ما هي الجمهورية الفيدرالية التي تدعو لها موسكو في سوريا؟

 

بعد إعلان وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، أنه يصعب الإبقاء على سوريا موحدة، إذا استغرق القتال في البلاد مدة أطول، في لهجة هي الأولى التي يتحدث فيها مسؤول أمريكي رفيع عن تقسيم سوريا، وأن "سوريا الموحدة" لم تعد موجودة، ذكر نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ريابكوف، أنه من الممكن أن تصبح سوريا "دولة فيدرالية" إذا كان هذا النموذج سيخدم الحفاظ على وحدة البلاد.

 

ريابكوف قال: "إذا خلصت نتيجة المحادثات والمشاورات والمناقشات بشأن نظام الدولة في سوريا في المستقبل، إلى أن النموذج الاتحادي سيخدم مهمة الحفاظ على سوريا موحدة وعلمانية ومستقلة وذات سيادة، فمن سيعترض على ذلك حينها؟".

 

وأضاف ريابكوف: "إن موسكو لن تعترض أيضاً على أي نموذج آخر لسوريا، شريطة ألا يكون من إملاء شخصٍ على بعد ألف كيلومتر من سوريا".

 

وفي مقابلة في سبتمبر/ أيلول الماضي لم يستبعد زعيم النظام السوري بشار الأسد فكرة النظام الاتحادي، لكنه قال إن أي تغيير يجب أن يكون نتيجة لـ "حوارٍ بين السوريين، واستفتاء لإدخال التعديلات اللازمة على الدستور".

 

- ما هي الدولة الفيدرالية؟

 

تعتبر الدولة الفيدرالية واسعة الانتشار عالمياً، وأقرب الدول تطبيقاً لها على المستوى العربي هي دولة الإمارات العربية المتحدة، أما على المستوى العالمي الولايات المتحدة الأمريكية، وكندا، وألمانيا، وماليزيا.

 

نشأت الدولة الفيدرالية لأول مرة في الولايات المتحدة الأمريكية، بعد مؤتمر فيلاديلفيا والذي أفضى إلى قيام اتحاد بين 13 دولة من شمال أمريكا مستقلة عن إنجلترا وكان ذلك عام 1787.

 

كما ساهم "اتفاق دايتون" الشهير والذي نص على إنشاء نظام فدرالي في البوسنة، بوضع حد للنزاع الدامي بين كل من البوشناق المسلمين والصرب والكروات، الذين كانوا يعيشون ضمن ما يسمى آنذاك بـ"الاتحاد اليوغسلافي".

 

يعتبر النظام الفيدرالي نظاما دستورياً تتشكل فيه السلطة السياسية من دولة مركزية اتحادية تمثل الدول على المستوى الخارجي، لها دستورها وسلطاتها التنفيذية والتشريعية والقضائية الخاصة بها.

 

أما على المستوى الداخلي فإنها مكونة من مجموعة مدن وأقاليم منفصلة عن بعضها، ويتم في العادة توزيع السلطات بين الدولة المركزية والدويلات من خلال الدستور الفدرالي.

 

وفي ما يخص الأقاليم والولايات فهي تعتبر وحدات دستورية لكل منها نظامها الأساسي، الذي يحدد سلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية، ويكون وضع الحكم الذاتي للأقاليم، أو الجهات أو الولايات منصوصاً عليه في دستور الدولة بحيث لا يمكن تغييره بقرار أحادي من الحكومة المركزية.

 

- محاسن ومآخذ

 

من محاسن النظام الفيدرالي أنه يُتيح الإبداع والتنوع في الممارسة الإدارية بين الوحدات الفيدرالية، وهو ما يُنتج في المحصلة نماذج أكثر تطوراً وقدرة على ابتكار أساليب فعالة لتقديم مزيد من الخدمات وبجودة أفضل.

 

كما يضمن هذا النظام إسناد تسيير الشؤون المحلية للوحدات الفيدرالية وحكوماتها ملاءمة الخدمات والضرائب والإطار العام للحياة، مع خصوصيات السكان في كل منطقة، وتجنب النماذج التي لا تتوافق مع الخصوصيات المحلية على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

 

لكن من المآخذ الجوهرية على النظام الفيدرالي الخلافات بين الحكومة الفيدرالية والحكومات المحلية، لا سيما عند نشوب اضطرابات، إذ يُثير التداخل بين سلطة الإقليم وسيادة الحكومة المركزية والصلاحيات الخاصة بالحكومة المحلية، إشكالاتٍ قد تتحول إلى مواجهة سياسية بين الجانبين.

 

- "سوريا الفيدرالية"

 

وفي حال تم الاتفاق على أن تكون سوريا دولة فيدرالية، فمعنى ذلك أنه وبحسب الأوضاع الداخلية سوف تتأسس 4 أقاليم في سوريا، وستكون هذه بمثابة التجربة الثالثة في العالم العربي بعد العراق والإمارات.

 

ففي سوريا ستكون دمشق عاصمة مركزية ومركزاً للحكم، أما في باقي البلاد فسوف ينشـأ إقليم "كردستان سوريا" في محافظة الحسكة، شمال شرقي سوريا، ومناطق نفوذ علوية في الساحل، ومركز محافظة حمص الذي لن يتنازلوا عنه بدعم إيراني - روسي نظراً لموقعه الاستراتيجي.

 

كما سينشأ إقليم نفوذ للطائفة الدرزية مركزه السويداء، إذ سيشعر الدروز -وفق محللين- بضرورة توحدهم لمواجهة الحالة الفيدرالية التي سوف تعيشها البلاد، وخوفاً من هيمنة أحد الأقاليم عليهم، أما ما تبقى من البلاد فستكون تحت النفوذ السني.

 

29-2-2016-15 (1)

لكن الحديث الروسي يطابق رأي فئة من الأكراد ممثلة بحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (pyd)، الذي كرر تلميحاً وتصريحاً رغبته بدولة اتحادية يكون للإدارة الذاتية حصتها منها، بينما تتفق معظم قوى الثورة والمعارضة السورية على وحدة الأراضي السورية، بمواجهة مشاريع تقسيمية لدويلات تخدم أجندات إقليمية وتضر بالسوريين جميعاً كما يرى ناشطون سوريون معارضون.

 

الدكتور باسل الحاج جاسم الخبير في الشؤون العربية - الروسية، اعتبر أن طرح الفيدرالية بالأصل يعكس تعامل خاطئ مع حالة سوريا.

 

وأضاف في حديثه لـ "الخليج أونلاين: "في سوريا من الناحية العرقية هناك قوميتان، الأولى تشكل غالبية مطلقة (العرب)، وأما الثانية (الأكراد) فلا تصل إلى 15% ولا تمتلك أي تواصل جغرافي بين المناطق التي تقطنها (القامشلي - عين العرب كوباني - عفرين)، بالإضافة إلى أنه حتى المناطق التي هي فيها أكثرية، لا تشكل أكثرية مطلقة، وهذا يفسر التحرك السريع والمفاجئ، بدعم روسي لفصائل انفصالية في الآونة الأخيرة، استعداداً لسيناريو كهذا معد مسبقاً، لتحقيق عمق وامتداد جغرافي".

 

ورأى الحاج جاسم أنه بالنظر إلى سوريا من الناحية الإثنية، "فستدخل البلاد في متاهة، وثلاث دول لا تعود كافية (كردية - سنية -علوية)، وقد نحتاج على الأقل خمس دول، وهذا يظهر مرة أخرى أن إسقاط أي سيناريو من أوروبا الشرقية أو القوقاز على سوريا هو خاطئ، وسيفتح أبواب الجحيم على المنطقة بأكملها مروراً بتركيا إلى إيران ولن يتوقف عند روسيا".

 

وأشار الخبير في الشؤون العربية - الروسية، إلى أن "الدول الإقليمية كتركيا، قد تجد نفسها مضطرة في نهاية المطاف للقبول بالطرح الفيدرالي، لأنه سيكون اتفاق روسي - أمريكي، مع مراعاة حساسيتها في بعض النقاط كإبعاد الانفصاليين الأكراد عن مناطق معينة هي تحددها، مثل حصرهم في المثلث السوري التركي العراقي"، مشدداً في الوقت ذاته على أنه "لا يمكن مقارنة الشرق الأوسط بأوروبا الشرقية، فالأول حالة معقدة وتعقيدها ضارب في عمق التاريخ، فالناس هنا تقاتل حتى الموت".

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين