مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (139)

﴿وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي يَنۡعِقُ بِمَا لَا يَسۡمَعُ إِلَّا دُعَآءٗ وَنِدَآءٗۚ صُمُّۢ بُكۡمٌ عُمۡيٞ فَهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ﴾ [البقرة: 171]

السؤال الأول:

ماذا تمثل هذه الآية من صور بيانية؟

الجواب:

1 ـ انظر في بديع التطبيق القرآني وعظيم بلاغة القرآن، وكيف أنّ آياته تصلح ألفاظها لمعانٍ كثيرة، فهذه الآية تحمل صورتين في وصف حال المشركين:

آـ صورة المشركين والنبي ﷺ يدعوهم للإيمان بالله تعالى، فحالتهم كحالة الأغنام التي لا تفقه دليلاً من صوت من يناديها ولا تدرك من كلامه معنى، إلا أنها تسمع أصواتاً لا مدلول لها عندها، فالكلام عندها أصوات مجرّدة عن المعاني.

ب ـ والصورة الثانية صورة المشركين وهم يدعون آلهتهم كمن يدعو أغناماً لا تفقه شيئاً ولا تُجيب داعياً.

2 ـ الآية تمثل صورة بلاغية مؤثرة للكافر وهو في كفره وغيه لا يستمع إلى صوت الحق أبداً وما يُقال. لا يتأملُ فيما يُقال له ولا ما يُتلى عليه، ولا ينتبه إليه ولا للأمر كأنه لا يعنيه أصلاً، فهو كالبهيمة ينعق عليها فهي تسمع جرس النغمة لكن لا تفقه.

السؤال الثاني:

ما دلالة الاختلاف في الترتيب بين آيتي البقرة [18] و [171] ﴿صُمُّۢ بُكۡمٌ عُمۡيٞ﴾ و آية الإسراء [97] ﴿عُمۡيٗا وَبُكۡمٗا وَصُمّٗاۖ﴾؟

الجواب:

انظر الجواب في آية البقرة 18.

﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡ وَٱشۡكُرُواْ لِلَّهِ إِن كُنتُمۡ إِيَّاهُ تَعۡبُدُونَ﴾ [البقرة: 172]

السؤال الأول:

لِمَ قال ربنا سبحانه وتعالى: ﴿وَٱشۡكُرُواْ لِلَّهِ﴾ ولم يقل: (واشكروني) أو (واشكروا لي) باستخدام الضمير؟

الجواب:

ذكر اسم الله تعالى ظاهراً يوحي أنّ في الاسم الظاهر إشعاراً بالألوهية التي قد لا يؤديها الضمير، فكأنما يومئ أنّ الإله الحق هو المستحق للعبادة دون غيره من أوثان ومعبودات باطلة؛ لأنه هو الذي يخلق ويُنعِم فهو وحده سبحانه الذي يستحق الشكر على نعمائه.

السؤال الثاني:

في الآية قدّم المفعول به ﴿إِيَّاهُ﴾ على فعل العبادة ﴿تَعۡبُدُونَ﴾ فما دلالة ذلك؟

الجواب:

السبب أنّ العبادة مختصة بالله تعالى فلا يُعبد أحد غيره ولا يُستعان بغيره، كقوله تعالى في سورة الفاتحة: ﴿إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ﴾ وقوله في آية الزمر 66 ﴿بَلِ ٱللَّهَ فَٱعۡبُدۡ وَكُن مِّنَ ٱلشَّٰكِرِينَ﴾.

السؤال الثالث:

قال الله في هذه الآية: ﴿وَٱشۡكُرُواْ لِلَّهِ﴾ وقال في آية النحل: 114 ﴿وَٱشۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ﴾ فما دلالة الفرق بين التعبيرين؟

الجواب:

1ـ سياق آية البقرة هو الكلام عن الله تعالى، انظر الآيات: (165ـ 171) فناسب الأمر بشكر الله.

2ـ وأمّا سياق آية النحل فهو في الكلام عن النعم، انظر الآية 112، حيث ذكر فيها القرية التي كفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف، فناسب الأمر بشكر النعمة لئلا يصيبهم ما أصاب مَنْ قبلهم.

3ـ إضافة إلى أنه وردت كلمة (النعمة) في سورة البقرة ست مرات، بينما وردت في سورة النحل تسع مرات، فناسب كل تعبير مكانه.

السؤال الرابع:

ما دلالة هذه الآية؟

الجواب:

1ـ قوله تعالى: ﴿كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡ﴾ أي كلوا من لذائذ ما أحللناه لكم، والأمر هنا للإباحة.

2ـ قوله تعالى: ﴿وَٱشۡكُرُواْ لِلَّهِ﴾ هذا للأمر وليس للإباحة، والشكر يكون باللسان أو القلب أو الجوارح أو بالجميع.

3 ـ تأملوا كيف أنّ الله لم يطالب الله العباد بترك المتلذَذات، وإنما طالبهم بالشكر عليها إذا تناولوها.

4ـ قوله تعالى: ﴿إِن كُنتُمۡ إِيَّاهُ تَعۡبُدُونَ﴾ معناه:

ـ إنْ كنتم عارفين بالله ونعمه.

ـ إنْ كنتم تريدون أن تعبدوا الله فاشكروه لأنّ الشكر رأس العبادات.

5 ـ في حديث أنس رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إنّ الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة أو يشرب الشربة فيحمده عليها ) رواه مسلم.

6ـ لمّا ذكر الله في هذه الآية أنه أباح الطيبات، أتبعه بتحريم الخبائث في الآية التالية.

والله أعلم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين