مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (103)

 

(وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِ‍ۧمُ رَبِّ ٱجۡعَلۡ هَٰذَا بَلَدًا ءَامِنٗا وَٱرۡزُقۡ أَهۡلَهُۥ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ مَنۡ ءَامَنَ مِنۡهُم بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُۥ قَلِيلٗا ثُمَّ أَضۡطَرُّهُۥٓ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ١٢٦)[ البقرة: 126 ]

 

السؤال الأول:

 

ما الفرق بين قوله تعالى: (رَبِّ ٱجۡعَلۡ هَٰذَا بَلَدًا ءَامِنٗا) [البقرة:126] وقوله تعالى: (رَبِّ ٱجۡعَلۡ هَٰذَا ٱلۡبَلَدَ ءَامِنٗا) [إبراهيم:35]؟

الجواب:

الآية الأولى هي دعاء سيدنا إبراهيم قبل أنْ تكون مكة بلداً، فجاء بصيغة التنكير (بَلَدًا) [البقرة:126]، أمّا الآية الثانية فهي دعاء سيدنا إبراهيم بعد أنْ أصبحت مكة بلداً معروفاً فجاء بصيغة التعريف في قوله: (ٱلۡبَلَدَ) [إبراهيم:35].

في الآية الثانية المكان صار بلداً وصار فيه ناس، بل أكثر من ذلك جاء إليه من يعبد الأصنام، وقوله تعالى: (وَٱجۡنُبۡنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعۡبُدَ ٱلۡأَصۡنَامَ) [إبراهيم:35] معناه: أنّ هناك في البلد من القبائل أو من الأعراب الذين سكنوا مع هاجر من كانوا يعبدون الأصنام، فلا يريد لذريته أنْ يتأثروا بهؤلاء فانصب الطلب على الأمن ودفع عبادة الأصنام.

السؤال الثاني:

قوله تعالى في البقرة قال: (ثُمَّ أَضۡطَرُّهُۥٓ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ) [البقرة:126] بضمير المفرد وفي آية لقمان: 24 بالجمع (نُمَتِّعُهُمۡ قَلِيلٗا ثُمَّ نَضۡطَرُّهُمۡ إِلَىٰ عَذَابٍ غَلِيظٖ) [لقمان:24] فما الفرق بينهما؟

الجواب:

حتى نفهم المسألة نقرأ سياق آية البقرة؛ لأنّ السياق هو الذي يوضّح (وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِ‍ۧمُ رَبِّ ٱجۡعَلۡ هَٰذَا بَلَدًا ءَامِنٗا وَٱرۡزُقۡ أَهۡلَهُۥ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ مَنۡ ءَامَنَ مِنۡهُم بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُۥ قَلِيلٗا ثُمَّ أَضۡطَرُّهُۥٓ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ) [البقرة:126] إذن آية البقرة في مكة، وأمّا آية لقمان فهي عامة (نُمَتِّعُهُمۡ قَلِيلٗا) [لقمان:24] كلام عام، وليس في بلد معين ولا لأناس معيَّنين.

1ـ آية البقرة هي دعاء على لسان سيدنا إبراهيم عليه السلام لأهل مكة قبل أنْ توجد حيث ذكر (بَلَدًا)، وأمّا آية لقمان فهي عامة و ليست في بلد معين أو أناس معينين، لذلك نجد أنَّ:

آ ـ في آية لقمان حيث توجد الكثرة النسبية جاء فيها بالجمع(نُمَتِّعُهُمۡ) [لقمان:24] (نَضۡطَرُّهُمۡ) [لقمان:24].

ب ـ وفي آية البقرة العدد أقل نسبياً، فجاء بضمير الإفراد (أَضۡطَرُّهُۥ) [البقرة:126] والله هو صاحب البيت (أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ) [البقرة:125] وهو يتولى العذاب.

2ـ في آية البقرة جاء فيها قوله تعالى: (وَٱرۡزُقۡ أَهۡلَهُۥ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ) [البقرة:126] وهذا هوطلب الرزق كنوع من التمتيع، وهذا ليس في التبليغ؛ لذلك عندما قال: (وَمَن كَفَرَ) [البقرة:126] كان الجواب (فَأُمَتِّعُهُۥ قَلِيلٗا) [البقرة:126].

وأمّا في آية لقمان فقال: (وَمَن كَفَرَ) و(نُمَتِّعُهُمۡ قَلِيلٗا) و(نَضۡطَرُّهُمۡ) كلها بالجمع؛ لأنها تخص التبليغ والدعوة.

3ـ قال في آية لقمان: (إِلَىٰ عَذَابٍ غَلِيظٖ) وفي البقرة: (إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِۖ ) [البقرة:126] والثانية فيها حرق فهي أشد من (إِلَىٰ عَذَابٍ غَلِيظٖ) فقد يكون بعصا غليظة مثلاً، والسبب في ذلك أنّ آية البقرة هي في أهل مكة، وفي مكة قد تتضاعف السيئات كما تتضاعف الحسنات، فالمعاصي فيها أكبر ذنباً والعذاب بسبب ذلك أشد؛ لأنّ من أساء في مكة ليس كمن أساء في غيرها، ولذلك شدّد العذاب فقال: (عَذَابِ ٱلنَّارِۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ) [البقرة:126]. والله أعلم.

4ـ وفي القرآن يراعي هذا الشيء، نحو قوله تعالى: (وَمِنۡهُم مَّن يَسۡتَمِعُونَ إِلَيۡكَۚ أَفَأَنتَ تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ وَلَوۡ كَانُواْ لَا يَعۡقِلُونَ) [يونس:42] الذين يستمعون أكثر من الذين ينظرون، فقال: يستمعون، هذه تسمى مناسبة، وهذا ما جعل المفعول في لقمان بالجمع، وفي البقرة بالمفرد.

السؤال الثالث:

جاء في الآية لفظة النداء (رَبِّ) [البقرة:126] وفي آيات كثيرة (رَبَّنَا) فهل من معانٍ لهذا النداء؟

الجواب:

1ـ كلمة (رَبَّنَا) هي منادى بإسقاط حرف النداء، والمنادى هو طلب الإقبال، وهو اسم يقع بعد أداة من أدوات النداء، وأدوات النداء تختلف باختلاف المسافة بينك وبين المنادى.

آ ـ فإذا كان المنادى بجوارك تقول: محمدٌ افعل كذا، أي:بدون أداة نداء.

ب ـ فإنْ كان بعيداً قليلاً تقول: أمحمدُ، أي: باستعمال الهمزة.

ج ـ فإنْ كان أبعد من سابقه تقول: يا محمد، أي: باستعمال الياء.

د ـ فإنْ كان أبعد من سابقه تقول: أيا محمد، أي: باستعمال الهمزة والياء.

2ـ إذا أضيف المنادى إلى ياء المتكلم، جاز حذف الياء والاستغناء عنها بالكسرة، نحو قوله تعالى: (وَقُل رَّبِّ زِدۡنِي عِلۡمٗا) [طه:114].

3ـ قد يأتي المنادى ويحذف حرف النداء، كقوله تعالى: (رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٞ رَّحِيمٌ) [الحشر:10].

وأنت أيها المؤمن حين تنادي ربك وإنْ لم تكن أنت قريباً من الله فالله قريب منك، ولذلك لا تستخدم أداة النداء لا للقريب ولا للبعيد، ويكفي في هذا القرب قول الله تعالى: (وَنَحۡنُ أَقۡرَبُ إِلَيۡهِ مِنۡ حَبۡلِ ٱلۡوَرِيدِ) [ق:16].

وقد ورد في القرآن الكريم لفظ (رَبِّ) كمنادى في خمس وستين آية بدون أداة نداء، أولها في سورة البقرة في الآية [126] على لسان سيدنا إبراهيم عليه السلام (وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِ‍ۧمُ رَبِّ ٱجۡعَلۡ هَٰذَا بَلَدًا ءَامِنٗا) [البقرة:126] إلى قول نوح عليه السلام في سورة نوح: (رَّبِّ ٱغۡفِرۡ لِي وَلِوَٰلِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيۡتِيَ مُؤۡمِنٗا وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۖ) [نوح:28].

والله قريب منا بالفعل، وإنْ حدث بُعدٌ فمنك أنت أيها العبد، وأكثر ما يكون العبد قرباً من الله حين يكون مضطراً حتى إنْ كان بعيداً عن الله قبل الاضطرار.

وفي آيتين فقط من كتاب الله نودي الربُّ تبارك وتعالى بأداة النداء، وهذان الموضعان حكاية عن كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهما:

(وَقَالَ ٱلرَّسُولُ يَٰرَبِّ إِنَّ قَوۡمِي ٱتَّخَذُواْ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ مَهۡجُورٗا) [الفرقان:30].

(وَقِيلِهِۦ يَٰرَبِّ إِنَّ هَٰٓؤُلَآءِ قَوۡمٞ لَّا يُؤۡمِنُونَ) [الزُّخرُف:88] والسؤال لماذا لم تأتِ أداة النداء إلا من سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم في نداء ربه؟

والجواب: أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان شديد الحرص على هداية قومه ونصرة دعوته حتى خاطبه ربه بقوله: لَعَلَّكَ بَٰخِعٞ نَّفۡسَكَ أَلَّا يَكُونُواْ مُؤۡمِنِينَ  [الشعراء:3].

وقد مرّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بمواقف صعبة لدرجة جعلته يستبطىء نصر الله، كما قال سبحانه في سورة البقرة الآية [214]: وَزُلۡزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ مَتَىٰ نَصۡرُ ٱللَّهِۗ أَلَآ إِنَّ نَصۡرَ ٱللَّهِ قَرِيبٞ٢١٤ [البقرة: ٢١٤] فخاف صلى الله عليه وآله وسلم أنْ يكون بعُدَ عن ربه، وهذا البعد ما هو إلا مظنة من رسول الله أو اتهامٌ للنفس فلمّا ذهب صلى الله عليه وآله وسلم يدعو ربه ويشتكي إليه أنّ قومه هجروا القرآن نادى ربه من منزلة البعيد، فقال:(يا رب)، وكأنه صلى الله عليه وآله وسلم ظن في نفسه التقصير أو الفشل، ورأى أنّ ذلك يُبعده عن ربه، لكنّ الله تعالى أنصفه وأكد نداءه، بل وأقسم به فقال الحق عز وجل: (وَقِيلِهِۦ يَٰرَبِّ إِنَّ هَٰٓؤُلَآءِ قَوۡمٞ لَّا يُؤۡمِنُونَ٨٨ فَٱصۡفَحۡ عَنۡهُمۡ وَقُلۡ سَلَٰمٞۚ فَسَوۡفَ يَعۡلَمُونَ) [الزُّخرُف:88-89].

أي: أقسم بقولك: (إِنَّ قَوۡمِي ٱتَّخَذُواْ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ مَهۡجُورٗا٣٠) [الفرقان:30] والله تعالى يقسم بما يشاء على ما يشاء، ولم يقسم بأحد من الخلق إلا برسول الله، في قوله: (لَعَمۡرُكَ إِنَّهُمۡ لَفِي سَكۡرَتِهِمۡ يَعۡمَهُونَ) [الحِجر:72] وأقسم الله كذلك بقول رسوله فقال سبحانه: (وَقِيلِهِۦ يَٰرَبِّ إِنَّ هَٰٓؤُلَآءِ قَوۡمٞ لَّا يُؤۡمِنُونَ٨٨) [الزُّخرُف:88].

4ـ بشكل عام يجوز حذف حرف النداء نحو قوله تعالى: (يُوسُفُ أَعۡرِضۡ عَنۡ هَٰذَاۚ) [يوسف:29] و يلزم ذكر حرف النداء مع ( الله ) ومع اسم الجنس سواء كان نكرة مقصودة أم غير مقصودة واسم الإشارة فإذا ناديت ( الله ) قلت: يا الله وكذلك اسم الجنس نحو: ( يا رجل ) و ( يا هذا ) كما يلزم ذكر حرف النداء في الاستغاثة والتعجب والندبة نحو: يا لخالد ويا للهول.

5ـ من أغراض حذف حرف النداء:

آ ـ الحذف للعجلة بقصد الفراغ من الكلام بسرعة نحو قولك:( خالد احذر )

ب ـ الحذف للإيجاز والاختصار وذلك كما في قوله تعالى: (قَالَ ٱبۡنَ أُمَّ إِنَّ ٱلۡقَوۡمَ ٱسۡتَضۡعَفُونِي وَكَادُواْ يَقۡتُلُونَنِي) [الأعراف:150] فحذف حرف النداء ( يا ) من المنادى (ابن أم ) في حين ذكرها في سورة طه: (قَالَ يَبۡنَؤُمَّ لَا تَأۡخُذۡ بِلِحۡيَتِي وَلَا بِرَأۡسِيٓۖ) [طه:94] والسبب ـ والله أعلم ـ أنّ السياق في سورة الأعراف سياق إيجاز واختصار بخلاف آيات طه وإليك كلاً من السياقين:

قال الله في سورة الأعراف:

{ وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰٓ إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ غَضۡبَٰنَ أَسِفٗا قَالَ بِئۡسَمَا خَلَفۡتُمُونِي مِنۢ بَعۡدِيٓۖ أَعَجِلۡتُمۡ أَمۡرَ رَبِّكُمۡۖ وَأَلۡقَى ٱلۡأَلۡوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأۡسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُۥٓ إِلَيۡهِۚ قَالَ ٱبۡنَ أُمَّ إِنَّ ٱلۡقَوۡمَ ٱسۡتَضۡعَفُونِي وَكَادُواْ يَقۡتُلُونَنِي فَلَا تُشۡمِتۡ بِيَ ٱلۡأَعۡدَآءَ وَلَا تَجۡعَلۡنِي مَعَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّٰلِمِينَ١٥٠ قَالَ رَبِّ ٱغۡفِرۡ لِي وَلِأَخِي وَأَدۡخِلۡنَا فِي رَحۡمَتِكَۖ وَأَنتَ أَرۡحَمُ ٱلرَّٰحِمِينَ١٥١ } [الأعراف:150-151].

وقال في سورة طه:

{ فَرَجَعَ مُوسَىٰٓ إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ غَضۡبَٰنَ أَسِفٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ أَلَمۡ يَعِدۡكُمۡ رَبُّكُمۡ وَعۡدًا حَسَنًاۚ أَفَطَالَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡعَهۡدُ أَمۡ أَرَدتُّمۡ أَن يَحِلَّ عَلَيۡكُمۡ غَضَبٞ مِّن رَّبِّكُمۡ فَأَخۡلَفۡتُم مَّوۡعِدِي٨٦ قَالُواْ مَآ أَخۡلَفۡنَا مَوۡعِدَكَ بِمَلۡكِنَا وَلَٰكِنَّا حُمِّلۡنَآ أَوۡزَارٗا مِّن زِينَةِ ٱلۡقَوۡمِ فَقَذَفۡنَٰهَا فَكَذَٰلِكَ أَلۡقَى ٱلسَّامِرِيُّ}[طه:86-87].

ثم ذكر موقف هارون عليه السلام: ( وَلَقَدۡ قَالَ لَهُمۡ هَٰرُونُ مِن قَبۡلُ يَٰقَوۡمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِۦۖ وَإِنَّ رَبَّكُمُ ٱلرَّحۡمَٰنُ فَٱتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوٓاْ أَمۡرِي) [طه:90] ثم توجه باللوم إلى هارون: { قَالَ يَٰهَٰرُونُ مَا مَنَعَكَ إِذۡ رَأَيۡتَهُمۡ ضَلُّوٓاْ٩٢ أَلَّا تَتَّبِعَنِۖ أَفَعَصَيۡتَ أَمۡرِي٩٣ ) [طه:92-93] فأجابه هارون عليه السلام: { قَالَ يَبۡنَؤُمَّ لَا تَأۡخُذۡ بِلِحۡيَتِي وَلَا بِرَأۡسِيٓۖ إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقۡتَ بَيۡنَ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ وَلَمۡ تَرۡقُبۡ قَوۡلِي٩٤) [طه:94] ويستمر الكلام.. ولذلك نجد أنّ الكلام في سورة الأعراف كان مختصراً موجزاً وكان الموقف موقف عجلة وإسراع فحذف ( يا) النداء تمشياً مع هذا الحذف والاختصار وأمّا في سورة طه فالسياق سياق إطالة وسؤال ورد ولوم فجاء بـ ( يا ).

ومن الحذف أيضاً قوله تعالى: (يُوسُفُ أَعۡرِضۡ عَنۡ هَٰذَاۚ) [يوسف:29] فقد أرادوا ستر الموضوع والكف عن الخوض فيه فقالوا ذلك بأخصر طريق فحذف حرف النداء تمشياً مع هذا الاختصار والتستر.

ج ـ قد يكون ذكر ( يا ) للزيادة في التنبيه والتقريع كما في قوله تعالى:{ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡۚ إِنَّ زَلۡزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيۡءٌ عَظِيمٞ١ }[الحج:1]

د ـ قد يكون الحذف لقرب المنادى من المنادي سواء كان قرباً حقيقياً مادياً أم معنوياً فكأنّ المنادى لقربه لا يحتاج إلى واسطة لندائه كأنْ تقول لمن هو قريب جداً منك: ( خالد أتدري ما حلّ بفلان؟) ونحو قوله تعالى: { رَحۡمَتُ ٱللَّهِ وَبَرَكَٰتُهُۥ عَلَيۡكُمۡ أَهۡلَ ٱلۡبَيۡتِۚ) [هود:73] وقوله: { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذۡهِبَ عَنكُمُ ٱلرِّجۡسَ أَهۡلَ ٱلۡبَيۡتِ وَيُطَهِّرَكُمۡ تَطۡهِيرٗا٣٣ ) [الأحزاب:33]. والله أعلم.

السؤال الرابع:

ما أهم الدعوات التي جاءت على لسان إبراهيم عليه السلام في هذه الآية والآيات التي تليها وتتحدث عن البيت الحرام؟

الجواب:

 

 

آ ـ ساق القرآن الكريم في هذه الآية والآيات التي تليها سبع دعوات من جوامع كلم النبوة:

1ـ دعا إبراهيمُ عليه السلام أن يجعل البلد الحرام بلداً آمناً حتى يستطيع الناس أداء الحج والعمرة.

2ـ ودعاه أن يرزق أهل مكة أنواع الثمرات في وقت كانت فيه مكة صحراء قاحلة.

3 ـ ودعاه وهو يرفع قواعد البيت مع ابنه إسماعيل أن يتقبّل منهما عملهما.

4 ـ ودعا ربه أن يثبتهما على الإسلام وهو التوحيد الخالص وأن يُخرج من ذريتهما أمة مسلمة موحدة لربها.

5ـ وسأل ربه أن يبصّره وذريته بمعالم الدين وطرق العبادة ومنها مناسك الحج.

6 ـ وسأل ربه التوبة والتجاوز عن الذنوب.

7 ـ وسأل ربه أخيراً أن يبعث من أهل مكة رسولاً منهم تنطلق رسالته من مكة إلى العالم أجمع ليعلّمهم القرآن والسنة ويطهرهم من الشرك وسوء الأخلاق.

ب ـ قرأ ابن عامر ( فأُمْتِعه ) بسكون الميم وتخفيف التاء على أنه مضارع الفعل (أمتع ) المعدّى بالهمز وقرأ غيرُه(فَأُمَتِّعُهُۥ) بفتح الميم وتشديد التاء مضارع الفعل ( متّع ) المعدّى بالتضعيف.والله أعلم.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين