ما السر في أنَّ الإنسان يدعو فلا يستجاب له وما فائدة الدعاء

 

جاءنا هذا السؤال، وفيه تلك الأبيات:

ما قولكم فيمن دعا = ودعا الكريم تضرعا

وبكى بدمع هاطل= عاماً وزاد أربعا

يدعو المجيب بحرقة = متوسلاً متطلعا

حفظ الدعا وشروطه = ودعا بخير طامعا

ومضى يمني نفسه = ورجا عطاءً واسعا

فإذا بنحس جاءه = واليأس كان اللاذعا

وإذا ببؤس هاله = وللعسر زاد وروعا

فتحيرت نفس الفتى = يدعو فيعكس ما دعا

وتوجعت وتساءلت = في أمر ربي بالدعا

حزن الفتى متألماً = يبكي ويندب طالعا

يشكو الحياة وذلها = يشكو زماناً روعا

وتأثرت من جرحه = نفس الفتى فتزعزعا

هل بالدعاء زيادة = تأتي وتبقى مرتعا

أو بالسكوت شقاوة = نرجو جواباً مقنعا

كل الشواهد أيدت = لا سعد يأتي بالدعا

لكن ذا متعارض = بدليلٍ ادعوا تضرعا

أقدار ربي قدرت = قبل الخلائق أجمعا

عبد الظاهر العمري

 

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وأصحابه: [لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا القَوْمُ الكَافِرُونَ] {يوسف:87}، يظهر أنَّك يا أستاذ مُتشبع بأنَّ الدعاء لا فائدة فيه، وهو غلط محض من وجوه عديدة:

أما أولاً: فلأنَّ الإجابة لها شروط كثيرة وموانع عديدة، والأمر المطلق في قوله تعالى: [وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ] {غافر:60} مقيَّد بما فُهم من الكتاب والسنة، مثل الحديث الصحيح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: (ذكرَ الرجلَ يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه يا رب يا رب، ومطعمه حرام ومشربه حرام، وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنَّى يستجاب لذلك) [أخرجه مسلم وغيره]. 

وقوله صلى الله عليه وسلم: (لتأمُرنَّ بالمعروف ولَتنهوُنَّ عن المنكر أو لَيسلطنَّ الله عليكم شراركم فيدعو خيارُكم فلا يستجاب لهم) [قال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط والبزار من حديث أبي هريرة، وفيه حبان بن علي وهو متروك، وقد وثَّقه ابن معين في رواية وضعفه في غيرها]. 

ومثله قوله تعالى: [أَمَّنْ يُجِيبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ] {النمل:62}. ومثل ما بين من أوقات الإجابة وأسبابها، ومثل ما ورد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، يَقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي" [أخرجه البخاري، ومسلم]، فهذا كله يفيدنا أنَّ قوله تعالى:[ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ] {غافر:60} ليس على ما تفهم من العموم الذي ينقدح في نفسك.

وأما ثانياً: فلابدَّ في الحكمة الإلهية من أن تكون مستعداً لما دعوت به، وقد فُسِّر بذلك قوله تعالى: [إِنَّهُ لَا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ] {الأعراف:55} ويقول بعضهم في قوله: [ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ] أي: ادعوني بلسان الحال لا بلسان المقال، وسرُّ ذلك أنَّ الإمداد على قدر الاستعداد، ويقول سفيان الثوري وهو من كبار أئمة السلف وشيوخ الحديث: (إن الدعاء هو ترك الذنوب).

وأما ثالثاً: فالداعي إمَّا أن يجاب بعَين ما طلب، وإمَّا أن يجاب بغيره، ثم هو بعد ذلك إمَّا أن يُعجَّل له في الدنيا، وإمَّا أن يؤخر إلى الآخرة: [وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى] {الأعلى:17}.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يُفيد أنَّ الدَّاعي لابدَّ أن ينال خيراً بدعائه، فإمَّا أن يُعجَّل له ما دعا به في الدنيا، وإمَّا أن يُدَّخر له في الآخرة، وإمَّا أن يُكفر من ذنوبه بقدر ما دعا، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم أو يستعجل، قالوا يا رسول الله: وكيف يستعجل؟ قال: (يقول دعوت ربي فلم يستجب لي).

ولكنك لا تريد من إجابة الدعاء إلا حصول مطلوبك أيَّاً كان، مُقدِّساً علمك، مُتحكماً على ربك، وليس هذا شأن المؤمنين الذين يَعتقدون أنَّ الله أحكم الحاكمين، فإن لم تعرف الحكمة فقلِّد من يعرف الحكمة:

يا حاكمي وحكيمي = أفعالك الكل حكمة

وأما رابعاً: فقد أتيت في صريح كلامك بما يمنع إجابة الدعاء، فقد سمعت في الحديث أنه يجاب للداعي ما لم يستعجل: يقول دعوت الله فلم يستجب لي، وأنت تقول ذلك وتقرره وتكرره، وعندك مانع آخر: فإنَّ على الإنسان أن يدعو وهو موقن بالإجابة.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله تعالى لا يستجيب دعاءً من قلب غافلٍ لاهٍ) أخرجه الترمذي، وأخرجه أحمد من حديث عبد الله بن عمرو ب العاص.

وأما أنت فيظهر أنَّك لا تدعو إلا وأنت شاكٌّ مضطرب كأنك تجرِّب ربك!.

وأما خامساً: فللدعاء موانع كثيرة وآداب عديدة، ومن أكبر موانعه أكل الحرام الذي لم يدع بيتاً إلا دخله، ولا جوفاً إلا أصاب من صريحه أو مشتبهه.

ومن شروط الدعاء: الإخلاص، وأن لا يدعو وقلبه مشغول بغير الدعاء، وأن يكون المطلوب بالدعاء شيئاً لا يتعارض هو والمصلحة الخاصة، أو العامة في حكمة الله تعالى، وأن لا يكون فيه قطيعة رحم، إلى غير ذلك.

وأما سادساً: فالأمور كلها موكولة لمشيئة الله تعالى، الذي هو أعلم بمصالح خَلْقِه، والذي لا يحابي أحداً في باب المصلحة التي يَقتضيها العدل والنظام.

ولو فرضنا أنَّ حكومة من الحكومات سارت مع أهواء الناس فأعطت كلاً ما يطلبه من غير مراعاة الحكمة لاختلَّ أمرُها، وانتقض بناؤها، وفشت ضروب الفوضى فيها، وقد أشار إلى ذلك القرآن بقوله: [وَلَوِ اتَّبَعَ الحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ] {المؤمنون:71}.

سابعاً: أما تشبثك بالتقدير الأزلي فليس فيه غناء، ولا في دفعه عناء، فإنَّ الأسباب مُقدَّرة كالمسببات، والعالم كله مبني على الحكمة، ولذلك كانت الأسباب مَشروعة أو واجبة، وهل إذا قلنا: إنَّ فلاناً قُدِّر له أن يلد ولداً: فهل يكون معنى ذلك أنه يلده بغير زواج وبلا سبب؟ أو أنَّ فلاناً قُدِّر له أن يكون من الأغنياء: فهل معنى ذلك أنَّ غناه يتم له بلا تجارة ولا زراعة ولا صناعة؟! إلى غير ذلك من الأسباب التي قام عليها نظام الكون؟ لا يا أستاذ! إنَّ معنى ذلك أنَّ كل شيء جعله الله تعالى في هذا الوجود على قدر مخصوص وبكيفية مخصوصة وسبب معين ووقت محدود...، الخ.

وهو يعلم ذلك أزلاً، فالأشياء محاطة بتلك الحدود التي يعلمها الله تعالى لا يمكن أن تتخطَّاها.

وليس معنى ذلك أنَّ الأسباب غير مُفيدة أو غير مشروعة؛ فإنَّ الأسباب من المقدر أيضاً كما قلنا.

وقد قال صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن الرُّقَى هل تردُّ من قدر الله شيئاً؟ قال: (هي من قدر الله) أخرجه أحمد في مسنده، والحاكم في مستدركه.

ونحوه قول عمر لأبي عبيدة رضي الله عنهما: (نفر من قدر الله إلى قدر الله) يشير إلى أنَّ الأسباب مقدَّرة، وتوصيلها إلى مسبباتها هو من قدر الله، كما أنَّ الأسباب مقدرة بأسبابها.

وصفوة القول: أنَّك لا تخرج عن القدر في جميع تصرفاتك، فإنَّ الله يعلم ما ستفعله بعد وجودك، وما تستعمله من الأسباب التي جعلها طريقاً لمسبباتها ومنها الدعاء. فالكل مُقدَّر معلوم، ولا تعارض بينه وبين الاختيار، ولا ما تسلكه من شتى الأسباب، فأيُّ مُنافاة بين القدر واستعمال الأسباب يا حضرة الأستاذ؟!.

هذا وعليك أن تعرف أنَّ لله تعالى قوانين كثيرة لا يحيط بها محيط: [وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ العِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا] {الإسراء:85} فاتَّهم عقلك، ولا تتَّهم ربَّك ولا نبيَّك، واعلم أنَّ السعادة كلها والعلم كله والحق كله إنما هو فيما جاء به الأنبياء، وقد ساءني جداً قولك:

كل الشواهد أيدت = لا سعد يأتي بالدعا

ولو أنصفت قلت: 

نحن ندعو الإله في كل كرب = ثم ننساه عند كشف الكروب

كيف نرجو إجابة لدعاء = قد سددنا طريقها بالذنوب

وماذا تصنع يا أستاذ في قول القرآن: [وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ] {الأنبياء:83-84}. 

وفي حق يونس: [وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ(87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي المُؤْمِنِينَ(88) وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الوَارِثِينَ(89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)]. {الأنبياء}. 

وفي حق نوح: [فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ(10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ(11) وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالتَقَى المَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ(12)]. {القمر}. إلى غير ذلك وهو كثير.

وماذا تصنع في قوله صلى الله عليه وسلم: (من فُتح باب الدعاء فتحت له أبواب الرحمة، وإن الدعاء ينفع مما نزل وما لم ينزل فعليكم بالدعاء) أخرجه الترمذي.

وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما على الأرض مسلم يدعو الله تعالى في حاجة إلا آتاه الله إياها أو صرف عنه من السوء مثلها ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم) أخرجه الترمذي.

وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قيل يا رسول الله: أي الدعاء أسمع؟ قال: (جوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبة) أخرجه الترمذي.

وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من دعوة أسرع إجابة من دعوة غائب لغائب) أخرجه أبو داود والترمذي.

وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملك: ولك مثله) أخرجه مسلم وأبو داود، فماذا تقول في ذلك كله؟!.

وبعد: فإنَّ الله يسوق السحاب من الأقطار البعيدة ببركة دعاء المسلمين في الاستسقاء عند انحباس المطر، ولئن كنت جربت عدم إجابة الدعاء (والمانع منك) فقد جَرَّب غيرك إجابة الدعاء فيما لا يحصى من الوقائع، فارجع إلى نفسك باللوم، واقرأ قوله تعالى: [وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ] {الأعراف:160}. وقوله:[ إِنَّ رَحْمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ المُحْسِنِينَ] {الأعراف:56}، [وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ] {الشُّورى:30}، [أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ] {آل عمران:165}، [إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ] {الرعد:11}.

اللهم اجعلنا ممن سمع فوعى، وعلم فعمل، ثم راقب فأخلص، وأزل قسوة قلوبنا، وأنزل علينا سكينة من عندك، حتى نطمئنَّ لوعدك، ولا نُفرِّط في عَهْدك.

هذا وقد قال علي كرَّمَ الله وجهه: (لو أنَّ الناس حين تنزل بهم النقم وتزول عنهم النعم، فزعوا إلى ربهم بصدق من نياتهم وولَهٍ من قلوبهم، لردَّ عليهم كل شارد، وأصلح لهم كل فاسد) ويقول: (إنَّ من الإيمان ما يكون ثَابتاً مُستقراً في القلوب، ومنه ما يكون عوارى بين القلوب والصدور إلى أجل معلوم). 

ويقول الله تعالى: [كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ] {الأنبياء:35}. ويقول: [وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ المُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ] {محمد:31}. 

ويقول: [أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الكَاذِبِينَ] {العنكبوت:2-3}. 

ويقول: [وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الخَوْفِ وَالجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ] {البقرة:155}. ويقول: [لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ] ثم يقول في آخر الآية: [وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ] {آل عمران:186}. إلى غير ذلك وهو كثير.

ومما له اتصال بهذا المقام قوله تعالى: [أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ] {المؤمنون:55-56}. 

ويقول: [فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ] {الأنعام:44}. 

ويقول: [سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ] {القلم:44-45}، ويقول: [وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ] {آل عمران:178}، فما أجدرنا أن نقول لك:

أيها الإنسان صبراً = إنَّ بعد العسر يسرا

اشرب الصبر وإن كا = ن من الصبر أمرا

أو نقول:

إذا أعطى فقد أرضى و لكن = إذا أخذ الذي أعطى أثابا

فأي النعمتين أحق شكراً = وأحمد عند منقلب إيابا

أنعمته التي أهدت سروراً = أم الأخرى التي أهدت ثوابا؟

أو نقول: 

إنَّ الأمور إذ التوتْ وتعقَّدت = نزل القضاء من السماء فحلَّها

فاصبر لها فلعلها ولعلها = وعلَّ من عقد الأمور يحلها

ولكن:

كم قد سمعنا من الآثار والحكم = لكن بأذن عن الإنذار في صمم

همنا بوادي المعاصي آنسين به = فالقلب من ظلمة الوادي الوخيم عمي

إنا لنعرف ما نسمو به عظما = لكنَّ أنفسنا تأبى من العظم

أدلة الحق كالأعلام ظاهرة = لكنَّ غفلتنا تعمي عن العلم

يا نفس وقتلك سيف في يدي أمل = إن كنت نائمة فالموت لم ينم

جِدّي وكوني على الخيرات عاكفة = وخالفي مرتع العصيان والظلم

وما أكثر ما يفتح الله به للمستعد من الفيض الإلهي الذي يورث النور ويزيل الغرور.

نسأل الله أن يُعرِّفنا قصور عقلنا، وضيق علمنا، وكبير ضعفنا، وعظيم جهلنا بمنه وكرمه!.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. 

المصدر: (مجلة نور الإسلام)، المجلد الخامس، الجزء 7 . 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين