ما المطلوب من الشعوب؟

هل المطلوب من الشعوب أن تتغنى بانتصارات المقاومة من جهة وتبكي الشهداء وتلعن اليهود من جهة أخرى؟

مضى على معركة طوفان النصر حوالي شهرين والأمة الإسلامية بشعوبها أصيبت بحالة من الهذيان والسكر الذي لا نظير له، فلم يشهد التاريخ بعد أن بزغ فجر الإسلام أن الأمة بشعوبها كانت في هذا الذل والخذلان المبين، حتى على زمن التتار يوم أرسل هولاكو إلى قطز يأمره بالاستسلام، وهدده بأن جيوشه تملأ الأرض، ولم يشموا رائحة الرحمة ولا الرأفة، فرد قطز بكتاب يشعر بعزة المؤمن وارتباطه بعقيدته ودينه، حتى كانت معركة عين جالوت التي هزم فيها التتار شر هزيمة.

 

واليوم تتجمع جيوش هولاكو الجديدة على المسلمين وليس فيهم لا قطز ولا صلاح الدين، وبدلا من أن يلوذوا بربهم ويفعّلوا عقيدتهم ووحدتهم، يلجأون إلى عدوهم يسترحمونهم، يا للخيبة والعار على هذه الأمة التي ستبقى في الخذلان ما لم تعد إلى دينا عودا صحيحا، ومع هذا التخاذل الرسمي بات التخاذل يسري إلى الشعوب تحت سؤال يتمركز في الذاكرة ويلح عليها بشدة وهو: أنا ماذا يمكنني أن أفعل؟ وهذا يعني أن الشعوب بات كل فرد فيها يفكر وحده، وهذا من المصائب التي ألمت بأمة الإسلام، أن يكون فيها التفكير في قضايا عامة بشكل فردي..

 

والدول أهلكت أنفسها باستجداء أمريكا التي تمد اليهود بالسلاح لقتلنا، وهم يظنون أن ساعة رحمانية ستسيطر على ساسة أمريكا الهولاكيين المجرمين، ويمكن أن يرِقّوا لهذه الاستجداءات، وأنا أقول لهم: إن هذا فتّ في عضد الأمة وتضييع لأوقاتها وتمييع لقضاياها، وأيضا تشغّل الدول بعض مؤسساتها من أجل تقديم شكاوى بجرائم اليهود، والعالم كله يعلم أن هذه المؤسسات التي ستقدم لها الشكاوى، لا تخرج عما يريده اليهود، وإن كانوا أحيانا يبعبعون حتى يوهموا الشعوب أو ذرّا للرماد في العيون.

 

إن الشعوب إذا بقيت تنتظر الحكومات والمؤسسات الرسمية سترى نفسها وقد ضاع منها كل شيء، فأول شيء على الشعوب أن تفعله إذا كانت مصرة على الاستمساك بالدول والمؤسسات الرسمية أن تعلن العصيان المدني للضغط على هذه الحكومات، وأنا لا أعني بالعصيان المدني أن يكون في دولة واحدة منها، بل على الشعوب العربية في كل الدول أن تقوم بهذا العمل، وعلى العلماء والمثقفين وقادة الرأي والأحزاب الفاعلة أن تقود هذا العصيان؛ لأنه الطريق الوحيد إذا كانت الشعوب لا تزال تعول على حكوماتها، أن تضغط عليها للاستسلام لرغبات الشعوب وتتحرك بطريقة مقنعة تسترجع لنا بعض كرامتنا، وإذا لم يكن من الشعوب هذا التعويل فعليها أن تقوم بعمل جاد إضافة إلى المظاهرات والتفاعلات، نعم هذه جيدة ولكنها لا تكفي في ردع المجرم.

 

ومما يمكن أن تقوم به ما اقترحه الإعلامي حسام غرايبة أن تخرج من الأردن باخرة بالأغذية والاحتياجات لتصل إلى شواطئ غزة، وأضيف أنا على هذا: أن تقوم الشعوب في تلك الدول العربية الأخرى غير الأردن، كل شعب يقوم بإخراج باخرة محملة بالاحتياجات وتخرج هذه البواخر علنا أمام الله وأمام الخلق لإغاثة إخواننا في غزة.

 

وأظن أن الشعوب الإسلامية في الدول غير العربية لو فعلت هذا لأحرجت العالم كله، ووقفته على حقيقة نفسه أمام شعوب الدنيا كلها، أشد على اقتراح الإعلامي حسام غرايبة وادعو إلى توسيع هذه الحملة لتشمل العالم الإسلامي كله، فهل من مجيب؟

اللهم هل بلغت؟ اللهم فاشهد

تلك نفثة مصدور على صفحة تملؤها السطور


جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين