مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (134)

﴿ إِنَّ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱلۡفُلۡكِ ٱلَّتِي تَجۡرِي فِي ٱلۡبَحۡرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن مَّآءٖ فَأَحۡيَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٖ وَتَصۡرِيفِ ٱلرِّيَٰحِ وَٱلسَّحَابِ ٱلۡمُسَخَّرِ بَيۡنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ١٦٤ ﴾ [البقرة: 164]

السؤال الأول:

مادلالة قوله تعالى في الآية ﴿وَتَصۡرِيفِ ٱلرِّيَٰحِ﴾ [البقرة:164]؟

الجواب:

تأمل كيف قال ربنا سبحانه وتعالى: ﴿وَتَصۡرِيفِ ٱلرِّيَٰحِ﴾ [البقرة:164] فاستخدم كلمة (تصريف) للدلالة على أحوال الرياح، ولم يستخدم كلمة أخرى كالهبوب مثلاً؛ ذلك لأنّ هذه الكلمة لا يمكن أنْ يؤدي معناها أي كلمة أخرى، فقد جمعت أحوال الرياح التي يحتاج إليها الإنسان. والرياح في كل حالة من أحوالها هي آية من آيات وجود الخالق وعظيم قدرته سبحانه، فهبوب الريح مثلاً يحتاج إليه أهل موضعٍ لتخفيف الحرّ عنهم، وقد يحتاج أهل موضعٍ آخر إلى اختلاف هبوبها لتجيء رياح رطبة بعد رياح يابسة، أو تهب من جهة الساحل مسيّرةً السفن إلى البحر، أو تهب إلى جهة الساحل ليرجع أهل السفن من أسفارهم أو صيدهم، فكل تلك الأحوال التي أنعم الله تعالى بها على الناس وغيرها اجتمعت في قوله تعالى: ﴿وَتَصۡرِيفِ ٱلرِّيَٰحِ﴾ [البقرة:164].

السؤال الثاني:

ما الفرق بين كلمتي ( ريح ) و (رياح ) في القرآن الكريم؟

الجواب:

1ـ كلمة (ريح) في القرآن الكريم تستعمل للشّر، كما في قوله تعالى في سورة فصّلت: ﴿فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِيحٗا صَرۡصَرٗا فِيٓ أَيَّامٖ نَّحِسَاتٖ لِّنُذِيقَهُمۡ عَذَابَ ٱلۡخِزۡيِ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَلَعَذَابُ ٱلۡأٓخِرَةِ أَخۡزَىٰۖ﴾ [فُصِّلَت:16] وفي سورة القمر: ﴿إِنَّآ أَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِيحٗا صَرۡصَرٗا فِي يَوۡمِ نَحۡسٖ مُّسۡتَمِرّٖ﴾ [القمر:19].

2ـ أمّا كلمة (الرياح) فهي تستعمل في القرآن الكريم للخير كالرياح المبشّرات، كما في قوله تعالى في سورة البقرة: ﴿إِنَّ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱلۡفُلۡكِ ٱلَّتِي تَجۡرِي فِي ٱلۡبَحۡرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن مَّآءٖ فَأَحۡيَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٖ وَتَصۡرِيفِ ٱلرِّيَٰحِ وَٱلسَّحَابِ ٱلۡمُسَخَّرِ بَيۡنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ﴾ [البقرة:164] وفي سورة الأعراف: ﴿وَهُوَ ٱلَّذِي يُرۡسِلُ ٱلرِّيَٰحَ بُشۡرَۢا بَيۡنَ يَدَيۡ رَحۡمَتِهِۦ﴾ [الأعراف:57] وسورة الحجر: ﴿وَأَرۡسَلۡنَا ٱلرِّيَٰحَ لَوَٰقِحَ فَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَسۡقَيۡنَٰكُمُوهُ وَمَآ أَنتُمۡ لَهُۥبخازنين﴾ [الحِجر:22].

وفي سورة سبأ ﴿وَلِسُلَيۡمَٰنَ ٱلرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهۡرٞ وَرَوَاحُهَا شَهۡرٞۖ وَأَسَلۡنَا لَهُۥ عَيۡنَ ٱلۡقِطۡرِۖ وَمِنَ ٱلۡجِنِّ مَن يَعۡمَلُ بَيۡنَ يَدَيۡهِ بِإِذۡنِ رَبِّهِۦۖ وَمَن يَزِغۡ مِنۡهُمۡ عَنۡ أَمۡرِنَا نُذِقۡهُ مِنۡ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ﴾ [سبأ:12] استعملت كلمة (ريح) مع سليمان، لكنها لم تُخصص لشيء فجاءت عامة قد تكون للخير أو للشر؛ لأنّ الله سخّرها لسليمان يتصرف بها كيف يشاء.

السؤال الثالث:

هل من تفاصيل أكثر عن الريح والرياح في القرآن الكريم؟ وعن أسلوب كتابتها في المصحف؟

الجواب:

أولاً:

كلمة (ريح) اسم جنس إفرادي، قد تُجمع على رياح وأرياح وأرواح، مثل ماء يُجمع على مياه وأمواه.

ـ وجاءت في 29 موضعاً، منها 10 مواضع للرياح حسب ما يلي:

موضع واحد:( رياح) بالألف، أي: رياح. في قوله تعالى:﴿ وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَن يُرۡسِلَ ٱلرِّيَاحَ مُبَشِّرَٰتٖ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحۡمَتِهِۦ وَلِتَجۡرِيَ ٱلۡفُلۡكُ بِأَمۡرِهِۦ وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ﴾ [الروم: ٤٦].

وقد جاءت كلمة﴿ٱلرِّيَاحَ﴾ كاملة الحروف بدون أي نقص لتناسب ما وصفه الله لنا من كثرة فوائد الرياح؛ فهي مبشرات، وهي رحمة، وهي تسير الفلك، وهي فضل من الله؛ حتى نشكر الله على ذلك.

9 مواضع: (ريح) مع ألف صغيرة ﴿ ٱلرِّيَٰحَ﴾، وتقرأ (رياح) كما يمكن قراءتها (ريح).

14 موضعاً: (ريح ) بدون ألف صغيرة، وتقرأ (ريح) فقط.

5 مواضع: (ريح) في معانٍ إضافية للريح.

ثانياً:

كلمة (ريح) في القرآن الكريم تستعمل للشر كما في آيات: آل عمران [117 ] فصلت [16] القمر [19] الحج [31 ] الإسراء [69].

أمّا كلمة (رياح) فهي تستعمل في القرآن للخير كالرياح المبشرات، كما في الآيات: البقرة [164] الأعراف [57] الحجر [22] الجاثية[ 5]النمل[ 63 ] وهذه جاءت على صيغة ﴿ريح﴾ أي مع الألف الصغيرة وفي هذه الحالة يمكن قراءتها( ريح أو رياح).

أمّا الآية الوحيدة التي جاء رسمها بالألف (رياح) الروم[46] ﴿وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَن يُرۡسِلَ ٱلرِّيَاحَ مُبَشِّرَٰتٖ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحۡمَتِهِۦ وَلِتَجۡرِيَ ٱلۡفُلۡكُ بِأَمۡرِهِۦ وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ﴾ فقد جمع الرياح لتعدد الرحمات.

وفي آية واحدة جاءت كلمة: (بريح طيبة) في قوله تعالى: ﴿هُوَ ٱلَّذِي يُسَيِّرُكُمۡ فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِۖ حَتَّىٰٓ إِذَا كُنتُمۡ فِي ٱلۡفُلۡكِ وَجَرَيۡنَ بِهِم بِرِيحٖ طَيِّبَةٖ وَفَرِحُواْ بِهَا جَآءَتۡهَا رِيحٌ عَاصِفٞ وَجَآءَهُمُ ٱلۡمَوۡجُ مِن كُلِّ مَكَانٖ وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُمۡ أُحِيطَ بِهِمۡ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ لَئِنۡ أَنجَيۡتَنَا مِنۡ هَٰذِهِۦ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّٰكِرِينَ﴾ [يونس:22].

فقد جاءت كلمة ريح مع كلمة (طيبة) ـ بخلاف ما ذُكر أعلاه ـ لتتناسب مع سياق الآية فيما بعد ﴿جَآءَتۡهَا رِيحٌ عَاصِفٞ وَجَآءَهُمُ ٱلۡمَوۡجُ مِن كُلِّ مَكَانٖ﴾ [يونس:22] لأنّ خاتمتها غير حميدة؛ ولأنه أعقبها بالشر.

أمّا آية سورة سبأ فاستعملت كلمة (ريح ) مع سليمان عليه السلام، لكنها لم تخصص لشيء فجاءت عامة، فقد تكون للخير وقد تكون للشر؛ لأنّ الله سبحانه سخرها لسليمان يتصرف بها كيف يشاء.

ثالثاً:

آ ـ كلمة (ريح) جاءت في 14 موضعاً بدون ألف صغيرة، وهذه المواضع هي:

آل عمران [117 ] يونس [22 ] مرتان: القمر[ 19] الإسراء [69 ] إبراهيم [ 18] فصلت [16 ] الحج [31] الروم [51] الأحزاب [9] الشورى [33] الأحقاف [ 24] الذاريات [41] الحاقة [6].

ب ـ وجاءت مع ألف صغيرة ﴿ٱلرِّيَٰحَ﴾ في تسعة مواضع، وهي:

ـ البقرة [164] الأعراف [57] الحجر[22] الكهف [45] الفرقان [48] النمل [63] الروم[ 48 ] فاطر [ 9] الجاثية [5].

ج ـ جاءت بدون ألف صغيرة في خمسة مواضع بمعانٍ إضافية للريح، وهي:

يوسف [94] ﴿رِيحَ يُوسُفَۖ﴾.

الأنبياء [81] ﴿وَلِسُلَيۡمَٰنَ ٱلرِّيحَ﴾.

سبأ [12] ﴿وَلِسُلَيۡمَٰنَ ٱلرِّيحَ ﴾.

الأنفال [46] ﴿وَتَذۡهَبَ رِيحُكُمۡۖ﴾.

ص }36 { ﴿ فَسَخَّرۡنَا لَهُ ٱلرِّيحَ﴾.

وعندما يكون هناك ألف صغيرة على كلمة ﴿ٱلرِّيَٰحَ﴾ يمكن قراءتها (ريح) أو( رياح)،

لكن مع وجود الألف (رياح) لا يمكن قراءتها (ريح) بل (رياح).

السؤال الرابع:

ماتفسير هذه الآية الكريمة؟ وما دلالة وصف السحاب في الآية؟

الجواب:

في سورة البقرة وفي سياق تعداد نِعم الله سبحانه وتعالى، هناك نوع من التناسق في هذه الآيات، قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱلۡفُلۡكِ ٱلَّتِي تَجۡرِي فِي ٱلۡبَحۡرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن مَّآءٖ فَأَحۡيَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٖ وَتَصۡرِيفِ ٱلرِّيَٰحِ وَٱلسَّحَابِ ٱلۡمُسَخَّرِ بَيۡنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ﴾ [البقرة:164].

1ـ تذكر الآية جملة أمور مؤكدة بـ﴿إِنَّ﴾ [البقرة:164] ثم بعد ذلك تذكر الخبر ﴿لَأٓيَٰتٖ﴾ [البقرة:164].

2ـ عندنا إيمان أنّ الله تعالى خلق السموات والأرض لأجل الإنسان.

﴿وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ﴾ [البقرة:164] ليل ونهار يختلف، ليس نهاراً سرمداً ولا ليلاً سرمداً، بل تعاقب بين الليل والنهار وتنويع؛ لأنّ الماء إذا سكن في مكانه يفسد.

﴿وَٱلۡفُلۡكِ ٱلَّتِي تَجۡرِي فِي ٱلۡبَحۡرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ﴾: من رحمة الله سبحانه وتعالى أنْ جعل الإنسان يصنع أجساماً يسكن فيها وتطفو على الماء، وهذا ليس أمراً سهلاً لكننا ألِفناه، والوصول إليه هداية من الله تعالى، فهي إذن من نعم الله تعالى على الإنسان.

﴿وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن مَّآءٖ﴾: كل ما يتناوله الإنسان والنبات والحيوان مما مصدره السحاب، فهذا الماء في الأرض ماء يرتفع إلى السماء فيطهر فينزل طاهراً، حتى الجبال التي فيها ثلج هي في أصلها من هذا السحاب المرتفع وليس ثلجاً ابتداءً لكنه من هذا الذي يتبخر، والسماء هو العلوّ وكل ما علاك فهو سماء.

﴿فَأَحۡيَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَا﴾: والأرض من غير ماء ميتة.

﴿وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٖ﴾: المقصود هذه الدواب التي على الأرض بسبب الماء أيضاً.

﴿وَتَصۡرِيفِ ٱلرِّيَٰحِ﴾: السفن تتحرك بالرياح، والسحاب يتحرك بالرياح، ولذلك أكّده ﴿وَٱلسَّحَابِ ٱلۡمُسَخَّرِ﴾ [البقرة:164] يعني هو مهيأ ومُعدّ لكم، وإنما الله تعالى سخّره بين السماء والأرض، كل هذا ﴿لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ﴾ [البقرة:164].

9ـ وكلمة (سحاب) هي اسم جنس جمعي، لفظ مفرد ولكنْ معناه معنى جمع وليس له واحد من لفظه، والسحابة هي القطعة من السحاب لكن ليست كل واحدة من السحاب هي قطعة، والقطعة مجزّأة تماماً مثل كلمة ماء؛ لأنّ الماء اسم جنس جمعي ليس له واحد من لفظه.

واسم جنس يعني لحالة معينة خاصة به: السحاب للسحاب، والماء للماء لهذا الجنس، مثل كلمة رجل جنس لهذا المخلوق.

والسحاب يُذكّر ويؤنّث، فالعرب تقول: هذا السحاب، وتقول: هذه السحاب، ظهر السحاب وظهرت السحاب، لكنّ الإحالة عليه بالضمير بالمفرد المذكّر؛ يعني تقول: السحاب رأيته ولا تقول: السحاب رأيتها، فإذا جمعتَه على سُحُب تؤنّث، تقول: السحب رأيتها، ولا تقول: رأيته للجمع، كما تقول: الشجر سقيته، هذا أيضاً اسم جمع إفرادي: الأشجار سقيتها.

10ـ هناك (ماء) في العربية وهناك ( ماءة )، ويفرّق بينها وبين واحده بالتاء، كلمة ( ماءة ) يعني: الواحد من الماء، عادة يطلقونها على الماء المتبقي مثل الغدران، ولا سيما إذا خصت إحدى القبائل نفسها بها، فيقولون: هذه ماءة لبني فلان.

السؤال الخامس:

ما الفرق بين ﴿بَعۡدَ مَوۡتِهَا﴾ و﴿مِنۢ بَعۡدِ مَوۡتِهَا﴾ في القران الكريم في الآيات [البقرة 164، و العنكبوت 63،و الروم 50 ]؟

الجواب:

استعراض الآيات:

آية العنكبوت: ﴿وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَحۡيَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ مِنۢ بَعۡدِ مَوۡتِهَا لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُۚ قُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ﴾ [العنكبوت:63].

آية الروم: ﴿فَٱنظُرۡ إِلَىٰٓ ءَاثَٰرِ رَحۡمَتِ ٱللَّهِ كَيۡفَ يُحۡيِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَآۚ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ﴾ [الروم:50].

البيان:

1ـ التعبير ﴿بَعۡدَ مَوۡتِهَا﴾ يفيد البعدية القريبة والبعيدة.

2ـ والتعبير ﴿مِنۢ بَعۡدِ مَوۡتِهَا﴾ فهي للبعدية القريبة فقط دون البعيدة و(من) للابتداء.

3ـ ورد التعبير ﴿بَعۡدَ مَوۡتِهَا﴾ في القرآن الكريم كله من دون (من) في تسعة مواطن، وهي: البقرة [164] البقرة[259] النحل[65] الروم [19] الروم [24] الروم[50] فاطر [9] الجاثية [5] الحديد [17].

بينما ذكر التعبير: ﴿مِنۢ بَعۡدِ مَوۡتِهَا﴾ في موطن واحد، وهو آية العنكبوت [63].

4ـ والسبب أنّ آية العنكبوت تدور حول المشركين الذين يشركون بالله ويعبدون معه آلهة أخرى، وهي تعجب من عقولهم وإظهار لمقدار باطلهم وتفكيرهم، في حين لو سألتهم: ﴿وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَسَخَّرَ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُۖ﴾ [العنكبوت:61].

لذلك أدخل (من) في هذا الموطن للدلالة على مقدار قدرة الله وعظمتها وذلك أنّ قوله: (أحيا الأرض بعد موتها) يحتمل الزمن بعد الموت بمدة قريبة أو بعيدة.

ولكنّ قوله: ﴿فَأَحۡيَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ مِنۢ بَعۡدِ مَوۡتِهَا﴾ [العنكبوت:63] معناه الإحياء بعد الموت بلا مهلة ولا فاصل، أي: أنّ الله قادر على أنْ يحي الميت فوراً بلا مهلة، وهذا أدل على قدرة الله، وإنْ كان كلاهما من قدرة الله وحده، وقد جاء بـ (من) في هذا المقام للدلالة على أنهم يشاهدون ذلك ويقرون أنّ الله يحي الأرض من الموت بلا مهلة.

السؤال السادس:

ما دلالة رسم ﴿وَٱخۡتِلَٰفِ﴾ بدون ألف وسطية في قوله تعالى: ﴿وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ﴾؟

الجواب:

وردت ﴿وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ﴾ خمس مرات في القرآن الكريم كله، وذلك في الآيات:[ البقرة 164 ـ آل عمران 190 ـ يونس 6 ـ المؤمنون 80 ـ الجاثية 5 ] وكلها بدون ألف وسطية في كلمة﴿وَٱخۡتِلَٰفِ﴾،ويوحي ذلك إلى الارتباط بين الليل والنهار معاً في نفس الوقت، وتداخلهما، وإيلاج الليل في النهار وايلاج النهار في الليل، ويفسر تلك الظواهر الكونية من حيث القرب والارتباط والاستمرار والتداخل. والله أعلم.

السؤال السابع:

ما دلالات هذه الآية؟

الجواب:

1 ـ هذه الآية ذكرت ثمانية أدلة من دلائل التوحيد نشاهدها في الكون الذي حولنا.وهي: السماوات ـ الأرض ـ اختلاف الليل والنهار ـ الفلك التي تجري في البحر لمنفعة العباد ـ نعمة الماء النازل من السماء ـ كلّ ما دبّ على وجه الأرض هو من خلق الله ـ تصريف الرياح ـ تصريف السحاب.

2ـ هذه الآية حثّ صريح على وجوب التأمل والتفكر والتدبر، وقد أكدّ الله ذلك بقوله: ﴿لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ﴾ بتأكيد اللام التي تسمى المزحلقة نحوياً.

3ـ الآية فيها إشارة إلى علم الفلك، والطبيعة، والجغرافيا، وعلم الفضاء، وعلم الأرض، وعلم النبات والحيوان، وعلم البحار والمعادن، وغير ذلك ليلفتنا ربنا إلى قدرته ووحدانيته وبديع صنعه.

4 ـ هذه الآية دعوة للتأمل والنظر في هذا الكون، وإعمال العقل في آثار صنع الله تعالى، للاستدلال على وحدانيته ووجوب التوجه إليه وحده في العبادة.

5 ـ للعلم فقد جاءت مثل هذه الدلائل أيضاً في سورة إبراهيم في الآيتين: ( 32 ـ 33 ).

6 ـ هل كلمة ( الفُلك ) مذكر أو مؤنث وكيف نجمعها؟ والجواب: لفظ ( الفُلك ) تطلق على المفرد والمثنى والجمع والمؤنث على حد سواء. نقول: هذا فُلك، وهذه فُلك، وهذان فُلك، وهاتان فُلك، فإذا أريد به واحدًا ذكَّر، كقوله تعالى: ﴿فِي ٱلۡفُلۡكِ ٱلۡمَشۡحُونِ٤١﴾ [ يس:41 ]، وإذا أريد به الجمع أنّثَ، كقوله تعالى: ﴿وَٱلۡفُلۡكِ ٱلَّتِي تَجۡرِي فِي ٱلۡبَحۡرِ﴾ [ البقرة:164 ] فأنّثَ ويحتمل الإفراد والجمع، وقوله تعالى: ﴿حَتَّىٰٓ إِذَا كُنتُمۡ فِي ٱلۡفُلۡكِ وَجَرَيۡنَ بِهِم﴾ [ يونس:22 ] فأنّثَ وجمع. والله أعلم.

جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين