مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (121)

( ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ١٤٧) [البقرة:147]

السؤال الأول:

قال تعالى في هذه الآية من سورة البقرة [147] وفي آية الأنعام [114] وآية يونس [95]: (فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ١٤٧) بينما قال في آية آل عمران [60] :( فَلَا تَكُن مِّنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ٦٠) [آل عمران:60] فما دلالة ذلك؟

الجواب:

القاعدة اللغوية:

يستعمل القرآن الكريم نون التوكيد بهدف التوكيد فيضعها في المكان الذي يحتاج إلى توكيد أكثر .

وهنا أكد الفعل (تكونن) في آية البقرة والأنعام ويونس دون آية آل عمران؛ وذلك لأنّ المقام يقتضي التوكيد في كل موطن أكّد؛ وبيان ذلك :

أولاً ـ الآيات :

آيات البقرة: 142ـ147:

(۞سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلَّىٰهُمۡ عَن قِبۡلَتِهِمُ ٱلَّتِي كَانُواْ عَلَيۡهَاۚ قُل لِّلَّهِ ٱلۡمَشۡرِقُ وَٱلۡمَغۡرِبُۚ يَهۡدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ١٤٢ وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَٰكُمۡ أُمَّةٗ وَسَطٗا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيۡكُمۡ شَهِيدٗاۗ وَمَا جَعَلۡنَا ٱلۡقِبۡلَةَ ٱلَّتِي كُنتَ عَلَيۡهَآ إِلَّا لِنَعۡلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيۡهِۚ وَإِن كَانَتۡ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُۗ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَٰنَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٞ١٤٣ قَدۡ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجۡهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبۡلَةٗ تَرۡضَىٰهَاۚ فَوَلِّ وَجۡهَكَ شَطۡرَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِۚ وَحَيۡثُ مَا كُنتُمۡ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ شَطۡرَهُۥۗ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ لَيَعۡلَمُونَ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّهِمۡۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا يَعۡمَلُونَ١٤٤ وَلَئِنۡ أَتَيۡتَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ بِكُلِّ ءَايَةٖ مَّا تَبِعُواْ قِبۡلَتَكَۚ وَمَآ أَنتَ بِتَابِعٖ قِبۡلَتَهُمۡۚ وَمَا بَعۡضُهُم بِتَابِعٖ قِبۡلَةَ بَعۡضٖۚ وَلَئِنِ ٱتَّبَعۡتَ أَهۡوَآءَهُم مِّنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ إِنَّكَ إِذٗا لَّمِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ١٤٥ ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ يَعۡرِفُونَهُۥ كَمَا يَعۡرِفُونَ أَبۡنَآءَهُمۡۖ وَإِنَّ فَرِيقٗا مِّنۡهُمۡ لَيَكۡتُمُونَ ٱلۡحَقَّ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ١٤٦ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ١٤٧ )

آيات الأنعام 111ـ 116:

(وَلَوۡ أَنَّنَا نَزَّلۡنَآ إِلَيۡهِمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَحَشَرۡنَا عَلَيۡهِمۡ كُلَّ شَيۡءٖ قُبُلٗا مَّا كَانُواْ لِيُؤۡمِنُوٓاْ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ يَجۡهَلُونَ١١١ وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّٗا شَيَٰطِينَ ٱلۡإِنسِ وَٱلۡجِنِّ يُوحِي بَعۡضُهُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٖ زُخۡرُفَ ٱلۡقَوۡلِ غُرُورٗاۚ وَلَوۡ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُۖ فَذَرۡهُمۡ وَمَا يَفۡتَرُونَ١١٢ وَلِتَصۡغَىٰٓ إِلَيۡهِ أَفۡ‍ِٔدَةُ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ وَلِيَرۡضَوۡهُ وَلِيَقۡتَرِفُواْ مَا هُم مُّقۡتَرِفُونَ١١٣ أَفَغَيۡرَ ٱللَّهِ أَبۡتَغِي حَكَمٗا وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡكِتَٰبَ مُفَصَّلٗاۚ وَٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ يَعۡلَمُونَ أَنَّهُۥ مُنَزَّلٞ مِّن رَّبِّكَ بِٱلۡحَقِّۖ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ١١٤ وَتَمَّتۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدۡقٗا وَعَدۡلٗاۚ لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِهِۦۚ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ١١٥ وَإِن تُطِعۡ أَكۡثَرَ مَن فِي ٱلۡأَرۡضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَإِنۡ هُمۡ إِلَّا يَخۡرُصُونَ١١٦ )

آيات يونس 94 ، 95:

﴿فَإِن كُنتَ فِي شَكّٖ مِّمَّآ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ فَسۡ‍َٔلِ ٱلَّذِينَ يَقۡرَءُونَ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكَۚ لَقَدۡ جَآءَكَ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ٩٤ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ٩٥)

آيات آل عمران 59ـ60:

(إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَۖ خَلَقَهُۥ مِن تُرَابٖ ثُمَّ قَالَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ٥٩ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُن مِّنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ٦٠)

ثانياً ـ البيان :

1ـ آية البقرة في تبديل القبلة وما صاحب ذلك من إرجاف وأقاويل وإعلان حرب نفسية على المسلمين حتى ارتد بعض ضعاف الإيمان، انظر الآيات: 143-144، ثم ذكر أنّ أهل الكتاب لن يتوجهوا إلى قبلة المسلمين مهما جئتهم بالبينات والحجج الواضحة، ثم قرّر أنّ هذا هو الحق الذي لا مرية فيه، فاحتاج كل ذلك إلى التوكيد، فقال: (ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ١٤٧) [البقرة:147] .

ـ وتقدمها كذلك في آية البقرة: 144 (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبۡلَةٗ تَرۡضَىٰهَاۚ ) فناسب (فَلَا تَكُونَنَّ) فأوجب الازدواج إدخال النون في الكلمة فيصير التقدير :فلنولينك قبلة ترضاها فلا تكونن من الممترين ، والخطاب في الآيتين للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد به غيره.

2ـ سياق آية الأنعام في تكذيب الرسول وعدم الإيمان به، انظر الآيات 111 و 116 ، فاحتاج المقام إلى توكيد أنه على الحق وأنه عليه ألا يكون من الممترين فقال: (فَلَا تَكُونَنَّ) .

3ـ آية يونس : لمّا قال: (فَإِن كُنتَ فِي شَكّٖ) احتاج إزالة الشك إلى التوكيد، ثم انظر إلى المؤكدات في السياق:

آ ـ التوكيد باللام وقد : (لَقَدۡ جَآءَكَ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ) .

ب ـ التوكيد بالنون :(فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ٩٤) وقوله: (وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِ) .

ج ـ التوكيد بـ(إنّ) في قوله تعالى: (إنَّ ٱلَّذِينَ حَقَّتۡ عَلَيۡهِمۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ٩٦ ) [يونس:96] فاقتضى ذلك التوكيد، إذ السياق كله مؤكد.

4ـ أمّا في آية آل عمران فليس الأمر كذلك، فقد قال: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَۖ خَلَقَهُۥ مِن تُرَابٖ ثُمَّ قَالَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ٥٩ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُن مِّنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ٦٠) [آل عمران:59-60] فلم يحتج الموطن إلى توكيد .

السؤال الثاني:

ما دلالة هذه الآية؟

الجواب:

وجّه الله سبحانه الخطاب لرسوله عليه السلام، والمُراد منه الثقلين الإنس والجن، في كل زمان ومكان، مؤكداً أنّ محمداً هو رسول الله صدقاً وعدلاً، فلا يحصل لكم أيها المؤمنون أي ريبة، ولا تختلفوا كما اختلفت اليهود والنصارى في أمر القبلة، حيث اليهود يستقبلوا بيت المقدس، والنصارى تستقبل مطلع الشمس، وأنت يا محمد تتوجه إلى الكعبة، فلا ترجو موافقتهم لك، والزم قبلتك التي أُمرت بها فإنها الحق .والله أعلم .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين