ماذا على المسلم بعد الحج – حاجا أو غيره -1-

 

 

1. الاستقامة والدعاء بالقبول

عن سفيان بن عبد الله رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله r: "قل لي في الإسلام قولاً لا اسأل عنه أحداً غيرك" قال r: "قل: آمنت بالله ثم استقم"([1]) سؤالُ الله قبول العمل الصالح من صدق الإيمان؛ بنى إبراهيم - عليه السلام - الكعبةَ ودعا ربَّه: رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ "[2] والثباتُ على الدين من عزائمِ الأمور؛. وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ"[3] "وكان النبي - صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من تغيُّر الحال ، ومن التحوُّل عن طريق الاستقامة فيقول "أعُوذُ بِكَ مِنَ الحَوْرِ بَعْدَ الكَوْرِ" [4] أي من الطاعة إلى المعصية ، والمعنى إجمالا : أعوذ بك أن تفسد أمورنا وتنتقض بعد صلاحها ، وكان يكثر من الدعاء: (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك[5]) ،والراسخون  في العلم يقولون: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا}[6] فكيف بمن دونهم؟؟!!

 

2. مصاحبة أهل الاستقامة والثبات

قال تعالى : "وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا"[7] وقال :" يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ"[8]  ذلك أن " الصاحب ساحب " وفى الصحيح : " " مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ، كَحَامِلِ المِسْكِ وَنَافِخِ الكِيرِ، فَحَامِلُ المِسْكِ: إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الكِيرِ: إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً"[9]

 

3. الحذر من العود إلى المعاصي والإصرار عليها

قال كعب: من صام رمضان وهو يحدث نفسه إذا أفطر من رمضان لم يعص الله دخل الجنة بغير مسألة ولا حساب ومن صام رمضان وهو يحدث نفسه إذا أفطر عصى ربه فصيامه عليه مردود. وذلك للحديث الصحيح " الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ وَلِامْرِئٍ مَا نَوَى ..."[10].ولأنه بات مصرا على معصية الله تعالى وقد جاء فى وصف المتقين عدم الإصرار على المعصية ، قال تعالى: وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ *وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ *أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ "[11]

 

4. الصيام الباقي على الصائمين والحجاج

كما أن الشأن في رمضان من أفطر أياما بسبب مرض أو سفر إلى غير ذلك من الأعذار المؤقتة  فقد استقر في ذمته فَرْضٌ وَاجِبٌ وحق مؤكد ، وَدَيْنٌ ثَابِتٌ يُؤَدَّى أَبَدًا وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ الْمُؤَجَّلُ لَهُمَا، وَمَنْ لَزِمَهُ حَقٌّ لِلَّهِ أَوْ لِعِبَادِهِ لَزِمَهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ، وَقَدْ شَبَّهَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى بِحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ وَقَالَ ((دَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى)) فعليه الوفاء به بعد رمضان لقوله تعالي " ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر "[12]  ولحديث الصحيحين  : كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ – أي الحيض - فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلاَ نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلاَةِ" ([13]).كما الشأن هكذا في الصيام هو هكذا في الحج ، فمن حج - متمتعا أو قارنا – ولم يجد ميسرة للهَديْ فليصم ثلاثة أيام في الحج وقد استقر في ذمته صيام سبعة أيام بعد رجوعه إلى أهله " فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ "[14] وذلك وفاء للدَّيْن ، وإكْمالا لِلعدَّة وإبراء لِلذِّمة ، وهذا من رحمة الله تعالى بعباده فله الحمد وله النعمة وله المنة .

 

5. ثواب الحج والعمرة يوميا من غير سفر إلى الحجاز

أعمال ثلاثة تنال بكل واحد منهما ثواب الحج والعمرة حيث أنت بلا سفر ولا نفقة ولا تأشيرة ، ولا يُسقط الفريضة منهما:

 

1-فى الصحيح " مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ مُتَطَهِّرًا إِلَى صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ , فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْحَاجِّ الْمُحْرِمِ[15] ، وَمَنْ مَشَى إِلَى صَلَاةِ تَطَوُّعٍ[16] وفي رواية: (وَمَنْ مَشَى إِلَى سُبْحَةِ الضُّحَى[17]،  لَا يَنْصِبُهُ إِلَّا إِيَّاهُ , فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْمُعْتَمِرِ[18])[19]

 

2- فى الصحيح " مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ لَا يُرِيدُ إِلَّا أَنْ يَتَعَلَّمَ خَيْرًا أَوْ يُعَلِّمَهُ , كَانَ لَهُ كَأَجْرِ حَاجٍّ , تَامًّا حَجَّتُهُ "[20]

 

3- فى الصحيح "مَنْ صَلَّى الْفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ الله حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ تَامَّةٍ تامة تامة"[21] وللحديث بقية بحول الله وقوته فى الجزء الثاني والله وحده ولي التوفيق وأسأله العصمة من الزلل والخطأ والخلل فى القول والعمل.

 

 

([1]) صحيح مسلم 38. كتاب الإيمان باب جامع أوصاف الإسلام

[2] البقرة: 127

[3] آل عمران : 186

[4] صحيح مسلم كِتَابُ الْحَجِّ بَابُ مَا يَقُولُ إِذَا رَكِبَ إِلَى سَفَرِ الْحَجِّ وَغَيْرِهِ

[5] سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (5/ 126)

[6] آل عمران:8

[7]  الكهف : 28

[8] التوبة : 119

[9] صحيح البخاري كِتَابُ الذَّبَائِحِ وَالصَّيْدِ بَابُ المِسْكِ  صحيح  مسلم كتاب البر والصلة والآداب باب استحباب مجالسة الصالحين

[10] صحيح البخاري كِتَاب الْعِتْقِ. باب الْخَطَأ وَالنِّسْيَانِ فِي الْعَتَاقَةِ وَالطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ وَلَا عَتَاقَةَ إِلَّا لِوَجْهِ اللَّهِ

[11] آل عمران:133-136،

[12] البقرة / 185

([13])‏مسند الإمام أحمد كما أخرجه البخاري (1/421)، ومسلم (335). في ‏صحيحه كتاب الحيض. باب وجوب قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة. ‏نيل الأوطار كتاب التيمم. أبواب الحيض. باب الحائض لا تصوم ولا تصلي وتقضي الصوم دون الصلاة

[14] البقرة :196

[15] (د) 558 , (حم) 22358

[16] مسند الشاميين: ج4/ص315 ح3412 , انظر صَحِيح الْجَامِع: 6556

[17] (حم) 22358 , (د) 558 , وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده حسن

[18] (د) 558 , (حم) 22358

[19] صَحِيح الْجَامِع: 6228، 6556، صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب: 320، 446

[20] صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب: 86

[21] صحيح الجامع حديث رقم: 6346 للحديث شواهد ذكرها المنذري في «الترغيب» يرقي الحديث بها إلى درجة الحسن أ. هـ وانظر «الصحيحة» (3403).

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين