ماذا تعني كلمة عرب (1)؟؟

تفسير مضلل ومعاني لا أصل لها في كتب اللغة

من الأساليب الملتوية التي يتبعها البعض أنهم ينشرون في مواقع التواصل تفسيرات لكلمات القرآن الكريم شاذة وممجوجة ، وينسبونها لمعجم من معاجم اللغة العربية المعتمدة أو لعالم ثقة مشهور أو يختارون لها عنواناً جذاباً يخدعون به الناس : وحقيقة الأمر ان هذا التفسير قاله بعض المعاصرين الذين لم يدرسوا علوم اللغة العربية دراسة متخصصة ، ولا يعرفون أساليبها ولم يتذوقوا بلاغتها ، فصاروا منبوذين بمجرد ذكر أسمائهم لدى عامة الناس ، لأنهم عرفوا بمشروعهم الذين يهدفون من ورائه الى تحريف كتاب الله تعالى والتشكيك بحقائقه وأحكامه .

فمن هذه المقالات هذه المقالة المنتشرة كثيراً في مواقع التواصل والمنسوبة لكتاب "لسان العرب لابن منظور " ، وسأرد عليها تباعا بمقالتين :

( معنى كلمة "عربي" حسب الجذر اللغوي لـ "ع ر ب" كما في "لسان العرب" والتي وصف الله تعالى بها القرآن الكريم فإنها تعني التمام والكمال والخلو من النقص والعيب

وليس لها علاقة بالعرب كقومية.

فعبارة ( قرآنا عربيا ) تعني

قرآناً تاماً خالياً من النقص والعيب.

وتفسير كلمة ( عُـرُبَا ) بضم العين والراء وفتح الباء والتي وردت كصفة للحور العين في قوله تعالى

( فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا *عُرُبًا أَتْرَابًا * لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ )

فوصفت الحور بالتمام والخلو من العيب والنقص.

أما ( الأعراب ) الذين ورد ذكرهم في القرآن على سبيل الذم ليسوا هم سكان البادية ، لأن القرآن أرفع وأسمى من أن يذم الناس من منطلق عرقي أو عنصري، ولو كان المقصود بالأعراب سكان البادية لوصفهم الله تعالى بالبدو كما جاء على لسان يوسف

(وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ۚ )

إذن من هم الأعراب ؟

فإن ألف التعدي الزائدة في كلمة الأعراب قد نقلت المعنى الى النقيض كما في ( قسط و أقسط ) قسط : ظلم، أقسط : عدل

عرب : تم وخلا من العيب

أعرب : نقص وشمله العيب

فالأعراب مجموعة تتصف بصفة

النقص في الدين والعقيدة

( قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ۖ )

فإن اللغة العربية التي هي لغة القرآن ليست لغة بشرية أصلا بل هي لغة السماء التي علم الله بها آدم الأسماء كلها ثم هبط بها الأرض وكانت هي لغة التواصل بين البشر ) .

الجواب :

في حقيقة الأمر هذه المقالة هي للمهندس عدنان الرفاعي ، ولا تجد لهذه المعاني التي يدعيها عن معنى كلمة "العَرَب" و "العُرُب" و "الأعراب" أي أثر في معاجم اللغة العربية أو فقه اللغة أو كتب التفسير.

1- قول الكاتب : ( معنى كلمة "عربي" حسب الجذر اللغوي لـ "ع ر ب" فإنها تعني التمام والكمال والخلو من النقص والعيب ، فعبارة ( قرآنا عربيا ) تعني

قرآنا تاما خاليا من النقص والعيب) .

أ- لو بحثنا في جميع معاجم اللغة العربية عن هذا معنى كلمة " عرب" الذي يدعيه الكاتب أنه : " التمام والكمال والخلو من النقص والعيب" فإننا لن نجد له أي أثرٍ على الإطلاق ، والمعنى المصرح به في كتب اللغة أن " عَرَب" تعني أفصح وبيّنَ ، ووصف الله تعالى القرآن بالعربي لأنه فصيح وواضح وبيّن ، جاء في كتاب "مفردات ألفاظ القرآن " للراغب الأصفهاني : ( والعَرَبيُّ: الفصيح البيّن من الكلام، قال تعالى: ﴿قُرْآناً عَرَبِيًّا﴾ [يوسف : 2] ، وقوله: ﴿بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ [الشعراء : 195] ، ﴿فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا﴾ [فصلت : 3] ، ﴿حُكْماً عَرَبِيًّا﴾ [الرعد : 37] ، والعَرَبِيُّ: المفصح، والإِعْرَابُ: البيانُ. ، يقال: أَعْرَبَ عن نفسه. وفي الحديث: «الثّيّب تُعْرِبُ عن نفسها» أي: تبيّن. وإِعْرَابُ الكلامِ: إيضاح فصاحته ) .

قال ابن منظور في "لسان العرب" : ( تَقُولُ: رجلٌ عَرَبيُّ اللسانِ إِذا كَانَ فَصِيحًا، يُقَالُ: أَعْرَبَ عَنْهُ لِسانهُ وعَرَّبَ أَي أَبانَ وأَفصَحَ. وأَعْرَبَ عَنِ الرَّجل: بَيَّنَ عَنْهُ. وإِنما سُمِّيَ الإِعراب إِعراباً، لِتَبْيِينِهِ وإِيضاحه ) .

2- وقول الكاتب : ( عربي : وليس لها علاقة بالعرب كقومية ، فإن اللغة العربية التي هي لغة القرآن ليست لغة بشرية أصلا ، بل هي لغة السماء التي علم الله بها آدم الأسماء كلها ثم هبط بها الأرض وكانت هي لغة التواصل بين البشر ) .

الجواب:

1- تناقض عجيب: يعترف الكاتب بأنه لغة القرآن هي لغة عربية ولكن ليس لها علاقة بالعرب كقومية فقد سمّى الله تعالى في القرآن الكريم هذه اللغة باللسان فقال سبحانه : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ* مُبِينٍ )

[سورة الشعراء 193 - 195]

جاء في القاموس المحيط :

( اللِّسانُ: المِقْوَلُ، ويُؤَنَّثُ

ج: ألْسِنَةٌ وألْسُنٌ ولُسْنٌ، واللُّغَةُ، والرِّسالَةُ، والمُتَكَلِّمُ عن القَوْمِ )

وجاء في كتاب " مفردات القرآن الكريم للراغب الأصفهاني : ( يقال: لكلّ قوم لِسَانٌ ولِسِنٌ بكسر اللام، أي: لغة. قال تعالى: ﴿فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ﴾ [الدخان : 58] ، وقال: ﴿بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ [الشعراء : 195] ، ﴿وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ﴾ [الروم : 22] فاختلاف الْأَلْسِنَةِ إشارة إلى اختلاف اللّغات ) .

2- واللغة العربية عندما نزل بها القرآن الكريم زادت العرب تشريفاً وتكريما كما قال الله تعالى : ( فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ *وَإِنَّهُۥ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ۖ وَسَوْفَ تُسْـَٔلُونَ ) [ الزخرف : 43 - 44] .

وكون القرآن الكريم نزل باللغة العربية لا يعني المعنى القومي السياسي والعنصرية الذي يكون فيها التفضيل بناء على الجنس ولا الشعوبية البغيضة الذي يكون فيها التفضيل بناء على الشعب .

3- وقول الكاتب : " اللغة العربية هي لغة السماء التي علم الله بها آدم الأسماء كلها ثم هبط بها الأرض وكانت هي لغة التواصل بين البشر "

ليس هناك أي مصدر موثوق به لإثبات هذه الدعوى العريضة التي ادعاها الكاتب ، وليس فيه نص صحيح، إنما هو نقل غير مسنَد، واجتهاد واستنباط ، ولم يقل أحد من علماء الأمة بأن اللغة العربية هي لغة أهل السماء ، نكِل علم ذلك لله تعالى ولا يليق القطع به .

تكملة الرد على في الحلقة القادمة

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين