ماذا يريد المسلمون من تاريخهم؟

 
 
 
 
 
الأستاذ : ماهر سقا أميني
 
 
ما الذي يريده المسلمون من قراءة التاريخ؟ يغلب على الخطاب الإسلامي اعتبار تاريخ القرون الأولى بعد مجيء الإسلام نموذجاً يحتذى به، وفي هذا شيء كثير من الوجاهة، فلاتزال وستبقى السيرة النبوية الشريفة وحياة الصحابة، رضوان الله عليهم، ومن جاء بعدهم من التابعين منارات للهداية والاقتداء والسير باتجاه الفوز في الدارين، إلا أن الأمر يتوقف على طبيعة التعاطي مع هذا التاريخ، فليس المقصود هو المحاكاة والتقليد الحرفي لسلوك من سبق حتى نكون ممن يقتدي بالسلف الصالح، إنما هي قيم وأخلاق وسمات شخصية تعد من (ثوابت الدين) وإن كانت تعبر عن نفسها في كل زمن بصورة تختلف عن صورتها في الزمن الآخر .
 
لقد ركب السلف الصالح الحمير والبغال فهل الاقتداء بهم اليوم يكون بركوبها؟ قد يبدو المثال سخيفاً ولكنني قصدته لأضرب مثالاً آخر لا يختلف عنه كثيراً وهو مما يردده المسلمون اليوم ويعدّونه هدفاً وغاية تبذل في سبيلها المهج والنفوس وهو تحقيق الخلافة الإسلامية، فالكثيرون ممن يرددون شعار تحقيق الخلافة الإسلامية لا يخطر في بالهم إلا عمر الفاروق، رضي الله عنه، وعمر بن عبد العزيز، مع أن الخلافة الإسلامية استمرت أربعة عشر قرناً كان فيها الصالح والطالح والعادل والظالم والزاهد والمترف، المسألة إذاً في تحديد معنى الخلافة المرجوة بعيداً عن العصبية والحمية العمياء، لقد تقدمت العلوم السياسية خلال ألف وخمسمئة عام تقدماً دفعت البشرية ثمناً غالياً جداً له، وتم فرز السلطات إلى سلطات قضائية وتنفيذية وتشريعية، وصار “للشورى” مؤسسات ضامنة لها .
 
كثيرون يعتبرون أن كل ما سبق هو نوع من اللهاث وراء الغرب متناسين أن هذا يعد انجازاً حضارياً بشرياً لا بد لكل الناس أن يقطفوا ثماره، وبالتالي فإن خلافة فيها صلاحيات كالصلاحيات التي كان يمتلكها الخلفاء الراشدون وعمر بن عبد العزيز خامسهم ليست مما يجب أن يكون غاية للناس، فهؤلاء الرجال يعدون بأصابع اليد الواحدة عبر التاريخ الإسلامي ولا يقاس الحال على نوادر قل أن تتكرر عبر الزمان، أو بعبارة أخرى أعطني رجلاً كعمر لأعطيه صلاحيات كالتي كان يمتلكها عمر .
 
هذا مثال واحد عن تسطح الخطاب الإسلامي في قراءته وعرضه للتاريخ، والأمر نفسه تجده في ما يسمى بالطب الإسلامي والاقتصاد الإسلامي وغيرهما مما ينعكس على سلوك المسلمين كنوع من التقهقر الفكري والعقلي، بل وينعكس حتى في فتاوى بعض الفقهاء ممن لا يفهمون الفقه إلا بأحكامه الحرفية كما وردت في كتب الأقدمين من دون اعتبار لمقاصد الشريعة التي يجب أن تقدم على مفردات تطبيق الأحكام، حتى قيل: إن للأمة الإسلامية مستقبلاً واحداً هو المستقبل السالف .
 
ونعود إلى سؤالنا الذي بدأنا به هذه السطور: ما الذي يريده المسلمون اليوم من تاريخهم؟ قد يقال التربية والتهذيب، وفي قصص السلف الصالح الكثير مما يفاد منه في هذا المجال، ولكن ألم تحمل بعض أشكال التربية لدى السلف الصالح تفاصيل ومفردات لم يعد بالإمكان وليست مما يجب أن يرتجى، خذ عندك حالات الزهد التي عرف بها بعض السلف الصالح وهي حالات مرموقة ومشرقة في زمانهم، كمن ترك كل شيء وهام في الصحارى، وكمن كان يرتدي الممزق والمستعمل، وكمن كان يعد تطويع الأفاعي دليلاً على الاستقامة والكرامة، وكمن كان يرى في سؤال الناس تهذيباً لنفسه، لماذا نكرر مثل هذه القصص من دون اعتبار للفارق الزمني الاجتماعي المعرفي؟ ولماذا لا نذكر أمثلة هي الأبقى والأزكى من حياة الرسول عليه الصلاة والسلام أو من رجال صالحين يعيشون على الأرض معنا وبيننا ويتسمون بما اتسم به السلف الصالح من تزكية وصلاح من دون أن يكونوا ممن يقلدون حرفياً ما فعله السلف؟
 
باختصار، يبدو أن للتاريخ في حياة المسلمين وظائف أخرى غير الاقتداء والتأسي والتربية والتهذيب، وهي وظائف نفسية تعويضية حيث نفخر بماض ولا حاضر لنا، ونوجه وجوهنا شطر الماضي ندعي الأستاذية على العالم بما فعله أجدادنا في زمانهم لا بما نفعله نحن في زماننا .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين