ماذا قبل: مروا أولادكم بالصلاة؟

أطفالنا والعبادة (14)

مَاذا قبْل: مروا أولادَكم بالصلاة؟

د. عبد المجيد أسعد البيانوني

 

يظنّ بَعض الناس أنّ التربيةَ على العبادة تبدأُ حين نأمُرُ الطفلَ بالصلاة، وهو ظنّ واهمٌ، سببه الوقوف عند فهم سطحيّ لحديثِ: " مروا أولادَكم بالصلاة.. " رواه أبو داود برقم /495/ بإسناد حسن، وأخرجه أحمد 2/180 و187/.

والحقّ أنّ مرْحلة الطفولة المبَكّرةَ هي مرحلة التمهيدِ لهذا الأمرِ والتكليف، حتّى إذا آنَ الأوانُ لهذا الأمر كانَ ثمرة طبيعيّة لتلك المرحلة المهمّة من حياة الطفل..

 

* فمَاذا قبْل: مروا أولادَكم بالصلاة.؟ وما المرحلة التمهيدِيّة لهذا الأمرِ.؟!

 

إنّ هناك حقائقَ مهمّة، على الآباء والمربّين أنْ يغرسوها في نَفس الطفل، ويتعهّدوها، ليكون من آثارها إقبالُ الطفل على العبادة، عندما يؤمرُ بها، وأهمّ هذه الحقَائق:

 

1 ـ تحبيب الطفل بالله تعالى بتعداد نعمه سبحانه: {وَمَا بِكُم مِن نِعمَةٍ فَمِن اللهِ... (53)} النحل، والتذكير بهَا بينَ الحين والآخر، وإثارةِ العطف والشفقة على من حرم منها، فكيف نحفظ نعم الله.؟

2 ـ التربية على شكْر المنعم، والثناء على منْ قدّم المعروف، والله تعالى أعظم منعم على العَبد متفضّل، فهل نستَطيعُ أن نؤدّيّ شُكرَ الله على نعمه.؟!

3 ـ تقديم القدوة العمليّة للطفْل، وذلك بأن يرى والديه، ومن هو أكبر منه سنّاً، مهتمّين بالصلاة، حريصين على أدائها في وقتها..

 

وإنّ الأسرة المسلمة تقدّم صورة مضيئة عن الاهتمام بالصلاة، فمنذ الفجر تَرى الأسرة تنهض إلى الصلاة كباراً وصِغَاراً، فيما يشبه استعداداً لاحتفالٍ بهيج، فالبنون يخرجون مع أبيهم إلى المسجد لصلاة الجماعة، والبناتُ يصلّينَ مع أمّهنّ.. والأطفال الصغار يشْهدونَ هذا الموقف المتكرّر كلّ يوم، ويشاركون فيه بطريقتهم الخاصّة..

 

وعلى قدر عظم الأمر وأهمّيّته يعظم التهييئ النفسيّ له والاستعداد، فما دامت الصلاة أهمّ أعمال المسْلم فينبغي أن تحظى بأعلى درجات التهييئ النفسيّ، الذي يجعلها تُؤدّى على أحْسن صورَة، وأتقَنِ هيئة.. فلا يستوي من عاش في بيت لا يعرف الصلاة، ولا يهتمّ بها، كمن نشأ في جوّ مشحون بحبّ الصلاة، والاهتمام بهَا، والحرص على أدائها، فلابدّ أن يتأثّرَ بهذا الجوّ، ويرث عنه تعظيم الصلاة، والاهتمام بها، وهذا ممّا يشير إليه قول الله تعالى: {ربّ اجعلني مُقيمَ الصلاة، ومن ذرّيّتي، ربّنا وتقبّل دعاء (40)} إبراهيم.

 

هذا ومن أهمّ مظاهر التهييئ النفسيّ للصلاة:

1 ـ رؤيَة الكبار يصلّون، كالوالدين والإخوة والأخوات، وهذا ما يجعل الأطفال منذ السنوات المبكّرة يحاكون الكبار، ويقلّدونهم في حركات الصلاة، وعندما يكبر الأطفال يزدادون تعلّقاً بالصلاة، وحبّاً لها.

2 ـ التحبيب بالصلاة وما فيها من فوائد، بما يناسب سنّ الطفل واستعداده: فينْبغي أن يحدّثَ الوالدان الطفلَ بذلك بين الحين والآخر، ليزداد شوقاً كلّما كبر إلى أداء الصلاة، ليكون مثل الكبار..

3 ـ أن يبيّن الوالدان للطفل ثمرات الصلاة وآثارها، ومنْ أهمّها: مراقبة الله تعالى وخشيته، وحسن معاملة الناس، والبعد عن الفحشاء والمنكر: {إنّ الصلاةَ تَنهى عَنِ الفحشاءِ والمُنكَرِ، ولذكرُ الله أكبر.. (45)} العنكبوت.

 

4 ـ أن يحدّث الوالدان الطفلَ عن صلاة النبيّ صلى الله عليه وسلَّم: كيْف كانت.؟! بما يناسب سنّ الطفل ووعيه، لينشأ متطلّعاً إلى أداء الصلاة كما كان النبيّ صلى الله عليه وسلَّم يؤدّيها..

 

فقد كان النبيّ صلى الله عليه وسلَّم لا يشغله شأن عن الصلاة، وكان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، وكان يقول لبلال: أرحنا بهَا يا بلال ! أرحنا بهَا يا بلال ! وقام من الليل حتّى تورّمت قدماه، وعنْدما قيل له في ذلك، قال: أفلا أكون عبداً شكوراً.؟!

5 ـ بيان مكانة المصلِّين عنْد الله ؛ فالمصلّون تستغفر لهم الملائكة، ويذكرهم الله في الملأ الأعلى، ويستجيب الله لهم دعاءهم، ويرفعهم عنده درجات عليا في الجنّة، وهكذا فإنّ الصلاة مفتاح الخيرات في حيَاة المؤمن..

6 ـ ومن التهييئ النفسيّ للصلاة: أن يُحَفّظَ الطفلُ بعضَ النصوص الشرعيَّة، التي تبيّن فضل الصلاة وأهمّيّتها، ويبيّن له معناها بما يناسب سنّه، ومن ذلكَ قول الله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ، وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى، وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ (238)} البقرة.

وقوله سبحانه: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ، وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاّ عَلَى الخَاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ، وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (46)} البقرة.

وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ، إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153)} البقرة.

وقول تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)}المُؤْمِنُونَ.

 

7 ـ ومن التهييئ النفسيّ للصلاة: تعليم أهمّ أحكام الطهارة والصلاة بصورة متدرّجَة مناسبة، حتّى إذا وصل الطفل سنّ السابعة كان مدركاً بصورة جيّدة لأهمّ أحكام الصلاة، مؤدّياً للطهارة المطلوبة كما ينبغي.. ولقد رأيت عدداً من الناشئة في أسرٍ متديّنة، بلغوا سنّ التمييز، وهم لا يعلمون شيئاً من أحكام الطهارة والصلاة.!

 

8 ـ ومن التهييئ النفسيّ للصلاة: الاحتفال بصلاة الطفل، ودعوة الأقارب والأصدقاء لذلك، وصلاة الطفل أمامهم، وتَقديم الهدايا له بهذه المناسبة، وكذلك الاحتفال بصلاة الفتاة وحجابها.. وهذا الأسلوب التربويّ كان يعمل به الشيخ أحمد عزّ الدين البيانونيّ رحمه الله في تربيته لأولاده، ويدعو إليه إخوانه، وقد أثمر أحسن النتائج والآثار في حياة أبنائه وإخوانه، وبلغني أنّ الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله كان يعمل بذلك، فانظر إلى تشابه أسلوب الرجلين.

ومثل هذا الاحتفال له أثر عميق في نفس الطفل، وبخاصّة إذا سُجّل له وحفظ، فكان التسجيل ذكرى لا تنسى..

 

ومن بركات هذا الاحتفال: دعاءُ الحاضرين للطفل بحسن النشأة، والثبات على الحقّ والخير، وتشجيعهم له بالكلمات الطيّبة، ممّا يكون له أعمق الأثر في نفسه ونشأته..

 

فانظر أيّها الوالد المربّي! رعاك الله: أئذا كان هذا كلّه قبلَ أن يبلغَ الطفلُ السابعةَ، ويُؤمرَ بالصلاة، فهل يعقلُ أن يتهاوَنَ بالصلاة، ويستهترَ بها بعد ذلكَ.؟! هيهات هيهات.! ولكنّ " الأمر " عندما يقوم على غير قاعدة تربويّة راسخة، وتمهيد مناسب، فإنّما يكوْنُ أشبهَ بالنقشِ على الماء، أو البناء في الهواء، ولن نجنيَ من وراء ذلك إلاّ العناءَ.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين