ما أروع الحج

ما أروع الحج وأعظمه!.. وما أبلغَ وأسبغَ نعمةَ اللهِ تعالى على المسلمين فيه!..

إنه الرحلةُ إلى الله جل شأنه، وإنه إعلانُ الرفضِ للشيطان، ولمنهج الشيطان، ولدرب الشيطان، وهو التعبيرُ العملي عن الرغبةِ في الطريق إلى الله عز وجل، والإقرارُ بخضوعِ العقلِ للوحي لأن العقل قاصر، والوحي معصوم، والاعترافُ التام المطلق بالخضوع لله عز وجل ودينِه وكتابِه ونبيه صلى الله عليه وسلم.

ولو أن المسلمين استوعبوا هذه المعاني الجليلة وما يماثلها، مما تحفل به عِبَرُ الحجِّ ودروسه ودلالاته، ولو تعاملوا مع هذا الاستيعاب بثقة المسلمين الأوائل، بعيداً عن مناهج الشك، والمبادئ المستوردة، والدعوات الجاهلية، والعصبيات والعنصريات، لقادتهم فريضةُ الحجِّ إلى فريضة الجهاد، وإلى التعاونِ والاتحاد، وإلى الواجبات الكبرى التي يوجبها عليهم انتماؤهم للإسلام، ففازوا بذلك وانتصروا، وغلبوا وتفوقوا، وتجاوزوا التحدياتِ المسعورة التي تحيط بهم من كل جانب، وانتزعوا قيادةَ الحضارة اليوم، من قيادتها الحالية التي آلت إلى أناسٍ فجرةٍ كذبة، غادرين منافقين، لا يعرفون الحق، ولا يرجون لله وقاراً، فقادوها إلى الشقاء والدمار.

ولو أن المسلمين عادوا من رحلة الحج بمثل هذه المعاني والمشاعر والعزائم؛ لما استطاع اليهودُ الجبناء الأذلاء، المشردون المبعثرون، أن ينتزعوا منهم فلسطينَهم، ويأسروا أقصاهم، ويدنسوا قدسهم؛ فهم أعجزُ من ذلك وأجبن. وأنّى لهم أن يقفوا في وجهِ أمّةٍ متحدةِ العقلِ والقلب، والسرائر والضمائر، والعزيمة والأمل!؟ وأنّى لهم أن يفكروا بحربها مجرد تفكير فضلاً عن أن يحاربوها بالفعل، وينتزعوا قطعةً غالية من ديارها بالقوة، ليقيموا عليها كيانَهم الظالم الباغي الغشوم!؟

ولكن لأن الأمة المسلمة ليست على الحال التي يريد منها إسلامُها أن تكونَ عليها فعل اليهود ما فعلوا، وحين تكون حقاً وصدقاً -وإنها لكائنةٌ بإذن الله- على المستوى الإيماني الذي يريده منها دينُها العظيم، سيكون اليهود كاللقمة في فمِ الأسد، وسيُهْزَمون شَرَّ هزيمة، وسيكونون خبراً من الأخبار، وستُطْوَى دولتُهم الكاذبة بقيامِ دولة الإسلام، وتسقطُ رايتُهم الفاجرة بعلوِّ راية الإيمان، ويولي ليلهم الفاجر بطلوعِ فجرِ الحق والهداية، وتغيبُ التوراةُ المزيّفة المحرّفة، والتلمودُ الكذوبُ الجهول، وبروتوكولات حكماء صهيون الآثمةُ الباغية، بانتصارِ القرآن الخالد المحفوظ، وهديهِ المباركِ الخيّر، ومبادئهِ السامية الطاهرة.

وحقاً.. إن المرء حين يرى المسلمين في الحج؛ يعرف ضخامة هذه الأمة الإسلامية العجيبة، الهادية المباركة، المنجبة الولود، يعرف ضخامتَها عقيدةً صحيحة، مستعلية مكافحة، ويعلم ضخامتها أعداداً هائلة، ويعلم ضخامتها موقعاً فريداً، ويعلم ضخامتها مواردَ وإمكاناتٍ مذخورة، وطاقاتٍ في غاية الغنى والتوسع والكثرة، ويعلم أن هذه الأمة تنتظر مَنْ يلهب قواها هذه، ويوقد فيها شرارةَ الجهاد، ويستخرجُ منها أقصى إمكاناتها، في مسيرةٍ جادةٍ صادقة، مؤمنةٍ متحمسة، لتكونَ أعجوبةَ العصرِ من جديد، ووثبةَ الظفرِ من جديد، والموجةَ التي تكتسحُ الدنيا من جديد، فتطهّرها من رجس الزيف والكذب، والضلال والباطل، والفساد والنفاق، والشرور والآثام، وتبني عليها دولةَ الصدقِ والصحة، والهداية والحق، والخير والأمانة وما شِئْتَ من فضائل ومكرمات.

أما العقيدة الإسلامية فهي مكمن القوة الحقيقي في هذه الأمة، وهي بحمد الله تعالى عقيدةٌ صحيحةٌ لا خطأَ فيها، نقيةٌ لا شائِبةَ فيها، واضحةٌ لا غموض فيها، وهي عقيدةٌ شاملةٌ كاملةٌ متوازنة، وهي عقيدة جادة منشئة مبدعة، وهي عقيدة إيجابية عملية مكافحة، وهي كذلك عقيدة إباء واستعلاء، وشموخ ويقين، وثقة بالغة لا حد لها.

وهذه العقيدة العظيمة التي هي أعظم ما يملكه المسلمون، وأقوى وأغلى ما يملكه المسلمون، هي مكمن القوة الأول عندهم، وهي الشرارة التي تفجّر كلَّ شيء فيهم نحو الخير، وهي سندهم الأكبر في الحياة، وأملُهم في صياغةِ مستقبلٍ عظيمٍ من بعد، صياغتها لمجدٍ باذخٍ من قبل.

وبعدَ العقيدةِ الصحيحة، وبتوجيهِ العقيدةِ الصحيحة؛ ترى الإمكانياتِ الكبرى للأمة المسلمة وضخامتها، فالموقع عظيم فريد، يمتد ما بين جاكرتا وطنجة، أو بين إندونيسيا والمغرب، وفيه مناطق في غاية الأهمية كجبل طارق، وباب المندب، وقناة السويس، والعدد هائل كبير يتجاوز مليار مسلم في بقاع هذا العالم. أما الإمكانات من الموارد والثروات، المخبوءة منها والمستخرجة، المجهولة منها والمعلومة، فهي من الكثرةِ والسعة والتنوع والغنى بدرجةٍ عجيبة باهرة.

إنَّ مشاهدةَ المرءِ للمسلمين في الحج، ومعرفتَه بضخامةِ أمتهم العجيبة، عقيدةً وأرضاً، وبشراً وموارد، تجعله يعلم أن فرصَ التفوقِ والظهور أمامَها كبيرةٌ جداً، واحتمالاتِ النصر والظفر أمامَها في غايةِ الكثرة، وأنها بحاجةٍ إلى مَنْ يوقد الشرارةَ فيها، ويلهبُ قواها المذخورة لتتدفقَ كالسيلِ العرم، وتتبوّأَ مكانَ الصدارةِ من جديد، وتتولى قيادةَ الحضارةِ البشرية مرةً أخرى كما فعلت من قبل.

*****

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين