مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (116)

(سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلَّىٰهُمۡ عَن قِبۡلَتِهِمُ ٱلَّتِي كَانُواْ عَلَيۡهَاۚ قُل لِّلَّهِ ٱلۡمَشۡرِقُ وَٱلۡمَغۡرِبُۚ يَهۡدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ) [البقرة: 142]

السؤال الأول:

ما فائدة وصفهم بأنهم(مِنَ ٱلنَّاسِ) طالما كان ذلك معلوماً؟

الجواب:

السفهاء جمع سفيه، وهو صفة مشبّهة تدل على أنّ السفه غدا سجيّة من سجايا الموصوف، وهذه الصفة لا تُطلق إلا على الإنسان، فلِمَ قال تعالى: (سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ) [البقرة:142] ولم يكتف بـ (سيقول السفهاء)؟ وما فائدة وصفهم بأنهم من الناس طالما كان ذلك معلوماً ؟

إنّ فائدة وصف السفهاء بأنهم من الناس - مع كون ذلك معلوماً - هو التنبيه على بلوغهم الحد الأقصى من السفاهة بحيث لا يوجد في الناس سفهاء غير هؤلاء، وإذا قُسِّم الناس أقساماً يكون هؤلاء قسم السفهاء، وفي هذا إيماء إلى أنه لا سفيه غيرهم للمبالغة في وسمهم بهذه السمة.

ومنذ القدم والناس مراتب.. أصحاب عقول راجحة، ومتوسطي التفكير، وسفهاء، وأشدهم أذى السفهاء: ألسن حادة وعقول خالية.

السؤال الثاني:

ما دلالات هذه الآية؟

الجواب:

1ـ قوله تعالى : (سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ) اللفظ للمستقبل ، وهو إخبار من الرسول عليه السلام عن ربه فيكون إعجازاً لأنه غيب ، ويكون الجواب حاضراً حين يسمع النبي عليه السلام قول السفهاء فيرد عليهم مباشرة ، ولم يقل : (سيقولون) إظهاراً للوصف الذي استخفهم ، لأنّ السفيه يعمل بغير دليل . و ( السفه ) ضد الحلم وأصله الخفة والطيش.

وقد أعلم الله سبحانه رسوله الكريم عليه السلام بالأمر مسبقاً في سياق تعداد نعمه عليه بما سيحدث من سفهاء الناس وجهّالهم وضعفاء العقول ممن سيعترض على ذلك من لا يعرف مصلحة نفسه ممن اتصف بالسفه والجهل والعناد وقلة العقل .

(ٱلسُّفَهَآءُ) : لفظ عموم دخل عليه الألف واللام ، ويدخل فيه كل من اتصف بالسفه من اليهود ومشركي العرب والمنافقين .

3 ـ ( القِبلة ) هي الجهة التي يستقبلها الإنسان ، وهي من المقابلة ، وإنما سُميت القِبلةُ قِبلةً لأنّ المصلي يقابلها وتقابله .

4ـ قوله تعالى : (مَا وَلَّىٰهُمۡ عَن قِبۡلَتِهِمُ) هو استفهام على جهة الاستهزاء والتعجب ، ويقصدون بذلك تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة .

5 ـ قوله تعالى : (قُل لِّلَّهِ ٱلۡمَشۡرِقُ وَٱلۡمَغۡرِبُۚ) هو الجواب الأول عن تلك الشبهة ، وتقريره أنّ الجهات كلها لله مُلكاً ومِلكاً ، فلا يستحق منها لذاته لأنْ يكون قبلة ، بل إنما تصير قبلة لأنّ الله جعلها قبلة ، وإذا كان الأمر كذلك فلا اعتراض عليه بالتحويل من جهة إلى أخرى ، ولا يجب تعليل أحكام الله تعالى البتة ، وفي هذا إشعار بأنّ الشأن في هذا كله لله في امتثال أوامره فحيثما وجّهَنا توجّهنا .والمؤمن يتلقى أحكام الله بالقبول والتسليم والانقياد .قال تعالى : (وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٖ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمۡرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡۗ ) [الأحزاب:36] .

6 ـ قوله تعالى : (يَهۡدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ١٤٢) الله سبحانه يدلّ على ما هو أصلح للعبادة والصراط المستقيم مما يؤدي بصاحبه إلى الجنة .

7 ـ الآية رقم ( 142 ) ذكرت المخالفة الواحدة والثلاثين (31 ) لليهود التي ذكرها الله تعالى في سورة البقرة من أصل (32 ) مخالفة ، وهي تحمل مضمون : التشكيك في الإسلام بسبب تحويل القبلة.والله أعلم .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين