متى نرتقي بأخلاقنا .؟!

 

تختلف البشريّة في كلّ شيء : في العقيدة ، وفي العبادات ، وفي أنظمة الحياة ، وفي الأعراف والعادات ، وفي اتّجاهات الفكر وأنماط السلوك .. ولكنّها لا تختلف في شيء واحد ، تعتزّ به ، وتجمع عليه ، وتبهر به ، ويأسر عقولها ، وتخفق له مشاعرها .. مهما تخلّفت عنه في سلوكها ومواقفها إنّه الأخلاق الفاضلة ، والمعاملة الحسنة بين الإنسان وأخيه الإنسان ، أيّاً كان عرقه أو دينه ، أو لونه أو وطنه .. 

 

أجد الإشارة الصريحة الواضحة لهذا الأمر في قول الله تعالى : {.. وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسناً .. }[البقرة:83] . للناس : يعني كلّ الناس .. مؤمنهم وكافرهم ، قريبهم وبعيدهم ، صديقهم وعدوّهم ..

وقوله سبحانه : {وَلاَ تَسْتَوِي الحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيم }[فُصِّلَت:34]

وقوله تعالى : {ويُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا ويَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلاَ شُكُورًا }[الإنسان8 ــ 9] . ومعلوم أنّ الأسير عدوّ لمن أسره ، وهو على غير دينه .. 

 

ويضع القرآن الكريم يدنا على سرّ النبوّة الهادية إلى صراط الله المستقيم ، إنّها الرحمة والشفقة ، التي تجمع القلوب على الحقّ والهدى ، وتغسل القلوب من الغلّ ، وتحيي الضمائر :{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلِين }[آل عمران:159]

وتلك السيرة العطرة جعلت من المصطفى صلوات الله وسلامه عليه أعظم أسوة للبشريّة ، بعدما أعلنت العناية الإلهيّة تلك الشهادة الربّانيّة : {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيم }[القلم:4] . 

{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا}[الأحزاب:21]

 

وتتجلّى مكانة الأخلاق في الإسلام أنّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يفتتح صلاته بسؤال الله تعالى حسن الخلق ، ففي الحديث عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إِذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلاَةَ كَبَّرَ ، ثُمَّ قَالَ : « إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ ، وَمَمَاتِي لله رَبِّ العَالَمِينَ ، لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ ، وَأَنَا مِنَ المُسْلِمِينَ ، اللَّهُمَّ اهْدِنِي لأَحْسَنِ الأَعْمَالِ ، وَأَحْسَنِ الأَخْلاَقِ لاَ يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إِلاّ أَنْتَ ، وَقِنِي سَيِّئَ الأَعْمَالِ ، وَسَيِّئَ الأَخْلاَقِ ، لاَ يَقِي سَيِّئَهَا إِلاّ أَنْتَ » . السنن الكبرى للنسائي (1/ 466) . 

وفي الحديث الشريف : « .. وخَالق الناسَ بخُلُق حَسَن » . 

أي كلّ الناس ، بلا تمييز بين بين عرق ودين ، أو لون ووطن .. والأدلّة على ذلك من السنّة الشريفة ، ومن مواقف النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أكثر من أن تحصى ..

 

وقال الشاعر : 

أحسِن إلى الناس تَستعبِد قلوبَهمُ فطالما استَعبدَالإنسانَ إحسانُ 

ومعاملة الناس بالأخلاق الفاضلة هي غاية الإحسان إليهم كما لا يخفى . 

 

ويقول الشاعر : 

وإنّما الأممُ الأخلاقُ ما بقيَت * * * فإن همُ ذهبَت أخلاقُهم ذَهبُوا 

 

وعندي يقين بالله تعالى أنّ حُسنَ الخُلُق من أعظم أسباب كثرة الرزق وبركته .. وعندي من ذلك القصص العجيبة .. كلّها ممّا عاينته بنفسي ، وأعرف أصحابه رجالاً ونساءً ..

 

وأعني حُسنَ الخُلُق بمفهومه العامّ ، الذي يشمل كثيراً من الأحكام الشرعيّة ، لا كما يقصره أكثر الناس على جانب فضائل المكارم ، والحلم وسعة الصدر ..

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين