محمد صلى الله عليه وسلم شخصيته وصفاته (6)

خلاصة لأحـداث السـيرة النبوية -4-

تقع خيبر إلى الشمال الشرقي من المدينة، وكانت مركز تجمع المدينة، فلم يكن يسكنها أحد من العرب. وقد جعل المدينة مساكنهم فيها سلسلة من الحصون، تحوطها مساحة كبيرة من الأرض الزراعية التي تكثر فيها أشجار النخيل مع أنواع شتى من المحاصيل الزراعية. وقد ازداد عدد سكانها إذ إن القبائل اليهودية التي تم إجلاؤها عن المدينة بعد أن خرقت المعاهدة التي عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم عند مقدمه المدينة سكن أكثرها في خيبر، وإن كان بعضهم قد ارتحل إلى الشام وإلى بلدان أخرى. وكان اليهود في خيبر يريدون الانتقام لما حل بهم على أيدي المسلمين، وزاد ذلك بعد إجلاء بني قريظة من المدينة، إذ لم يبق فيها من اليهود إلا بضع قبائل صغيرة. وكان اليهود يظنون أنه لو صبر الأحزاب واستمروا في حصار المدينة ثم شنوا الهجوم الذي كانوا يعدون له بالاتفاق مع بني قريظة لتم لهم ما أرادوه من النصر واستئصال الإسلام والمسلمين. ولذلك جدد اليهود في خيبر تحالفهم مع غطفان، التي كانت من الأحزاب التي حاصرت المدينة. وعندما جاء الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعقد هذا التحالف أرسل وفدا إلى خيبر لإقناع اليهود بأنهم لن يستطيعوا أن يهزموا الدولة الإسلامية، غير أن الوفد عاد دون أن يحقق نجاحا في مهمته، ولذلك أمر النبي أصحابه الذين كانوا معه في الحديبية، وعددهم ألف وأربعمئة، أن يستعدوا للخروج، ثم خرج بهم قاصدا خيبر، ولكنه عدّل مساره أكثر من مرة كيلا يسمع اليهود بمساره إليهم.

فوجئ يهود خيبر بجيش المسلمين عند أبواب حصونهم، فدخلوها يعتصمون بها، إذ كانت خطوط إمدادهم فيها مضمونة. وحاول النبي جاهدا أن يتلافى وقوع قتال غير أن اليهود لم يكونوا على استعداد للاتفاق على أي شروط للسلام، فكان لا بد من حسم عسكري للموقف. وكان هذا أمرا شاقا على المسلمين الذين ترتب عليهم أن يفتحوا حصون اليهود واحدا بعد واحد. وتم لهم النصر الكامل بعون الله تعالى وفضله. واستسلم اليهود ووافقوا على الجلاء عن خيبر والذهاب بعيدا عن الجزيرة العربية. لكنهم بعد أيام قليلة جاؤوا إلى النبي وقد عزّ عليهم أن يفارقوا أرضهم، فعرضوا عليه أن يبقوا لزراعة الأرض على أن يكون لهم نصف محاصيلها ويكون النصف الآخر للمسلمين. ووافق النبي على هذا العرض فأقرهم على البقاء، شريطة أن يكون للمسلمين الحق في إجلائهم إن أرادوا. ثم عقد النبي اتفاقيات مماثلة مع عدة تجمعات يهودية في شمال الجزيرة العربية، وكان عقد هذه المفاوضات دون أي قتال مع أي من هذه التجمعات، إذ لم يكن النبي، صلى الله عليه وسلم، يريد قتال أحد، ولكنه كان مستعدا للقتال إن كان ذلك ما يصمم عليه الخصوم.

عند انتهاء معركة خيبر، زادت سعادة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قدم عليه ابن عمه جعفر بن أبي طالب مع الدفعة الأخيرة من المهاجرين إلى الحبشة. فقد جاءت عودتهم بعد إقامة استمرت خمسة عشر عاما يدعون أهل الحبشة إلى الإسلام. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أرسل إلى النجاشي يطلب منه عودتهم، إذ كانت مهمتهم قد انتهت، فحملهم النجاشي في سفينتين. وجاء معهم وفد كبير من مسلمي الحبشة.

مع انتهاء غزوة خيبر تم تحييد مصادر الخطر الرئيسية على الدولة الإسلامية، فأولى رسول الله صلى الله عليه وسلم اهتمامه الرئيسي لمهمته الكبرى، فهو رسول الله إلى الناس كافة، وهذا يعني أن عليه أن يعرِّف كل الناس برسالة الله التي هي الإسلام. ولذلك فعندما رجع من خيبر، وجه عنايته إلى ذلك فاختار عددا من أصحابه يتميزون بالشجاعة والحكمة والبصيرة، إلى جانب الطبيعة المتعقلة. فحملوا رسائله إلى حكام الدول المجاورة، بمن فيهم امبراطور فارس، وامبراطور الروم، وحكام مصر والشام والبحرين والحبشة. وكانت رسائله دعوة لهؤلاء الحكام إلى الإسلام، وأن يتركوا رعاياهم أحرارا في اعتناق عقيدته. غير أن اثنين من هؤلاء ردوا ردا قبيحا، إذ إن ملك بصرى، أمر بقتل الحارث بن عمير الأزدي، الذي حمل إليه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يقتل لرسول الله صلى الله عليه وسلم رسول غيره. أما كسرى، امبراطور فارس فمزق كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرسل إلى حاكم اليمن، التي كانت جزءا من امبراطوريته، يطلب منه أن يرسل من يعتقل النبي ويرسله إليه. أما هرقل، امبراطور الروم فأرسل ردا رقيقا، وكذلك فعل المقوقس، حاكم مصر، وأرسل مع الرد هدية للنبي. فهرقل والمقوقس ذكرا أنهما يعرفان أنه بقيت رسالة خاتمة من الله عزّ وجلّ ولكنهما تخوفا من ضياع ملكهما إن هما أسلما. أما النجاشي، ملك الحبشة، فقد أسلم، وكذلك فعل حاكم البحرين. صحيح أن مخاطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لهؤلاء الحكام لم تسفر، في مجموعها، عن نتائج إيجابية مباشرة، ولكنها جعلت الإسلام معروفا في أنحاء واسعة من العالم، فبلغت معرفته بلادا بعيدة في آسيا وأوربا وأفريقيا، وهي القارات الثلاث المعروفة آنذاك. ثم إن هذه الكتب التي أرسلها النبي إلى حكام تلك البلاد كانت فاتحة لما سيأتي به المستقبل، إذ انتشر الإسلام في مساحات واسعة من هذه البلاد، وإن كان ذلك قد تم بعد انتقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الدار الآخرة.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين