محبة أهل وزيادة مال وأجل

أخرج الترمذي في سننه بسند صحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ فَإِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَحَبَّةٌ فِي الْأَهْلِ، مَثْرَاةٌ فِي الْمَالِ، مَنْسَأَةٌ فِي الأَثَر "[ رقم الحديث: (1979)، ص (449)].

وأخرج البخاري في الأدب المفرد بسند حسن أن ابن عمر قال: " مَنِ اتَّقَى رَبَّهُ، وَوَصَلَ رَحِمَهُ، نُسِئَ لَهُ فِي عُمْرِهِ، وَثَرَا مَالُهُ، وَأَحَبَّهُ أَهْلُهُ "[ الإمام البخاري / الأدب المفرد، رقم الحديث: (58)].

 

     جعل الله لِوَاصِلِ رحمه قبولًا في أهله، وأكثر له من ماله، وزاد في أجله !

 

حدثتني إحدى أرحامي أنها لم تحتمل هجرة خالها لها من سنوات، فلما التقت به قالت له: والله لتأتيني أنت وزوجتك وأولادك ! أي قطيعة للرحم أنت عليها؟! من الذي أخبرك أني أريد هديةً منك؟! فجاء الرجل بأهله، فتخبرني والله- كأن يوم الزيارة يوم عيد عندها، وسيبقى محفورًا في قاموس ذكرياتها !

وَكُنْ وَاصِلَ الأَرْحَامِ حتَّي لِكَاشح           تُوَفَّرُ في عُمْرِ وَرِزْقٍ وَتَسْعَدِ

 

حبل موصول بالله:

أخرج البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إِنَّ الرَّحِمَ شَجْنَةٌ مِنْ الرَّحْمَنِ فَقَالَ اللَّهُ مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ ". [شُجْنَةٌ أي: قرابة مشتبكة كاشتباك العروق؛ ذلك أنها في الأصل شعبة من غصن من أغصان الشجر] صحيح البخاري، رقم الحديث: (5988)، (3/136)

وعند المنذري في الترغيب والترهيب بسند حسن: " الرَّحِمُ حُجْنَةٌ مُتَمَسِّكَةٌ بِالْعَرْشِ تَتَكَلَّمُ بِلِسَانٍ ذَلْقٍ: اللَّهُمَّ صِلْ مَنْ وَصَلَنِي, وَاقْطَعْ مَنْ قَطَعَنِي " الترغيب والترهيب، رقم الحديث: (3809)، (3/230) ! إن العبد إذا أراد تزكيةً كريمة لنفسه، تُدخِلُهُ على رَبِّهِ، وتُدنِيه منه، وتُقَرِّبُه إليه، وتُصَيِّرُه مَحبوبًا له، فَلْيَصِل رحمه؛ فإنَّ وَاصِلَها مَوصولٌ عنده، وقاطعَها مقطوعٌ عنده، مَحرومٌ من وُدِّه !

 

ولما سُئِلَ الشيخُ الدكتور نزار ريان: ما سر توفيق الله لك في العلم والعمل والدعوة والجهاد، فأجاب قائلًا:

تأملت في سبيلٍ يُوصِلُنِي لِرَبِّي؛ فألفيتُه في صلة الأرحام، ووَصلِ الصفوفِ في الصلاة

فمن وصل رَحِمًا أو صفًا وَصَله الله، ومن قطع رَحِمًا أو صفًا قَطَعَهُ الله !

ومن ذا الذي يَصِلُ من قطعه الله؟!

 

يؤيدُ هذا ما أفادَهُ ابنُ القيم أن عُمُرَ العبدِ الحقيقي ما كان فيه مُقْبلًا على ربِّه، لا يلتفتُ عنه بِقَلبِه، فإن أعرض كان من جملة الأموات، فيقوم وِصَالُ الرحم بصلةِ القلبِ مع مُقَلِّبِه عزَّ وجلّ؛ فترى بركة الوصال إيمانًا في القلب، وأعمالًا على الجوارح !

 

 

من وصل رحمه؛ حصل سعده، وفرج الله كربه:

تصدى للبيان الشيخ الشنقيطي فأفاد قائلًا:

وقلّ أن يصلَ عبدٌ رحمه إلا خرج مَسرور النفس، مُنشرح الصدر، قوي العزيمة على طاعة الله عزَّ وجلّ !

ألا تذكر معي خبر نزلاء الغار الذين أَطبقت الصخرةُ عليهم أن الله جلَّ وعلا فَرَّجَ كَربَهُم، بِقُربَاتٍ ألمعُها عندهم: وصال أحدهم لأبيه وأمه، وقد أسهر كل ليله، حاملًا لهما قدحًا من لَبَنٍ، فما إن توسل لِرَبِّهِ بِهَذِهِ القربة إلا وانفرجت الكربة شيئًا! [صحيح البخاري، رقم الحديث: (2272)، (1/492)]

 

صخرةُ القَطيعةِ أغلقت الغَار؛ فهل إلى خُروجٍ من سبيل؟!

ذكر النابلسي حادثة ماتعة، إليك بيانها على لسانه:

أحد إخواننا الكرام توفي ابن عمه وكان أستاذًا جامعيًا، فسأل أولاده أمامي: أعلى والدكم دَيْن؟ قالوا: نعم، قال لهم: أنا قاضيه عنه، فشكروا له صنيعه !

قال هذا الرجل: تصورت دَيْنَ ابن عمي عشرة آلاف ليرة، تقل قليلًا، أو تزيد قليلًا، فلما كان بعد أيام سألتهم عن قدره؛ فقالوا: [385 ألف ليرة] ! فو الله لقد دفعتها عَدًا ونقدًا، فما مضت أيام إلا وَبِعْتُ أمتعةً كاسِدَةً عندي من سنوات طويلة، وكان ربحي فيها المبلغ نفسه ! [محمد راتب النابلسي / محاضرة بعنوان: صلة الرحم].

فأنت تلحظ أنه وصل رحمه بحدِّ الصلةِ الأعلى، فجاءته سحائبُ المنن الإلهية بالقَدْرِ الذي وَصَلَه، فقد باع كَاسِدًا عنده، فكان ربحُهُ المبلغ الأول نفسه، فسبحان الله العظيم الذي أرانا سننه حوادث تجري بيننا، نراها بأعيننا؛ علَّ الغافل أن يفيق، وتحصل الهداية لمن ضَلَّ الطريق، أو فَقَد الرَّفيق !


جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين