يساورني كثير من القلق وأنا أتابع
ما يكتبه بعض طلاب العلم أحيانا عندما يتناولون مسائل خلافية بين علماء الأمة
قديما وحديثا من الأشاعرة والماتريدية والصوفية في قضايا لن يحسم فيها الخلاف إلى
قيام الساعة، في عبارات تخلو من أدب طالب العلم وبعيدة كل البعد عن منطق الإنصاف
والاعتدال في تناول مثل هذه المسائل الشائكة التي لو عرضت على الخليفة عمر بن الخطاب
لجمع لها كبار المهاجرين والأنصار لتدارسها والنظر فيها.
ولا أرى وجها لهذه الحدة والشدة
بهذه الصورة في التعامل مع المخالفين لسببين:
الأول:
لأن غالب علماء العالم الإسلامي إما أشاعرة أو ماتريدية والخلاف بينهم وبين الآخرين
في مسائل دقيقة خفية تختلف فيها الأفهام، ولاحتمال فهمها جرى الخلاف بين العلماء
قديما وحديثا، وأنا لست في معرض تبرير الأقوال والمذاهب ولكن في إطار تفسير الخلاف
وسببه.
واذا كان الأمر كذلك فوصف المخالف
بأنه جَلْد، أو محترق أو مهترئ أو فاسد الاعتقاد لا يؤخذ منه علم، أو نحو ذلك، أو
أو..، فيه جناية على علماء الأمة في مسائل لن ينته الخلاف فيها إلى آخر هذه الحياة،
فلا أرى أن ندنس أعراض علمائنا بألفاظ مشينة وعبارات خالية من الأدب مع اعتقادنا
أنهم ليسوا معصومين ولهم من الحسنات ما يغفر الله لهم زلاتهم أو أخطاءهم إن وجدت
مهما بلغت، وكما ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا بلغ الماء
قلتين لا يحمل خبثا" فما بالك بالنهر أو البحر.
الأمر الثاني: أن الصوفية
ليست مدرسة واحدة ولا طريقة واحدة ولا قولا واحدا وإنما مدارس وطرق ومناهج..
فلا يجوز تعميم حكم واحد على كل
المناهج الصوفية من غير تفصيل والحق هو التفريق بين الأقوال والطرق وتحليلها ومن
ثم الحكم عليها بما يتناسب مع ظاهرها حقا أو باطلا.
ومعلوم أن علماء الأمة قديما وحديثا
كانوا لا يخلون عن الانتساب لهذه الطرق على اختلاف مناهجها وهي تتردد بين أقوال
ظاهرة البطلان وبين الحق الذي لا يجوز إنكاره كقول بعضهم: طريقتنا هي الكتاب
والسنة.
والإمام ابن تيمية - رحمه الله - في
مجلد الصوفية من مجموع الفتاوى في حديثه عن المتصوفة يقسم المتصوفة إلى ثلاثة
أقسام فيقول:
منهم المقرب، ومنهم المقتصد، ومنهم
الظالم لنفسه العاصي لربه..
وإذا ذكر الجنيد وأمثاله من أعلام
التصوف كان يقول عنه: قدس الله سره، أو قدس الله روحه ونحوه.
والحاصل أن لا نجافي الحقائق في
أحكامنا أو أن نخوض في أعراض علمائنا إلا بعد البيان والتفصيل والاعتدال في
التقييم واحترام لأهل العلم مع الأخذ بعين الاعتبار أنهم بشر يجتهدون يصيبون
ويخطئون، وفي الحديث: "أن الله رفع عني أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا
عليه".
الخلاصة: أن علماء الأمة هم أعمدة
بنيان دينها، ومشاعل نور الهداية؛ فهما وعلما ودعوة فلنتق الله في أمتنا وعلمائنا
وننشغل بما فيه خير لدين الله ولعباده المؤمنين. والله المستعان.
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول