿وَجَدتُّمُوهُم﴾ في القرآن؟

الجواب:

ثَقِفَ: ظَفَرَ به وأخذه، ولا تستعمل ﴿ثَقِفتُمُوهُم﴾ إلا في القتال والخصومة، ومعناها أشمل من الإيجاد، وعندما لا يكون السياق في مقام الحرب يستعمل ﴿وَجَدتُّمُوهُم﴾ [النساء:89] .

السؤال الثاني:

ما الفرق بين قوله تعالى: ﴿وَٱلفِتنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلقَتلِ﴾ [البقرة:191] وقوله: ﴿ وَٱلفِتنَةُ أَكبَرُ مِنَ ٱلقَتلِ ﴾ [البقرة:217]

الجواب:

 1ـ كلنا نعرف أنّ القتل من الجرائم العظيمة والأحاديث في ذلك كثيرة ومخيفة، وأول ما يقضى فيه بين الناس يوم القيامة الدماء، وتصور لو أنّ رجلاً كما وقع في التاريخ المعاصر قتل مدينة كاملة فيها ملايين كما هو في هيروشيما وناجازاكي، كيف يمكن أنْ تتخيل عقابه يوم القيامة؟ لابُدَّ أنْ يكون عقابه كبيراً من حيث الكمّ، وشديداً من حيث الكيف.

2ـ أنت قد تعذب واحداً بالضرب مليون سنة فهذا كبير، ولكنه ليس شديداً، وقد تعذبه مليون سنة بالخوازيق والنار والأفاعي والعقارب وأنواع الحريق، وفي هذا شدة.

و القتل سواء كان لفردٍ واحد ﴿ مَن قَتَلَ نَفسَا بِغَيرِ نَفسٍ أَو فَسَادٖ فِي ٱلأَرضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعا ﴾ [المائدة:32] بحيث لو اجتمعت مدينة كاملة على قتل رجل واحد لكان ينبغي أنْ يقتل رجال هذه المدينة بالكامل؛ لأنهم اشتركوا في قتله، ولأكبّهم الله في النار من أجل قتل شخص واحد، ومع ذلك فهذا القتل يهون إلى جانب الفتنة.

3ـ لكي نكون واضحين في المعنى: عندنا بلاء وعندنا فتنة، وهذان الأسلوبان من أساليب تمحيص الإيمان، قال تعالى: ﴿ وَلَنَبلُوَنَّكُم حَتَّىٰ نَعلَمَ ٱلمُجَٰهِدِينَ مِنكُم وَٱلصَّٰبِرِينَ وَنَبلُوَاْ أَخبَارَكُم ﴾ [محمد:31] وقوله: ﴿ أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُترَكُوٓاْ أَن يَقُولُوٓاْ ءَامَنَّا وَهُم لَا يُفتَنُونَ ﴾ [العنكبوت:2] .

إذن امتحان الإيمان:

آـ إمّا ببلاء تكرهه نفسك مثل الفقر والمرض والسجن وما شاكل ذلك، ومنا من يصبر صبراً مطلقاً، ومنا من يصبر صبراً نسبياً، ومنا من لا يصبر بل يجزع.

ب ـ وإمّا بفتنة تحبها نفسك كما في النِّعَمِ؛ كالغنى والحُكمِ والعلمِ والأولاد، ومثال ذلك:

- كنت فقيراً فصرت غنياً جداً، هل ستستعمل هذه النعمة في شكر الله في الصالحات فتعين الناس؟ أم سوف يدعوك هذا إلى التكبر والطغيان والجبروت؟

 - أو في الحُكم صرت ملكاً أو أميراً أو شيخاً أو رئيس جمهورية أو ما شاكل ذلك بعد أنْ كنت مغموراً، هل هذه النعمة التي أنعم الله بها عليك ستستعملها في طاعته بالعدل والرحمة والشفقة وإحقاق الحق، أو بالقتل والظلم والتعذيب في السجون وما إلى ذلك؟

- وكذلك فتنة العلم والأولاد، كما في قوله تعالى: ﴿ أَن كَانَ ذَا مَالٖ وَبَنِينَ * إِذَا تُتلَىٰ عَلَيهِ ءَايَٰتُنَا قَالَ أَسَٰطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ ﴾ [القلم:14-15] .   

4ـ هكذا الفرق بين الفتنة والبلاء، أنّ البلاء فيما تكرهه نفسك، والفتنة فيما تحبه نفسك، وفي كلتا الحالتين أنت ممتحن، بل إنّ النعم أحياناً أقسى من النقمة أحياناً، فأنت تصبر على البلاء إذا سجنت وعذبت وضربت وافتقرت، ولكن إذا أصابتك النعمة قد لا تصبر فتطغى، وهذا هو الفرق بين الفتنة والبلاء.

5ـ لكن كيف تكون الفتنة أكبر من القتل؟ والجواب أنّ الفتنة أكبر من القتل بكثير؛ لأنها قد تمتد قروناً من العداوة والبغضاء ، مثل الأوس والخزرج دامت الحرب بينهما 120 عاماً، فلما جاء الإسلام وحّد بينهم ﴿ وَأَلَّفَ بَينَ قُلُوبِهِم لَو أَنفَقتَ مَا فِي ٱلأَرضِ جَمِيعا مَّآ أَلَّفتَ بَينَ قُلُوبِهِم وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَينَهُم إِنَّهُۥ عَزِيزٌ حَكِيم ﴾ [الأنفال:63] لذلك قد تدوم الفتنة قروناً طويلة، فالقتل يزول والفتنة لا تزول.

6ـ وأمّا سبب الفرق بين الآيتين [191 و217] وكلاهما في سورة البقرة؛ أنّ الكلام في الآية الثانية على كبيرات الأمور؛ فقد مرّ قبلها ﴿ قُل قِتَال فِيهِ كَبِير ﴾ [البقرة:217] وقوله: ﴿ وَإِخرَاجُ أَهلِهِۦ مِنهُ أَكبَرُ عِندَ ٱللَّهِ ﴾ [البقرة:217] فناسب ذلك ذكر ﴿ أَكبَرُ ﴾ [البقرة:217].

وليس السياق كذلك في الآية الأولى رقم (191) وإنما هي في سياق الشدة على الكافرين، فقد قال فيها: ﴿ وَٱقتُلُوهُم حَيثُ ثَقِفتُمُوهُم وَأَخرِجُوهُم مِّن حَيثُ أَخرَجُوكُم وَٱلفِتنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلقَتلِ ﴾ [البقرة:191] وهذه شدة ظاهرة ، فناسب ذكر ﴿ أَشَدُّ ﴾ [البقرة:191] فيها.

السؤال الثالث:

قوله تعالى: ﴿ فَإِن قَٰتَلُوكُم فَٱقتُلُوهُم ﴾  [البقرة:191] جاء فعل الشرط فعلاً ماضياً، وأحياناً يأتي فعل الشرط فعلاً مضارعاً، فما طريقة الاستعمال القرآني لفعل الشرط ؟

الجواب:

معنى الشرط أنْ يقع الشيء لوقوع غيره، أي: أنْ يتوقف الثاني على الأول، نحو: إنْ تجتهد تنجح، ونحو الشواهد القرآنية التالية:

﴿ فَإِن قَٰتَلُوكُم فَٱقتُلُوهُم ﴾  [البقرة:191].

﴿ وَإِن كَانَ ذُو عُسرَةٖ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيسَرَة ﴾ [البقرة:280] .

هذا هو الأصل، وقد يخرج الشرط عن ذلك فلا يكون الثاني مسبباً عن الأول ولا متوقفاً عليه،  نحو قوله تعالى:

 ﴿ إِن تَحمِل عَلَيهِ يَلهَث أَو تَتُكهُ يَلهَث ﴾ [الأعراف:176] هو يلهث على كل حال.

 ﴿ فَإِن تَوَلَّواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلكَٰفِرِينَ ﴾ [آل عمران:32] الله لا يحب الكافرين دائماً تولوا أم لا.

ـ ﴿ إِن تَحرِص عَلَىٰ هُدَىٰهُم فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهدِي مَن يُضِلُّ ﴾ [النحل:37] .

ـ ﴿ وَمَا تَفعَلُواْ مِن خَيرٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِهِۦ عَلِيما ﴾ [النساء:127].

ـ ﴿ فَإِن يَصبِرُواْ فَٱلنَّارُ مَثوى لَّهُم وَإِن يَستَعتِبُواْ فَمَا هُم مِّنَ ٱلمُعتَبِينَ ﴾ [فُصِّلَت:24] .

فليس الشرط من باب السبب والمسبب دوماً، وإنما الأصل فيه أنْ يكون كذلك.

 فعل الشرط:

1ـ يقع فعل الشرط ماضياً ومضارعاً، نحو: ﴿ إِن يَشَأ يُذهِبكُم ﴾ [إبراهيم:19] وقولهـم: ﴿ وَإِن عُدتُّم عُدنَا ﴾ [الإسراء:8].   

2ـ والماضي يفيد الاستقبال في الشرط كثيراً، نحو قوله تعالى: ﴿ فَإِن قَٰتَلُوكُم فَٱقتُلُوهُم ﴾      [البقرة:191] .

3ـ والفعل الماضي قد يفيد الاستقبال في غير الشرط كذلك، نحو قوله: ﴿ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلَأرضِ إِلَّا مَن شَآءَ ٱللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخرَىٰ فَإِذَا هُم قِيَام يَنظُرُونَ ﴾ [الزُّمَر:68]، وقوله: ﴿ وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ رَبَّهُم إِلَى ٱلجَنَّةِ زُمَرًا ﴾ [الزُّمَر:73]

4ـ وقد يؤتى بالفعل المضارع مراداً به الماضي، نحو قوله تعالى: ﴿ وَٱللَّهُ ٱلَّذِيٓ أَرسَلَ ٱلرِّيَٰحَ فَتُثِيرُ سَحَابا فَسُقنَٰهُ إِلَىٰ بَلَدٖ مَّيِّتٖ ﴾ [فاطر:9] و﴿ وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتلُواْ ٱلشَّيَٰطِينُ عَلَىٰ مُلكِ سُلَيمَٰنَ ﴾ [البقرة:102] أي: ما تلت.

5ـ ومن المعلوم أنّ الفعل المضارع المسبوق بـ [لم] يفيد المضي.

وقد ذهب النحاة إلى أنّ القصد من مجيء الشرط ماضياً وإنْ كان معناه الاستقبال هو إنزال غير المتيقن منزلة المتيقن وغير الواقع منزلة الواقع، وهذا ما فسروا به التعبير عن الأحداث المستقبلة بأفعال ماضية في غير الشرط أيضاً، نحو قوله تعالى: ﴿ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ ﴾ [الكهف:99] و﴿ وَحَشَرنَٰهُم فَلَم نُغَادِر مِنهُم أَحَد ﴾ [الكهف:47] فهو تفسير عام للتعبير عن الأحداث المستقبلة بأفعال ماضية .

استعمال القرآن لفعل الشرط:

1ـ إنّ التعبير بفعل الشرط بالفعل الماضي قد يفيد افتراض حصول الحدث مرة واحدة، في حين أنّ الفعل المضارع قد يفيد تكرر الحدث وتجدده، نحو قوله تعالى:

شواهد قرآنية:

ملحوظة :( المذكور أدناه هو فعل الشرط فقط؛ لذا يرجى مراجعة الآيات في القرآن الكريم ):

 ﴿ تُبدُواْ ﴾ ﴿ تُخفُوهَا ﴾ ﴿ وَتُؤتُوهَا ﴾ [البقرة:271] جاء بصيغة المضارع؛ لأنّ هذه الأحداث تتكرر وتجدد.

 ﴿ طَلَّقَهَا ﴾ [البقرة:230] ﴿ طَلَّقتُمُ ﴾ [البقرة:236] ﴿ طَلَّقتُمُوهُنَّ ﴾ [البقرة:237] بالماضي؛ لأنّ الطلاق لا يتكرر تكرر الصدقات.

﴿ أَنفَقتُم ﴾ [البقرة:270] إخبار بأنّ ما فعلته أو ما حصل منك قد علمه الله.

 ﴿ تُنفِقُواْ ﴾ [البقرة:273] الإنفاق عملية متكررة.   

﴿ يَشكُر ﴾ [لقمان:12]؛ لأنّ الشكر يتجدد ويتكرر وينبغي أنْ يتكرر فالشكر عمل يومي.

﴿ كَفَرَ ﴾ [لقمان:12] الكفر يحدث مرة واحدة ولا يلزم أنْ يتكرر؛ لأنّ الكفر اعتقاد.

﴿ يَقتُل ﴾ [النساء:93] وهو الإصرار والاستمرار في قتل المؤمن.

﴿ قَتَلَ ﴾ [النساء:92] قتل خطأ قليل لا يتكرر.

 ﴿ أَسلَمَ ﴾ [البقرة:112] معناه الدخول في الإسلام بدليل الآية 111 التي قبلها ﴿ وَقَالُواْ لَن يَدخُلَ ٱلجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَو نَصَٰرَىٰ تِلكَ أَمَانِيُّهُم ﴾  [البقرة:111] فرد الله عليهم : ﴿ بَلَىٰ مَن أَسلَمَ وَجهَهُۥ لِلَّهِ ﴾ [البقرة:112] .

﴿ أَسلَمَ ﴾ [الجن:14] .

﴿ يُسلِم ﴾ [لقمان:22] معناه الخضوع والانقياد لله وهو عمل يومي يفيد الاستمرار والتجدد.

﴿ أَرَادَ ﴾ [الإسراء:19] لأنّ إرادة الآخرة أمرٌ واحدٌ والآخرة واحدة

﴿ يُرِد﴾ [آل عمران:145] إرادة الثواب تتكرر، وتتجدد في الدنيا فلكل عمل ثواب له.

﴿ تَابُواْ ﴾ [التوبة:11] المقصود بالتوبة هي التوبة العامة ومعناها هنا الدخول في الإسلام

﴿ تَابَا ﴾ [النساء:16] معنى التوبة الانخلاع عن الفاحشة والزنى

﴿ تَتُوبَآ ﴾ [التحريم:4] الكلام موجه إلى زوجي النبي، والتوبة هنا التوبة الجزئية أمثال اللمم والصغائر.

﴿ وَإِن تَعُودُواْ نَعُد ﴾ [الأنفال:19] نزلت في كفار قريش وهو تهديد للمشركين وإشعار للمؤمنين بأنّ المشركين سيكررون العودة إلى القتال، وهو ما حصل، وأخبرهم أنّ الله سيعود إلى نصر المؤمنين إنْ عاد المشركون إلى قتال المسلمين.  

﴿ عُدتُّم ﴾ [الإسراء:8] في بني إسرائيل، وقد ذكر أنهم يفسدون في الأرض مرتين فأخبر بأنّ لهم عودة بعد تلك المرة

﴿ فَإِن لَّم تَفعَلُواْ ﴾ [البقرة:24] [البقرة:279] المضارع مع (لم) يفيد المضي؛ وذلك لأنه خروج عن الربا، والخروج عن الربا يكون دفعة واحدة.

﴿ إِلَّا تَنفِرُواْ ﴾ [التوبة:39] وذلك في الجهاد وهو ماضٍ إلى يوم القيامة يتكرر حصوله

﴿ وَإِن لَّم يَنتَهُواْ ﴾ [المائدة:73] لأنّ الانتهاء هنا دفعة واحدة.  

﴿ إِلَّا تَفعَلُوهُ ﴾ [الأنفال:73] التناصر مستمر متجدد، فكان بصيغة المضارع

﴿ فَإِنِ ٱنتَهَواْ ﴾ [الأنفال:39] ﴿ فَإِنِ ٱنتَهَواْ ﴾ [البقرة:192] [البقرة:193] بالماضي؛ لأنّ القصد هنا الانتهاء الكامل عن الحرب والدخول في الإسلام، بدليل قوله: ﴿ وَقَٰتِلُوهُم حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتنَة وَيَكُونَ ٱلدِّينُ لِلَّهِ ﴾ [البقرة:193]

﴿ وَإِن تَنتَهُواْ ﴾ [الأنفال:19] ﴿ تَستَفتِحُواْ ﴾ [الأنفال:19]؛ لأنّ الانتهاء هنا ليس انتهاء عاماً، بل قد تتكرر الحروب بينهما كما حصل فعلاً.   

﴿ إِن سَأَلتُكَ ﴾ [الكهف:76]؛ لأنه سيحصل الفراق بعد سؤال واحد

﴿ إِن يَسألكُمُوهَا ﴾  [محمد:37] هذا في سؤال الأموال وهو يتجدد ويتكرر.   

2ـ وقد يؤتى بالفعل الماضي مع الشرط للدلالة على وقوع الحدث جملةً واحدةً وإنْ كان مستقبلاً، ويؤتى بالمضارع لما كان يتقضى ويتصرم شيئاً فشيئاً.

شواهد القرآنية

﴿ فَإِن أُحصِرتُم ﴾ [البقرة:196] أي: إذا حصل هذا، فعبّر بالماضي .

﴿ وَإِن تُخَالِطُوهُم ﴾ [البقرة:220] والمخالطة مستمرة، وليست كالإحصار، فعبر عنها بالمضارع.

 ﴿ إِن نَّسِينَآ ﴾ [البقرة:286] أي: إذا حصل منا نسيان أو خطأ.

﴿ فَإِن خِفتُم ﴾ [البقرة:239] ﴿ فَإِذَآ أَمِنتُم ﴾ [البقرة:239] أي: إذا وقع الخوف أو إذا حصل الأمن.

 ﴿ وَإِمَّا تَخَافَنَّ ﴾ [الأنفال:58] ففيه معنى الاستمرار والتحسب.  

﴿ إِذَا طَلَعَت ﴾ [الكهف:17] ﴿ وَإِذَا غَرَبَت ﴾ [الكهف:17] الطلوع والغروب يقعان جملة واحدة فعبر عنهما بالماضي.    

﴿ إِذَا يَسرِ ﴾ [الفجر:4] الليل يفيد الاستمرار والتطاول.

﴿ إِذَا مَا يُنذَرُونَ ﴾ [الأنبياء:45] أي: وإنْ تطاول عليهم الإنذار وتكرر واستمر.  

﴿ إِذَا وَلَّواْ مُدبِرِينَ ﴾ [النمل:80] أي: إذا أدبروا عنك.  

﴿ وَإِن تَعُدُّواْ ﴾ [النحل:18] لأنّ هذا العمل لا يفرغ منه؛ ولأنّ نعم الله كثيرة.   

﴿ إِذَا فَعَلُواْ ﴾ [آل عمران:135] أي: إذا صدر هذا الأمر ولا يحسن (إذا يفعلون فاحشة)؛ لأنّ فيه معنى الاستمرار وعدم الانتهاء من الفاحشة، فيكون المعنى: أنهم يذكرون الله حين يفعلون ذلك.

3ـ يكثر التعبير بالفعل الماضي عن الحكم الثابت القائم على المشاهدة والتجربة، وهو ما يكون في الحِكَم نحو: من صبر ظفر، ومن حذر سلم.

بخلاف ما لم يكن كذلك نحو: (من يعمل يأكل )، فهذه القاعدة تضعها للمستقبل، فلا يحسن فيها (من عمل أكل).

وقد يأتي الشرط للمضي وإن كان فعله ماضياً، وذلك اذا كان بلفظ [كان] وبعدها فعل ماض، انظر الآيات: [ المائدة 116 ـ يوسف 27 ـ الأنعام 55 ـ يونس 71 ـ الأعراف 87 ـ هود 35 ـ الأحقاف 8 ـ يس 19ـ آل عمرن 152 ـ التوبة 92 ـ الكهف 71 ـ الكهف 86 ـ النمل 18ـ الجمعة 11].

وقد يدل الشرط على الحال. انظر الآيات:[ البقرة 23 ـ يونس 104 ـ الحج 5 ـ العلق 11،9 ـ البقرة 93، 111 ،172 ـ آل عمران 118].

السؤال الرابع:

ما دلالة هذه الآية؟

الجواب:

 1ـ هذا أمر بقتال المشركين حيث وجدتموهم ، وأن تخرجوهم من المكان الذي أخرجوكم منه ، وهي مكة ، لأنّ فتنة الناس بالكفر والشرك والصد عن الإسلام أشد من مفسدة القتل ،وأشد من قتلكم إياهم ، ولا تبدؤوا بقتالهم عند المسجد الحرام تعظيماً لحرمته حتى يبدؤوكم بالقتال فيه ، فإنْ قاتلوكم في المسجد الحرام فاقتلوهم فيه، ومثل ذلك الجزاء الرادع يكون جزاء الكافرين .

2ـ قوله تعالى : ﴿ وَٱلفِتنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلقَتلِ ﴾   جرى مجرى المثل ، لأنّ الإخراج من الوطن هو فتنة كبرى وهو بمثابة إخراج الروح من الجسد .

والله أعلم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين