مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (156)

مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (156)


مثنى محمد هبيان


﴿وَلَا تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَكُم بَيۡنَكُم بِٱلۡبَٰطِلِ وَتُدۡلُواْ بِهَآ إِلَى ٱلۡحُكَّامِ لِتَأۡكُلُواْ فَرِيقٗا مِّنۡ أَمۡوَٰلِ ٱلنَّاسِ بِٱلۡإِثۡمِ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ١٨٨ [البقرة: 188]


السؤال الأول:

ما دلالة هذه الآية؟ وما ارتباطها بما قبلها من آيات الصوم؟

الجواب:

كأنّ هذه الآية متممة ومكملة لآيات الصوم، وكأنّ الله سبحانه أوجب علينا صوماً من نوع آخر، وهو التحريم الدائم لأكل أموال الناس بأي لون من ألوان الباطل التي لا حصر لها وخاصة في عصرنا هذا.

 ولما انقضت آيات الصيام أعقبها الله بالنهي عن أكل أموال الناس بالباطل؛ لأنه محرم في كل زمان ومكان، بخلاف الطعام والشراب فكأنه يقال للصائم: يا من أطعت ربك وتركت الطعام والشراب الذي حرم عليك في النهار فقط، فامتثل أمر ربك في اجتناب أكل الأموال بالباطل، فإنه محرم بكل حال، ولا يباح في وقت من الأوقات.

قوله تعالى: ﴿وَتُدۡلُواْ بِهَآ إِلَى ٱلۡحُكَّامِ الإدلاء مأخوذ من إدلاء الدلو وهو إرسالك إياها في البئر باتجاه الأسفل للاستسقاء،أي ليصل إلى مطلبه من الماء، وفي هذا كناية عن الرشوة وشهادة الزور بأن تدفع إلى القُضاة أو ولاة الأمور أو الموظفين لتأكلوا أموال الآخرين ظلماً وعدواناً ﴿لِتَأۡكُلُواْ فَرِيقٗا مِّنۡ أَمۡوَٰلِ ٱلنَّاسِ بِٱلۡإِثۡمِ بطريق السقوط إلى الأسفل ﴿وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ أنكم على باطل وأنكم تأكلون حراماً، فإذا صام المسلم عن الحلال في رمضان، فأولى به أن يصوم عن الحرام طيلة عمره. وللعلم الواو واو الحال (وأنتم) فهي تصف حالتكم آنذاك.

قال النبي عليه السلام: (لا يحل لامرىء أن يأخذ مال أخيه بغير حقه، وذلك لما حرّم الله مال المسلم على المسلم). أخرجه البزار وابن حبان.

اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك.


السؤال الثاني:

ما دلالة قوله تعالى في الآية ﴿وَتُدۡلُواْ بِهَآ إِلَى ٱلۡحُكَّامِ في الآية؟

الجواب:

قوله سبحانه: ﴿وَتُدۡلُواْ [البقرة:188] مأخوذة من أدلى، ونحن ندلي الدلو إلى الأسفل، وأدلى: معناها: أنزل الدلو؛ ولذلك جاء في قصة الشيطان مع آدم عليه السلام ﴿ فَدَلَّىٰهُمَا بِغُرُورٖۚ [الأعراف: ٢٢].

فقوله تعالى: ﴿وَتُدۡلُواْ بِهَآ إِلَى ٱلۡحُكَّامِ [البقرة:188] أي: ترشوا الحكام ﴿ لِتَأۡكُلُواْ فَرِيقٗا مِّنۡ أَمۡوَٰلِ ٱلنَّاسِ بِٱلۡإِثۡمِ [البقرة:188] ومن العجيب أنّ الرشوة مأخوذة من الرَّشاء وهو الحبل الذي يُعلق فيه الدلو، لذلك فأدلى ودلَّى في الرشوة.

وكلمة ﴿وَتُدۡلُواْ [البقرة:188] تبين أنّ اليد التي تأخذ الرشوة هي اليد السفلى، فجاءت لتعبر عن دناءة المرتشي وسفله ولو كان في الذروة من حيث المنصب وموقع المسؤولية.

أمّا لماذا يدلون بها إلى الحكام؟ إنهم يفعلون ذلك حتى يعطيهم الحكام المبررات التشريعية لأكل أموال الناس بالباطل، وذلك عندما نكون محكومين بقوانين البشر.

لكن عندما نكون محكومين بقوانين الله، فالحاكم لا يبيح مثل هذا الفعل. والله أعلم.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين