ماذا لو عطس؟!! - المرض والصلاة

ماذا لو عطس؟!!

بقلم: يحيى كريدية

منذ أول يوم من رمضان وأنا أتشوقّ لأداء صلاة التراويح، فلقد حبسني عذرٌ عن الخروج لصلاة التراويح.. دخلتُ اليوم المسجد بعد طول انتظار وفرحتُ بإقبال الناس الكبير على صلاة التراويح، صلينا العشاء وبعدها استوت الصفوف مجدداً لصلاة التراويح، وما أن هدأ الناس وبدأ الإمام حتى لاحظت في الصف الذي أمامي مباشرة شاب يُكثر من العُطاس.. وأستسمحكم العذر مرة أخرى فأخوكم حسّاس حسّاس جداً.. - ولستُ صاحب وسواس - وخاصة أنني أكثرت في الآونة الأخيرة من متابعة إحصاءات وأخبار انتشار انفلونزا الخنازير.. عدد الإصابات وعدد الوفيات.. وأساليب الوقاية والحماية.. نرجع إلى الأخ العطّاس الذي كان أمامي.. فقد بدأَتْ تتخطّفني الأفكار.. أولاً: أعان الله مَن يقف عن يمينه وعن شماله.. ثانياً: هل هو مصاب بانفلونزا عادية أم انفلونزا الخنازير؟!! ثالثاً: يا ترى هل ترجع الجراثيم رجوعاً أم ستتخذ طريقها إلى الصفوف الأمامية فقط؟ رابعاً ما القُطر – طولاً وعرضاً - الذي ستنتشر به هذه الجراثيم؟ خامساً: حال هؤلاء الناس الذين ستنالهم العدوى بسبب حضور هذا الأخ هذه الصلاة التطوّعية على الرغم من مرضه المُعدي؟!... فكرة تلو الأخرى وإذ بي انتبه للإمام يُسلّم من الصلاة.. انتهت أول ركعتين.. ربَتُّ على كتف الشاب وناولته منديلاً ورقياً.. لعله يفهم القصد.. فتناوله مني شاكراً.. ثم دخلنا في ركعتين جديدتين من التراويح، صدقوني لم أعقل منهما سوى مراقبة ذلك الشاب المسكين الذي تفتَّتَ منديلي بين يديه وعلى أنفه.. وما أن انتهت الركعتان حتى كان قراري محسوماً: الفرار من قضاء الله لقضاء الله.. انسللتُ من مكاني متراجعاً لآخر صف من صفوف الصلاة.. فوجدتُ نفسي أقف وأمامي أرتال الأحذية.. لا وقت للتفكير فلقد انطلقت تكبيرة الإحرام .. كبّرتُ معهم وقلت لعلي أحظى بركعتين خاشعتين على الرغم من الروائح "العطرة" المنبثقة من جبال الأحذية الشرقية والغربية.. ولكن هيهات هيهات.. فما أن بدأت الصلاة حتى جاء شاب ووقف عن يميني مباشرة يكاد يلتصق بي.. وكان يحمل بيده منديلاً يرفعه كل عدة ثواني ليضعه على أنفه يدافع عطاساً ويمسح سيولاً..لا حول ولا قوة إلا بالله.. وبدأت تتناوشني الأفكار: ماذا لو عطس؟!! ماذا أفعل، هل أترك الصلاة حينها وأهرب..أم ماذا؟! وبدأتُ أُصبّر نفسي.. وأتذكّر أنه لا عدوى إلا بإذن الله.. لم تكن حال الركعات هذه أحسن من التي سبقتها.. فالتفكير كله منصبّ على (ماذا لو عطس؟).. خرجتُ بعدها من المسجد لأجد أحد الإخوة الأحبة ممن يتابعون ما أكتب في رمضان.. فقال لي رأيتكَ قد انسحبتَ فما السبب؟ وهل حدث شيء ما ستكتبُ لنا عنه؟ تبسّمت وقلت له: نعم، فقال: هل يتعلق ذلك بالإمام فقلت: لا، ولكن انتظر مني أول رسالة وستعرف الموضوع، فأصرّ على أن يعرف ولو العنوان، وكان العنوان قد اختمر في رأسي وأنا في محنتي داخل المسجد: فقلت له: ماذا لو عطس؟
أسأل الله تعالى الحفظ لنا وللمسلمين من كل آفة وشر، وأن يعافي مرضى المسلمين من كل داء وبلاء، وأتمنى على إخواني في هذه الظروف الصعبة أن يُكثروا من التوكل على الله تعالى، مع الإكثار من الأخذ بالأسباب والاحتياطات، فمن ابتلاه الله تعالى بمثل هذا، فليتحمّل مسؤوليته، وليسعه بيته إلى أن يعافيه المولى تعالى مما ابتلاه فيه، والحمد لله أولاً وآخراً

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين