تفسير مضلل ومعاني لا أصل لها في كتب اللغة
استكمالاً للمقالة السابقة في بيان الأخطاء الواردة في معاني الكلمات القرآنية العرَب والعرُب والأعراب يقول الكاتب :
[ وتفسير كلمة ( عُـرُبَا ) بضم العين والراء وفتح الباء والتي وردت كصفة للحور العين في قوله تعالى
( فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا *عُرُبًا أَتْرَابًا * لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ )
فوصفت الحور بالتمام والخلو من العيب والنقص.
أما ( الأعراب ) الذين ورد ذكرهم في القرآن على سبيل الذم ليسوا هم سكان البادية ، لأن القرآن أرفع وأسمى من أن يذم الناس من منطلق عرقي أو عنصري، ولو كان المقصود بالأعراب سكان البادية لوصفهم الله تعالى بالبدو كما جاء على لسان يوسف : (وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي )
إذن من هم الأعراب ؟
فإن ألف التعدي الزائدة في كلمة الأعراب قد نقلت المعنى الى النقيض كما في ( قسط و أقسط ) قسط : ظلم، أقسط : عدل
عرب : تم وخلا من العيب
أعرب : نقص وشمله العيب
فالأعراب مجموعة تتصف بصفة
النقص في الدين والعقيدة
( قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ۖ ) ] .
الجواب :
1- قول الكاتب : ( كلمة "عُـرُبَا " بضم العين والراء وفتح الباء والتي وردت كصفة للحور العين معناها التمام والخلو من العيب والنقص) .
هذا المعنى لكلمة ( عُـرُبا ) لم يرد في معاجم اللغة ولا في استعمال العرب ،
قال الراغب الأصفهاني في كتابه "مفردات ألفاظ القرآن" : ( وامرأةٌ عَرُوبَةٌ: مُعْرِبَةٌ بحالها عن عفّتها ومحبّة زوجها، وجمعها: عُرُبٌ. قال تعالى: ﴿عُرُباً أَتْراباً﴾ [الواقعة : 37] )
وقال ابن منظور في "لسان العرب " : ( والعَرُوبُ: المرأَة الضَّحَّاكة، وَقِيلَ: هِيَ المُتَحَبِّبةُ إِلى زَوجها، المُظهِرة لَهُ ذَلِكَ، وَبِذَلِكَ فُسِّر قولُه، عَزَّ وَجَلَّ: عُرُباً أَتْراباً ) .
2- قول الكاتب : ( أما "الأعراب " الذين ورد ذكرهم في القرآن على سبيل الذم ليسوا هم سكان البادية ، إذن من هم الأعراب ؟
فإن ألف التعدي الزائدة في كلمة الأعراب قد نقلت المعنى الى النقيض كما في ( قسط و أقسط ) قسط : ظلم، أقسط : عدل
عرب : تم وخلا من العيب
أعرب : نقص وشمله العيب
فالأعراب مجموعة تتصف بصفة
النقص في الدين والعقيدة )
الجواب:
اختراع معاني جديدة للكلمات القرآنية لا أصل لها في اللغة العربية يعتبر خيانة للأمانة العلمية ، وتفسير القرآن بها يعتبر من التعدي على كتاب الله تعالى .
أ- الأعراب قولاً واحداً هم سكان البادية ، وهذا ما نجده في جميع معاجم اللغة وكتب التفسير ، قال الراغب الأصفهاني في كتابه "مفردات ألفاظ القرآن " :
(والأَعْرَابُ اسم لسكّان البادية ، والأَعْرَابِيُّ في التّعارف صار اسما للمنسوبين إلى سكّان البادية )
قال ابن منظور في "لسان العرب" : ( والأَعْرابيُّ: البَدَوِيُّ، وَهُمُ الأَعْرابُ ، والعَرَبُ أَهلُ الأَمصار، والأَعْرابُ مِنْهُمْ سُكَّانُ الْبَادِيَةِ خَاصَّةً ) .
وتسمية الأعراب بهذا الاسم هو باعتبار المكان الذين يسكنون فيه وهو البادية ، وليس بناء على صفة نقص في دينهم وعقيدتهم كما يزعم الكاتب ، وقد أشار القرآن الكريم الى ذلك كما في قوله تعالى : ( مَا كَانَ لِأَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ ٱلْأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ ٱللَّهِ وَلَا يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ) [ التوبة : 120 ] فقوله تعالى " وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ ٱلْأَعْرَابِ " يشير الى المكان الذي يعيشون فيه وهو البادية خارج المدينة المنورة وحولها .
ب- وقول الكاتب : ( أما "الأعراب " الذين ورد ذكرهم في القرآن على سبيل الذم ليسوا هم سكان البادية )
هذا الكلام ليس صحيحاً بل متعارض مع آيات القرآن الكريم ، فالله تعالى لم يذكر الأعراب بصفة ذم بشكل مطلق ، وإنما ذكرهم مرة بالذم ومرة بالمدح بحسب إيمانهم وكفرهم ، وبحسب الصفات التي اتصفوا بها من إخلاص ونفاق وخير وشر ، فلابد من تتبع جميع الآيات الكريمة الواردة في شأنهم حتى تكون الصورة واضحة ومتكاملة.
1- فمن الآيات الكريمة التي جاءت في معرض الثناء قوله تعالى : ( وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [ التوبة : 99 ]، وكذلك الآية السابقة : ( مَا كَانَ لِأَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ ٱلْأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ ٱللَّهِ وَلَا يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ) [ التوبة : 120 ] فهي موجهة للمؤمنين الصادقين من سكان المدينة والأعراب الذين هم خارجها .
بالإضافة لقوله تعالى : ( قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ) [ الحجرات : 14 ] فهي مؤذنة لما سوف تصل اليه تلك الفئة من الأعراب من كمال الإيمان واليقين .
2- وهناك آيات كريمة جاءت لبيان ما كان عليه بعض الأعراب من الكفر والنفاق فقال الله تعالى : (الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) [التوبة: 97 - 98] ، وقوله تعالى : ( وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ ٱلْأَعْرَابِ مُنَٰفِقُونَ ۖ وَمِنْ أَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ ۖ مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ ۖ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ۚ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍۢ ) [التوبة: 101 ].
ج- وهذا التفريق الذي ادعاه الكاتب بين عرب وأعرب قياساً على قسط وأقسط لا يوجد له أصل في كتب اللغة ، قال المرتضى الزبيدي في "تاج العروس" :
( أَعْربَ الكَلَامَ وأَعرَب بِهِ: بَيَّنَه ، وَفِي حَدِيث السَّقِيفَة كما في صحيح البخاري : (أَعْرَبهُم أَحْسَاباً) أَي أَبينُهم وأَوضَحُهم ، ومِنْ هَذَا يُقَال للرَّجُل إِذَا أَفصحَ بالْكلَام: أَعْرَبَ ) .
الحلقة الأولى هـــنا
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول