ما حكم الانتحار وما هي نصيحتكم لي

نص الاستشارة :

السلام عليكم، ماهو الحكم الشرعي للانتحار وعقابه يوم القيامة؟ هل من ينتحر يعتبر كافرا ليخلد في النار؟ خسرت الكثير في حياتي خطيبي دراستي طموحاتي أبي، وأبكي كل ليلة منذ سنة واربعة شهور، أدعو الله كثيرا لييسر أمري ولا يحملني ما لا أقدر عليه، لكني لم أعد احتمل أكثر، قسما بالله العظيم رب هذا الكون، لقد فكرت كثيرا بالانتحار إلا أني كنت أمنع نفسي في آخر لحظة كل مرة، قلبي يؤلمني كثيرا اتوسل الله لينزل علي القليل من رحمته لكن حالي لا يتغير، ولا أرى راحة له إلا بهذه الطريقة، ليس يأساً بما عند الله حاشاه، لكن يأسا من قوتي على التحمل أكثر من هذا، ارشدني فانا ضائعة

الاجابة

وعليكم السلام ورحمة الله

البلاء سنة كونية، والدنيا جعلها الله تعالى دار ابتلاء وصبر وأجر إن احتسب المؤمن صبره وعمله لله تعالى، وهذه الابتلاءات لا يكاد يسلم منها أحد، وإذا أحسن المؤمن التعامل مع الابتلاءات، فصبر، وجعل ذلك سبباً لرجوعه إلى الله واجتهاده في العبادات والأعمال الصالحة، كان البلاء خيراً له، وكان مكفراً لذنوبه، حتى لعله يلقى الله تعالى وليس عليه خطيئة. عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ، وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حُزْنٍ وَلاَ أَذًى وَلاَ غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ» [أخرجه البخاري].

والذي يؤمن بالله تعالى وبقضائه وقدره ولقائه إيماناً يقيناً بوعده ووعيده، فلا شك أنه سيرضى بما قدَّر الله، ويسلم، ويحمد الله تعالى في السراء والضراء، ويتعبَّد الله في كل حالة بما يُناسبها من شكر على ما أعطي، وصبر على ما ابتلي، مع العلم أنه لا مفرَّ من الله إلا إليه، ولا منجى ولا ملجأ إلا إليه، ولا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، ولا رادَّ لما قضى سبحانه وتعالى.

وبهذه العقيدة، وبهذا التصوُّر للحياة يتلقى المؤمن أمور الحياة بصدر رحب، وترد على قلبه برداً وسلاماً، لأنه يعلم أنها جمعيها من قضاء الله وقدره، ووفق حكمته سبحانه.

أما حكم الانتحار فهو كبيرة من كبائر الذنوب، والذي يقدم عليه يعرِّض نفسه لسخط الله وعقوبته، قال الله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}[النساء:29]، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «[ص:140] مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا» [أخرجه البخاري، ومسلم].

وقد قيَّد العلماء معنى لفظ الخلود الوارد في الحديث بأنه وَرَد مورد الزجر والتغليظ دون إرادة الحقيقة.

قال الإمام ابن بطَّال في شرح صحيح البخاري: (3/ 349):

أجمع الفقهاء وأهل السُّنَّة أن من قتل نفسه أنه لا يخرج بذلك عن الإسلام، وأنه يصلى عليه، وإثمه عليه كما قال مالك، ويدفن فى مقابر المسلمين، ولم يكره الصلاة عليه إلا عمر بن عبد العزيز، والأوزاعى فى خاصة أنفسهما، والصواب قول الجماعة، لأن الرسول سن الصلاة على المسلمين، ولم يستثن منهم أحدًا، فيصلى على جميعهم الأخيار والأشرار إلا الشهداء الذين أكرمهم الله بالشهادة.

ثم قال:

لأنَّ الله فى وعيده للمذنبين بالخيار عند أهل السُّنَّة، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عذبه، فإن عذبه فإنما يعذبه مدة ما ثم يخرجه بإيمانه إلى الجنة، ويرفع عنه الخلود والتأبيد على ما جاء فى نصِّ القرآن وحديث الرسول، فالقرآن قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [النساء:48]، وقوله صلى الله عليه وسلم: (من قال: لا إله إلا الله، حرَّمه الله على النار) ، يعنى حرَّم خلوده على النار. اهـ .

وأخيرا فالذي يعاني من آلام واكتئاب أو مشاكل واضطرابات نفسية لا بأس أن يراجع الطبيب النفسي، ويستشيره في طريقة علاجه، فما أنزل الله داء إلا أنزل له دواء. والله أعلم.


التعليقات