مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (104)

(وَإِذۡ يَرۡفَعُ إِبۡرَٰهِ‍ۧمُ ٱلۡقَوَاعِدَ مِنَ ٱلۡبَيۡتِ وَإِسۡمَٰعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلۡ مِنَّآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ)[ البقرة: 127 ]

السؤال الأول:

ما فائدة الضمير (أَنتَ) في الآية؟

الجواب:

جاء الخبر(ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ) معرفةً، ووقع بين (إِنَّكَ) والخبر (ٱلسَّمِيعُ) ضمير الفصل (أَنتَ) بقصد المبالغة في كمال الوصفين السميع والعليم له سبحانه وتعالى، ولينزَل سمع وعلم غيره منزلة العدم، ألا ترى أنك لو قلت لرجل: أنت سامع، إذا أردت أنه أحد السامعين، أما إذا عرّفت فقلت: أنت السامع، فهذا يعني أنه السامع لا غيره.

السؤال الثاني:

هل يُضمَرُ القول في القرآن الكريم؟ وما حالات إضمار القول؟

الجواب:

1ـ الأصل أنْ يُذكر فعل القول والمقول، كقوله تعالى: (قَالَ إِنِّي عَبۡدُ ٱللَّهِ) [مريم:30] (قَالَ) هي فعل القول، و (إِنِّي عَبۡدُ ٱللَّهِ) هي المقول.

2ـ قد يُحذف فعل القول ويُذكر القول، كقوله تعالى في آية التوبة والبقرة:

ـ (نَّظَرَ بَعۡضُهُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٍ هَلۡ يَرَىٰكُم مِّنۡ أَحَدٖ) [التوبة:127] أي: يقولون: (هَلۡ يَرَىٰكُم مِّنۡ أَحَدٖ) [التوبة:127] ولم يذكر فعل القول.

ـ (وَإِذۡ يَرۡفَعُ إِبۡرَٰهِ‍ۧمُ ٱلۡقَوَاعِدَ مِنَ ٱلۡبَيۡتِ وَإِسۡمَٰعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلۡ مِنَّآۖ ) [البقرة:127] أي: يقولون: ربنا تقبل منا، بدون ذكر فعل القول.

3ـ قد يُذكر فعل القول ويُحذف المقول، كقوله تعالى في آية يونس:

ـ (قَالَ مُوسَىٰٓ أَتَقُولُونَ لِلۡحَقِّ لَمَّا جَآءَكُمۡۖ أَسِحۡرٌ هَٰذَا) [يونس:77] ؛ وبيان ذلك:

آـ قال موسى: أتقولون للحق لمّا جاءكم، هنا فعل القول والمقول من موسى عليه السلام لقومه، بمعنى: أي ما تقولون في الحق الذي جئت به؟

ب ـ ثم بعد أنْ ذكر فعل القول لقوم موسى وهو (أَتَقُولُونَ) [يونس:77] حذف عنه المفعول به وهو مقولهم لدلالة الحال عليه.

ج ـ ثم قال مرة أخرى: (أَسِحۡرٌ هَٰذَا) [يونس:77] وهذا استفهام على سبيل الإنكار، ثم احتج على أنه ليس بسحر في قوله: (وَلَا يُفۡلِحُ ٱلسَّٰحِرُونَ) [يونس:77].

4ـ قد يُذكر مقولان لقائلين مختلفين ويُحذف الفعل لواحد منهما، كقوله تعالى:

ـ (ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ ظَالِمِيٓ أَنفُسِهِمۡۖ فَأَلۡقَوُاْ ٱلسَّلَمَ مَا كُنَّا نَعۡمَلُ مِن سُوٓءِۢۚ بَلَىٰٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ) [النحل:28] ففي الآية مقولان:

آـ (مَا كُنَّا نَعۡمَلُ مِن سُوٓءِۢۚ) [النحل:28] وهذا مقول الظالمي أنفسهم، وذكر فعل القول (ألقوا) أي: أسلموا وأقروا بالعبودية عند الموت، فقالوا: ما كنا نعمل من سوء، والمراد بالسوء هنا: الشرك.

ب ـ (إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ) [النحل:28] وهذا مقول الملائكة رداً عليهم وتكذيباً، وأُدمج المقولان، وهو مفهوم من السياق.

5ـ أن يُذكر فعل القول ومقوله، ثم يدمجه مع مقول آخر.

شواهد قرآنية:

آية يوسف: [51ـ52]:

ـ (قَالَتِ ٱمۡرَأَتُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡـَٰٔنَ حَصۡحَصَ ٱلۡحَقُّ أَنَا۠ رَٰوَدتُّهُۥ عَن نَّفۡسِهِۦ وَإِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ٥١ ذَٰلِكَ لِيَعۡلَمَ أَنِّي لَمۡ أَخُنۡهُ بِٱلۡغَيۡبِ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي كَيۡدَ ٱلۡخَآئِنِينَ) [يوسف: 51 - 52] وتفصيل ذلك:

آ ـ (قَالَتِ ٱمۡرَأَتُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡـَٰٔنَ حَصۡحَصَ ٱلۡحَقُّ أَنَا۠ رَٰوَدتُّهُۥ عَن نَّفۡسِهِۦ وَإِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ) [يوسف:51] في الآية فعل القول: قالت، ومقولها: أنا راودته.

ب ـ (ذَٰلِكَ لِيَعۡلَمَ أَنِّي لَمۡ أَخُنۡهُ بِٱلۡغَيۡبِ) [يوسف:52] هذا مقول يوسف عليه السلام عند أكثر المفسرين.

آية النمل[34]:

ـ (قَالَتۡ إِنَّ ٱلۡمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرۡيَةً أَفۡسَدُوهَا وَجَعَلُوٓاْ أَعِزَّةَ أَهۡلِهَآ أَذِلَّةٗۚ) [النمل:34] وهذا كلام بلقيس، ثم إنه تعالى قال: (وَكَذَٰلِكَ يَفۡعَلُونَ) [النمل:34].

آية آل عمران [9]:

ـ (رَبَّنَآ إِنَّكَ جَامِعُ ٱلنَّاسِ لِيَوۡمٖ لَّا رَيۡبَ فِيهِۚ) [آل عمران:9] هذا كلام الداعي، ثم قال: (إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُخۡلِفُ ٱلۡمِيعَادَ) [آل عمران:9].

6ـ أنْ يُذكر فعل القول ولا يُذكر المقول، بل يُذكر فحواه، كقوله تعالى:

ـ (قُل لِّعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ) [إبراهيم:31] أي: أقيموا الصلاة، وهذا فحوى القول.

ـ (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ ٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ) [الإسراء:53] أي: يقولوا القول الحسن.

والله أعلم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين