ما هو النشوز؟!

ما هو النشوز؟!

أحمد الدمنهوري

 

وصف الله المرأة في القرآن ب "العَرُوب" في قوله تعالى: {عُرُبًا أَتْرَابًا} سورة الواقعة (37)، والعروب هي المتحببة لزوجها الساعية لإرضائه، لأن حقه عليها كحق والدها من البر والطاعة، ومن هنا كانت الناشز هي المتعالية المتكبرة عليه، التي تأنف من إرضائه برا وطاعة، معاملة إياه ندا بند، والحق أنهما ليسا أندادا بل {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} سورة البقرة (228).

وكل امرأة لا تظهر لزوجها هذا التودد والتحنن، والتواضع، والخضوع بالقول، ولين الحديث، واختيار أحسن الكلمات في مخاطبته فهي الناشز، إذ كلمة النشوز تأتي بمعنى الارتفاع، والمرتفع من الأرض، هو ما ينشز، فنشوز الزوجة هو استعلاء على زوجها، وعلى حقوقه.. (إذا صلَّت المرأةُ خمسَها وصامت شهرَها وحفِظت فرجَها وأطاعت زوجَها قيل لها ادخُلي الجنَّةَ من أيِّ أبوابِ الجنَّةِ شئتِ).

والاستعلاء قد يكون برفض إجابته أو الحديث معه بشكل مقبول، أو إجابته لكن مع امتعاض وتأفف وتغير في الصوت أو الملامح، كأنها مكرهة على التعامل معه، أو بما تظهره من ردود أفعالها من عدم التقدير اللائق.. والمعيار هنا: كل ما لا يجوز فعله مع الأب لا يجوز فعله مع الزوج.

ومن الاستعلاء كلمات مثل: "أقنعني أولا"، "لماذا فعلت"، "لماذا لم تفعل".. كأنها هي القوامة عليه الآمرة الناهية له.. وكل ما تريده المرأة يمكن دائما التعبير عنه بعبارات أليق.

أما علو الصوت، والغلط، والندية، ومجاراته كلمة بكلمة مما نسمع عنه، بل الاعتداء البدني فضلا عن القتل؛ فليس نشوزا، بل قلة حياء قبل أن يكون قلة تربية، ولم يأت في الشريعة ما يعالج هذه الحالة كما لم يأت في الشريعة حكم من صفع والده على خده، لكونه مستبعدا عند كل من يخاف الله ويتقه، أو في قلبه ذرة من إيمان وحياء!

حين نقول: إن المعيار الذي يعرف به النشوز هو أن "كل ما كان عقوقا للأب فهو نشوز مع الزوج"، فالمشكلة أننا أمام أجيال لم تعرف أصلا ما حق الوالدين، فتجد من لا تستحي من معاملة أمها كخادمة آمرة لها وناهية ومغتابة لها وسابة، فوقع ما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: (أن تلد الأمة ربتها)، ولو علمت أن أمها لو قتلتها ما قتلت بها شرعا، بل تعاقب بما دون القتل = لعظم حقها عليها..

لذا من المهم في الاختيار معرفة مدى بر البنت بأهلها لأن هذا البر سينتقل للزوج بعد الزواج.

نحن أمام أجيال عاشت الخطيئة والتشوه النفسي والاجتماعي، فصار هذا الكلام محل استهجان وتعجب من نواشز، أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنهن بما رواه عبد اللَّهِ بْن عَبَّاسٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أُرِيتُ النَّارَ فَلَمْ أَرَ مَنْظَرًا كَالْيَوْمِ قَطُّ أَفْظَعَ وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ) قَالُوا: بِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (بِكُفْرِهِنَّ) قِيلَ: يَكْفُرْنَ بِاللَّهِ، قَالَ: (يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ كُلَّهُ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ).

ويدخل في معنى النشوز طلب الطلاق بلا أسباب معقولة أو لأسباب يمكن علاجها، لذا لم تجعل الشريعة الطلاق بيدها وإلا انهدت البيوت كل أسبوع مرة، يقول صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة سألت الطلاق من غير ما بأس لم ترح رائحة الجنة!

المرأة الناشز تذكر زوجها ذامة له شاكية، جاعلة سيرته على لسان صديقاتها اللاتي سيتعاطفن غالبا معها فيقمن معا مجلسا للغيبة، أو جاعلة سر بيتها على مواقع التواصل متداولا بين من ليس من حقه أن يطلع على تلك الخصوصيات.

الناشز لا تسمع نصحا، وإن أخطأت ونبهت على خطئها غضبت، وقد تستمع للنصح لكنه معها رسم على الماء.

 الناشز في الحقيقة لا تملك في قلبها تقديرا حقيقيا للزوج، وكل دعوى لابد لها من دلائل صدق وبراهين يقين.

لذا كان من المهم أن تحسن المرأة اختيار من تسلمه رقبتها، فإن فعلت ثم نشزت فإما من سوء الاختيار، أو هو الكبر والتعالي الذي سمته الشريعة نشوزا، عليها علاجه.

وقد سمى الله الزوج سيدا، فقال: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} أي زوجها، وكانت أُمُّ الدَّرْدَاءِ رضي الله عنها إذا حدثت عن زوجها قالت "حَدَّثَنِي سَيِّدِي"

وكانت زوجة سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ تقول: مَا كُنَّا نُكَلِّمُ أَزْوَاجَنَا إِلا كَمَا تُكَلِّمُون أُمَرَاءَكُمْ: أَصْلَحَكَ اللَّهُ، عَافَاكَ اللَّهُ".

اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين والمسلمات.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين